أميركا وضرورة العودة إلى دبلوماسية كلينتون الشرق أوسطية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
السبت 31 مارس 2007
توماس فريدمان
في الشرق الأوسط، مهد ميلاد علم الجبر، هناك نوع جديد من الطرح بواسطة الجمع. وإن سألتني: كيف ذلك؟ فها هي الإجابة: عليك إضافة مزيد من الرحلات المكوكية لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى المنطقة، دون أن تحمل معها أية استراتيجية واضحة متماسكة الأهداف والمعالم، إلى مبادرة السلام السعودية الخالية من العواطف، والتي تم تقديمها مجدداً لإسرائيل. ثم اخلطْ كل ذلك مع اتفاق إطلاق النار اليائس بين فصيلي "فتح" و"حماس" المتنازعين من جهة، وتراجع شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، التي بلغت أدنى معدلاتها، وستلاحظ عندها أن "طرحاً" رياضياً قد حدث، وأن تراجعاً قد تم في عملية السلام هذه، وأننا عدنا القهقرى إلى ما قبل اتفاقات "أوسلو". ووحدهم السيئون هم الذين يكتبون تاريخ الشرق الأوسط اليوم. وهم وحدهم الذين يتمتعون بالعزم والخيال، في حين يهنأ المعتدلون العرب والفلسطينيون، بالجلوس المريح على مقاعد الفرجة، في حين لم يكن قادتهم من الضعف على ما هم عليه اليوم، ولم تكن أميركا بقدر عجزها اليوم عن رسم إطار محدد وواضح للأهداف، وحثهم على العمل من أجل السلام.
كان الواجب على أميركا أن يكون أداؤها أفضل مما هو عليه الآن. فقبل نحو سبع سنوات، كان الرئيس السابق بيل كلينتون، قد وضع ما أسماه "خطة كلينتون" للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تضع فيها الولايات المتحدة الأميركية خطة تفصيلية خاصة بها، لصفقة سلام عادلة ومنصفة بين طرفي النزاع. ودعت الخطة إسرائيل إلى التنازل عن نسبة 95% من الأراضي التي احتلتها في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، حتى يتمكن اللاجئون الفلسطينيون من العودة إلى أراضيهم وليس إلى إسرائيل. وفي المقابل دعت الخطة نفسها إلى الإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية الأكثر كثافة سكانية، حول كل من تل أبيب والقدس، مع إزالة بقية المستوطنات الأخرى، شريطة تعويض الفلسطينيين عن هذه الأراضي بمساحات وأراضٍ أخرى، وغيرها من الترتيبات المشتركة التي يتفق عليها الطرفان. وعلى رغم رفض الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لتلك الخطة من جانبه، في حين لم يرحب بها الإسرائيليون مطلقاً، إلا إن ذلك لا ينفي أبداً حقيقة كون تلك الخطة، الإطار الواقعي العملي الوحيد للتسوية السلمية للنزاع، الذي وضعته أميركا. وكان قرار طاقم إدارة جورج بوش الابن، وضع تلك الخطة في الرف جانباً، طالما أن الفلسطينيين لم يقبلوها. غير أن إدارة بوش نفسها، آثرت النأي والفرجة على مسار الدبلوماسية العربية- الإسرائيلية، على امتداد السنوات الست الماضية، بدلاً من أن تشق أي طريق خاص بها في ذلك المسار الدبلوماسي.
هكذا وبدلاً من أن تؤكد واشنطن لطرفي النزاع باستمرار، أن خطة كلينتون لا تزال الأساس الوحيد الكفيل بتمكينهما من التوصل إلى إبرام صفقة سلام بينهما، وأن الدبلوماسية الأميركية ستكرس كل ما بوسعها، لوضع سياق تعاوني بين الطرفين، بما يفضي إلى تحقيق تلك الخطة، بمساعدة فريق دبلوماسي أميركي، إذا بإدارة بوش تصم أذنيها وتكتفي بهذه الزيارات المتقطعة لوزيرة خارجيتها "كوندي"، دون أن تهدف إلى ما هو أبعد من إبرام اتفاقات وقف إطلاق النار، أو لمجرد اجترار الحديث عن المحادثات... وما أكثرها: "خطة ميتشل"، "الرباعية الدولية"، "مهمة أنطوني زيني"، "خطة تينيت"، "خريطة الطريق"، ثم اثنين زائد أربعة، زائد أربعة.. إلى آخر المتوالية العددية، حتى تصل بنا في نهاية الأمر إلى خطة ستة زائد اثنين! وكما قال "دنيس روس"، المبعوث الخاص لإدارة كلينتون في الشرق الأوسط، فإن في وسع كل من شاء من أفراد طاقم بوش، أن يهزأ بخطة كلينتون كما أراد. ولكن تبقى الحقيقة، أن عدد القتلى خلال النزاعات الدموية الأربعة التي نشبت في عهد الفرجة الدبلوماسية لإدارة بوش، بين الأعوام 2001 وحتى 2005، لا يمكن مقارنته على الإطلاق بذلك العدد المنسوب لسنوات الدبلوماسية الأميركية النشطة في المنطقة، وهي الدبلوماسية التي هيمنت عليها خطط ومبادرات الرئيس كلينتون، الممتدة من مدريد إلى أوسلو، طوال الأعوام من 1991 وحتى عام 2000. ولو تمسك فريق بوش- رايس بتلك الخطة، لتبين له أنها صيغة السلام الوحيدة المقبولة والعملية. "لكن من أسف أن فلسفة بوش كلها، قد بنيت على مقولة أبجدية مفادها: كل شيء ولا كلينتون" على حد قول "جيدي جرنشتاين"، رئيس "معهد ريوت" الذي يعد أرفع المنظمات الاستراتيجية الإسرائيلية. "وبسبب عدم أخذ هذه الإدارة بخطة كلينتون تلك، فها نحن اليوم، أمام خيارات أسوأ منها بكثير".
والشيء الوحيد المطروح الآن على الطاولة، هو إعادة تدشين مبادرة السلام السعودية التي تعرض على إسرائيل اعترافاً عربياً كاملاً بها، مقابل انسحابها من كافة الأراضي الفلسطينية التي احتلتها، والتسوية العادلة للنزاع بينها وبين الفلسطينيين. ثم هناك أيضاً، اتفاقات مكة للسلام، بين "حماس" و"فتح". وإذا ما قرأ المرء نصوص تلك الاتفاقات، كما يقول "دنيس روس"، فإن ذكر إسرائيل لا يأتي فيها إلا من باب النعت لا الاسم، ولا يرد لها ذكر إلا بإلصاقها بمترادفات من شاكلة "الاحتلال" و"العدوان" وكأنها ليست دولة قائمة وذات سيادة وكيان!
وهذا هو ما يحدث عادة، ما أن تغيب أميركا وتخلي الساحة للآخرين، حتى يسارعوا إلى ملء ذلك الفراغ، بخطط وأجندات سلام، تلبي حاجاتهم ومتطلباتهم هم في المقام الأول، قبل أن تلبي حاجة المنطقة إلى السلام!