أزمة البحارة... امتحان إيراني لفكرة التضامن الأوروبي!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت 31 مارس 2007
تيموثي جارتون آشـلوس انجلس تايمز
بينما كان الاتحاد الأوروبي يحتفل في الأسبوع الماضي بمرور خمسين عاماً على أجواء الحرية والسلام والتضامن التي تسود القارة الأوروبية، تعرض 15 بريطانياً للاختطاف من المياه العراقية على يد "الحرس الثوري الإيراني". مازال هؤلاء الرجال الأربعة عشر، إلى جانب المرأة الوحيدة بينهم محتجزين في مكان مجهول لفترة تجاوزت الأسبوع، يخضعون فيها للتحقيق من دون السماح لهم بالاتصال بالمصالح القنصلية البريطانية. ولم يرشح من أخبارهم سوى ما شاهدناه على شاشة التلفزيون، حيث قام أحد المحتجزين بالإدلاء بما سمته السلطات الإيرانية بـ"الاعتراف". فإذا كانت أوروبا فعلاً كما تدعي -فماذا ستفعل حيال هذه الأزمة؟ أين التضامن الذي تتحدث عنه؟ وكيف ستتحرك؟ والواقع أن مجرد طرح هذه الأسئلة وتناولها بهذا الشكل يدل على مدى بعدنا عن فكرة الاتحاد الأوروبي التي يروج لها كثيراً، لاسيما فيما يتعلق بنشر القوات المسلحة في الخارج.
فمعظم البريطانيين لا ينظرون إلى البحارة المحتجزين على أنهم أوروبيون، كما أنهم يعولون أكثر على تحرك حاسم من الحكومة البريطانية، أو ربما من الولايات المتحدة، بل وحتى من الأمم المتحدة. ولن يدور في ذهنهم أن يولوا وجوههم عبر القناة بحثاً عن الدعم في القارة الأوروبية، ناهيك عن إدراكهم الراسخ بأن أوروبا بالكاد تستطيع الضغط على إيران، أو لها القدرة على تغيير مواقف إيران بنفس الدرجة التي تستطيع بها الولايات المتحدة ذلك. وحتى هؤلاء الأوروبيون الذين اعتبروا ما حدث أزمة فعلاً، لأن العديدين منهم لم يلتفتوا إليه بسبب الطابع المحلي للإعلام الأوروبي سواء في الشكل، أو الأولويات، فإنهم سيدرجون ما جرى في إطار النتائج المتوقعة للمغامرة الأنجلو- أميركية المتهورة في العراق. وسيعتبرونه مشكلة البريطانيين والأميركيين، بدل اعتباره مشكلة الأوروبيين أصحاب العقول الراجحة ومحبي السلام.
وقد يتساءل الذين يتابعون الأخبار عن كثب عما إذا كان اختطاف الجنود البريطانيين جاء رداً على اعتقال الولايات المتحدة لعناصر إيرانية في العراق، أملاً في أن يجري تبادل للمحتجزين؟ ولربما كانت رداً على قرار مجلس الأمن الأخير بتوسيع العقوبات ضد إيران بشأن برنامجها النووي الذي تم إقراره بعد يوم من اختطاف البحارة البريطانيين، لكن نصه كان معروفاً للجميع. ومع ذلك لست متأكداً من أن الأوروبيين طرحوا الأسئلة المناسبة عن كيفية التدخل لإنقاذ المحتجزين البريطانيين. وحتى لو نظر الأوروبيون إلى التواجد الأنجلو- أميركي في العراق على أنه حماقة كبرى وأمر غير شرعي، وبأن اعتقال الأميركيين لعناصر إيرانية في العراق هو عمل تصعيدي، إلا أن ذلك كله لا يبرر ما قامت به إيران عندما احتجزت البحارة البريطانيين. فقد كان الجنود البريطانيون يعملون ضمن قوة متعددة الجنسيات بتفويض من الأمم المتحدة لحماية المنشآت النفطية ومنع تهريب الأسلحة إلى داخل العراق. وحسب معدات تحديد المكان التي كان يحملها البحارة البريطانيون معهم كشفت الأقمار الاصطناعية أنهم كانوا في المياه الإقليمية العراقية بصدد تفتيش سفينة مشتبه فيها.
والواقع أن الإحداثيات الأولى التي أفرجت عنها الحكومة الإيرانية للسلطات البريطانية تشير إلى تواجد البحارة البريطانيين وقت الاعتقال داخل المياه الإقليمية العراقية. ولم يتغير الوضع، إلا في يوم الثلاثاء الماضي عندما كشفت الحكومة الإيرانية عن إحداثيات أخرى يبدو أنها فصلت على مقاس المزاعم الإيرانية بأن الجنود البريطانيين اخترقوا المياه الإقليمية لإيران. وقد حاولت الحكومة البريطانية في البداية الإفراج على المحتجزين من خلال ما أسمته وزيرة الخارجية "مارجريت بيكيت" "بـ"الدبلوماسية الخاصة والقوية" التي تزامنت مع ممارسة ضغوط على الحكومة الإيرانية. ومن بين الاحتجاجات أيضاً البيان الاستنكاري الصادر عن رئاسة الاتحاد الأوروبي في دورتها الحالية تحت القيادة الألمانية والموجه إلى السلطات الإيرانية. ومع ذلك دعونا نأمل أنه سيتم الإفراج عن البحارة البريطانيين، لكن ماذا عن الحوادث المشابهة التي قد تقع في المستقبل؟
فعلى رغم أن المنسق الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا أثار الموضوع مع كبير المفاوضين الإيرانيين، فإنها فكرة سيئة أن يتم ربط استئناف المحادثات النووية بملف المحتجزين. ومع ذلك تملك أوروبا ورقة مهمة يمكن توظيفها ضد إيران تتمثل في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، لاسيما وأن الاتحاد الأوروبي يعتبر الشريك التجاري الأول لإيران التي تستورد أكثر من 40% من حاجياتها من الاتحاد الأوروبي، كما أنها توجه ثلثي صادراتها إلى الأسواق الأوروبية. واللافت أن تلك العلاقات التجارية شهدت ازدهاراً كبيراً في السنة الأخيرة بسبب الامتيازات التي تمنحها بعض الحكومات الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا للصادرات الإيرانية. فحسب آخر الأرقام المستقاة من وزارة الاقتصاد الألمانية تعتبر إيران ثالث دولة تتمتع بامتيازات تصديرية تمنحها الحكومة الألمانية بعد روسيا والصين، كما تحتل الصادرات الإيرانية إلى ألمانيا نسبة 65% من إجمالي وارداتها. وستصبح العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي أكثر أهمية بالنسبة لإيران في ظل العقوبات الأممية، وفشل الرئيس محمود أحمدي نجاد في الوفاء بتعهداته للشعب الإيراني.
وأعتقد أنه إذا لم يقم الاتحاد الأوروبي بتعليق بعض الامتيازات التي يمنحها للصادرات الإيرانية فإنه من المتوقع أن ترفع بريطانيا طلباً رسمياً بذلك إلى وزراء الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم الذي سيعقد نهاية الأسبوع الجاري.