جريدة الجرائد

من يتحمل المسؤولية عن الأوضاع في غزة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



سكوت ولسون - واشنطن بوست

تقول الحكومة الإسرائيلية في المحاكم المحلية انها لم تعد تحتل قطاع غزة. ذلك أن الاحتلال يحمّل الدولة اليهودية، بموجب القانون الدولي، المسؤولية عن توفير العيش المناسب لمواطني القطاع. وكانت اسرائيل قد امتنعت عن السعي لاحداث تغيير في الوضع القانوني لغزة مع الامم المتحدة في اعقاب انسحابها من القطاع الساحلي في أيلول-سبتمبر 2005، حينما قامت بإجلاء آلاف المستوطنين اليهود وأسدلت الستار على حكمها العسكري هناك. وقد فسرت الخطوة الاسرائيلية على الصعيد الدولي في حينه بأنها خطوة على طريق السلام.

لكن الحكومة تثير القضية الآن للدفاع عن القيود التي تفرضها والتي تحد من قدرة الغزيين على الاتجار والسفر. لكن قضيتها القانوية إذا ما نجحت، فإنها يمكن أن تفضي أيضاً إلى جعل دخول الجيش الإسرائيلي أكثر صعوبة إلى المنطقة التي تبلغ مساحتها 140 ميلا مربعا، حيث ازداد تكرار إطلاق الصواريخ الفلسطينية وتهريب السلاح بحدة منذ جلاء الجيش.

تقول اسرائيل بأن دعواها القانونية التي تظهر في قضيتين على الاقل، واللتين تنظرا امام المحكمة العليا الاسرائيلية، إنما تجد جذورها في مخاوف أمنية تنامت منذ ارتقاء حركة حماس الى السلطة اثر فوزها في انتخابات كانون الثاني - يناير من العام الماضي. وتستمد الحركة الاسلامية الكثير من قوتها السياسية من غزة، بحيث اصبحت أولى أوليات مسؤولي الامن الاسرائيليين منع امتداد النزعة العسكرية المسلحة المتصاعدة في قطاع غزة الى الضفة الغربية.

يقول شلومو درور، الناطق بلسان المنسق الاسرائيلي لنشاطات الحكومة في المناطق المحتلة "لقد اعتبرنا المنطقة نواة لدولة فلسطينية لكن حماس تحكم الآن هناك. وقد فضضنا الاشتباك مع القطاع، والآن لم يعد لنا دخل فيه". وكانت اسرائيل قد افتتحت في شباط - فبراير الماضي محطة بلغت كلفتها 35 مليون دولار عند نقطة معبر اريز على حدود غزة، حيث تختم جوازات سفر المسافرين بأختام سمات الدخول والخروج.

في ملفات المحكمة خلال السنة الماضية، اكدت الحكومة أنه "مع إلغاء الحكم العسكري في غزة، وعلى ضوء الحالة الامنية الحالية، فان دولة اسرائيل لا تتحمل اي مسؤولية فيما يخص العناية بمختلف مصالح سكان غزة".

وتشبه اسرائيل غزة ببلد مثل سورية التي حافظت اسرائيل على هدوء عدائي معها منذ عام 1973، وهي تحاجج في ان "المسؤولية عن الوضع الاقتصادي في غزة تقع على عاتق السلطة الفلسطينية".

الى ذلك، قال روث لابيدوث، استاذ الكرسي في القانون الدولي في الجامعة العبرية في القدس والمستشار القانوني السابق للحكومة "يدور السؤال حول من هو المسؤول عما يحدث في غزة. ومن وجهة نظري، فان الاحتلال مستمر فقط في المناطق التي لم تتنازل فيها اسرائيل عن مسؤوليتها".

لكن الحكومة الاسرائيلية تحتفظ بالسيطرة على كافة نقاط العبور الحدودية مع غزة، باستثناء نقطة العبور الى مصر، بالاضافة الى احتفاظها بالسيطرة على المجال الجوي لقطاع غزة والمياه الساحلية وسجل السكان الذي كان يستخدم لتحديد بطاقات الهوية الفلسطينية. وفي الغضون، تستمر الامم المتحدة في اعتبار غزة منطقة محتلة.

يقول سمير حليلة، وهو اقتصادي فلسطيني شارك في المفاوضات التي جرت مع اسرائيل لاكثر من 15 عاما، إن اسرائيل تحاول من خلال الاعلان عن انتهاء الاحتلال في قطاع غزة والحفاظ عليه في الضفة الغربية الى الفصل بين المنطقتين للحيلولة دون قيام دولة مستقبلية. وكان مسؤولون إسرائيليون قد تحدثوا بشكل إيجابي في السابق عن ضم غزة في نهاية المطاف إلى مصر، وعن اقامة روابط سياسية بين الضفة الغربية والاردن. وتحتفظ كل من مصر والاردن باتفاقية سلام مع اسرائيل.

وفيما كانت تسمح لآلاف الغزيين بدخول اسرائيل كل سنة للقيام بزيارات استشفائية قصيرة، باتت الحكومة الإسرائيلية تحظر الآن دخولهم الى الضفة الغربية التي ما تزال تعتبر منطقة عسكرية مغلقة. وكانت اسرائيل قد تعهدت في اتفاقيات اوسلو في عام 1993 باعتبار غزة والضفة الغربية "وحدة اقليمية واحدة بانتظار اقامة دولة فلسطينية".

وقال حليلة، وهو مدير مكتب رام الله لصندوق بورتلاند الذي يعتبر برنامج تنمية اقتصادية مستقل "إن هذا يوضح ان حديثهم عن ان احتلال غزة قد انتهى يبقى مجرد هراء... ان قضية غزة برمتها ليست قضية اقتصادية وإنما اجتماعية".

في أحد الصباحات الأخيرة، تجمع تسعة طلبة حول طاولة اجتماعات في جامعة القدس المفتوحة في حرم من بناية واحدة. وفتحوا دفاتر مذكرات واقفلوا هواتفهم الخليوية وحملقوا في شاشة التلفاز الفخمة امامهم. وملأت ملاحظات المحاضرة الشاشة قبل ان تظهر اضافة في احدى الزوايا تظهر رجلا يتحدث إلى مدرج ممتلئ بالحضور. وكان حديث البروفيسور عن الاخلاقيات الطبية موجهاً إلى طلبة العلاج الطبيعي والتأهيلي هنا من حرم جامعة بيت لحم في الضفة الغربية التي تمنعهم اسرائيل من دخولها.

وفي واحدة من القضايا المنظورة امام المحكمة العليا في اسرائيل، كان الطلبة قد تقدموا بالتماس للسماح لهم بالمرور عبر اسرائيل والدراسة في الضفة الغربية، على الرغم من ان مكان اقامتهم هو غزة. وتواجه الحكومة الاسرائيلية ذلك بالقول ان السماح لهم بفعل ذلك "يفضي الى استنتاج مؤداه ان ثمة زعماً بوجود التزام قانوني على دولة اسرائيل" بالسماح بدخول المواطنين السوريين الى مرتفعات الجولان التي تعتبرها الامم المتحدة ايضا اراض محتلة".

وكانت اسرائيل قد احتلت مرتفعات الجولان من سورية في حرب عام 1967، ثم ضمتها في خطوة لم يتم الاعتراف فيها دوليا. وكانت هدنة قد أوقفت القتال بين البلدين في حرب عام 1973 العربية-الاسرائيلية، لكن اسرائيل وسورية لا ترتبطان باتفاقية سلام رسمية حالياً.

"هل تعتبر الحكومة الاسرائيلية ملزمة بالسماح بدخول مواطني الجزء السوري مرتفعات الجولان الى الجزء الاسرائيلي منها؟ لعل الجواب على هذا السؤال باد وواضح"، كما تقول الحكومة الإسرائيلة في ملفات القضايا المذكورة.

في أعقاب اتفاقيات اوسلو، عاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين الى المناطق المحتلة من منافيهم حول العالم بموجب وثائق سفر مؤقتة، مع تفهم اسرائيل بانهم سينالون إذناً إسرائيلياً بحيازة بطاقات هوية صادرة عن السلطة الفلسطينية. وقد سمحت الحكومة الاسرائيلية للسلطة الفلسطينية باصدار مثل هذه البطاقات للقادمين الجدد، واللازمة لتأمين وثائق السفر والتسجيل في الجامعات والحصول على تأمين طبي وغير ذلك من الخدمات الأساسية عبر نظام حصص سنوي.

لكن اسرائيل جمدت العملية في خريف عام 2000 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تاركة ما يتراوح بين 25 الفا الى 30 ألف عائلة غزية بلا بطاقات هوية. وهي التي لا يمكن من دونها ترتيب اصدار وثائق سفر فلسطينية لمغادرة القطاع حتى لغايات انسانية برعاية اسرائيلية. كما وألغت اسرائيل خططا لاعادة استكمال البرنامج المذكور بعد فوز حماس الانتخابي. وتدافع الحكومة الاسرائيلية الان عن ذلك الموقف مستشهدة بحجتها بان احتلالها لغزة قد انتهى.

في الشهر الماضي، شرع رياض زيتونية، مدير قسم الشؤون المدنية في وزارة الداخلية الفلسطينية بإصدار بطاقات هوية، لكن إسرائيل والحكومات الاجنبية لا تعترف بها على حد سواء. اما الوكالات الفلسطينية فتعترف بها على اساس انها وثائق ثبوتية صالحة، فيما تقدم نحو عشرة الاف غزي بطلبات للحصول عليها. وقال زيتونية "ان هؤلاء الناس قد ولدوا اصلا بدون اي هوية على الاطلاق".

الى ذلك، يحظى الوضع القانوني لغزة باهتمام متزايد من جانب الاستراتيجيين العسكريين الاسرائيليين الذين عولوا على نيران المدفعية بعيدة المدى وعلى التوغلات البرية بالدبابات لمواجهة هجمات الصواريخ والاسلحة المهربة التي زادت وتيرتها منذ تخلي الجيش عن قواعده في القطاع.

وفي السنة التي اعقبت انسحابه، كان الجيش الإسرائيلي قد قصف القطاع باكثر من 10 الاف قذيفة مدفعية، في جهد يستهدف وقف اطلاق الصواريخ التي افضت في السنة الماضية إلى مقتل اسرائيليين. وخلال عام 2006، قتل حوالي 400 فلسطيني خلال التوغلات العسكرية الإسرائيلية التي كانت تجري من فترة لاخرى بواسطة الدبابات.

ويقول مسؤولون اسرائيليون ان الفلسطينيين هربوا في السنة الماضية اكثر من 30 طنا من المتفجرات عبر انفاق اسفل حدود غزة مع مصر. وشرع بعض الضباط الاسرائيليين في المحاججة بانه يجب على العسكريين ان يعيدوا تأسيس تواجد عسكري دائم داخل غزة، في خطوة من شأنها ان تقوض ادعاء اسرائيل بانها انسحبت من القطاع. الى ذلك، قال الميجر جنرال يواف غالانت، قائد القيادة الجنوبية في اسرائيل "لقد اعطيناهم الخيار لانتهاج طريق افضل، لكنهم اختاروا مسار الارهاب. ونحن نمتلك حلا عسكريا اذا لزم الامر".

مع توقع صدور حكم في قضيتهم بعد أشهر طويلة، اتجه الطلبة الجامعيون الغزيون الى الخارج لاستكمال دراساتهم. وكانوا في الفصل الاخير قد قابلوا استاذهم الذي يدرس لهم من الضفة الغربية في القاهرة لمدة اسبوعين، عقدوا خلالهما عدداً من الندوات والتدريبات العملية.

ليس هناك برنامج للعلاج الحركي في غزة، حيث أفضت سنوات من الحرب مع إسرائيل، ثم اخيرا بين الفلسطيينين انفسهم، إلى نجوم الطلب على اعادة التأهيل الفسيولوجي اكثر بكثير من الحد الذي يمكن أن يفي به الممارس الوحيد لهذا العلاج والذي كان قد تدرب في القطاع.

وفي الاثناء، قال محمد الروازي (22 عاما)، والذي لم يسبق له أن دخل الحرم الجامعي في الضفة الغربية حيث سيحصل على درجته الجامعية "انهم يقولون ان غزة الآن هي مثل سورية، لكننا في الحقيقة فلسطينيون تحت الاحتلال"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف