مفاعل نووي أردني «لأغراض سلمية» ضمن مشروع عربي لاستخدام الطاقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
اليورانيوم ثروة وطنية لن تسمح عمان بالاتجار بها ...
عمان - رنا الصباغ
يخطط الأردن لتشغيل أول مفاعل نووي سلمي لإنتاج الطاقة البديلة بحلول العام 2015، وذلك "لضمان مستقبل أفضل وتحقيق تنمية مستدامة" في مملكة شبه صحراوية تعاني من عجز مائي خطير وأزمة طاقة متفاقمة بسبب تراجع الاحتياطي العالمي من النفط وارتفاع أسعاره وتزايد الطلب على الطاقة. وتعّول القيادة الأردنية على ثلاثة أعمدة أساسية لإنجاح هذا "المشروع الطموح سياسياً، وأمنياً واقتصادياً": احتياطات ضخمة من خام اليورانيوم، تجهيز كوادر بشرية متخصّصة عبر إدخال الفيزياء النووية لأول مرّة كمادة تدريس في الجامعات الأردنية, وتحالف مع دول الغرب يرتكز على الاعتدال والتوازن.
ويؤكد وزير الطاقة والثروة المعدنية خالد الشريدة أن "التحضيرات جارية على قدم وساق لرسم خريطة طريق مرتبطة ببرنامج زمني لتطبيق إستراتيجية استخدام الطاقة النووية للمساهمة في توليد الكهرباء وتحلية المياه". تندرج هذه الخطط ضمن توجّه لحماية أمن الأردن الاقتصادي وتأمين مصادر طاقة متجددة رفيقة بالبيئة بما فيها الرياح والطاقة الجوفية والشمسية "في بلد يتمتع بمناخ فريد تسطع فيه الشمس 300 يوم في السنة".
وسيعتمد البرنامج على احتياطي خام اليورانيوم المشع والعالي الجودة يقدر بـ 80 ألف طن في أربع مناطق صحراوية. وهذا الاحتياطي يلبي احتياجات برنامج الطاقة النووية في الأردن لآلاف السنين. ويتزامن ذلك مع إدخال اختصاصات في مجالات الطب والهندسة والفيزياء النووية في ثلاث جامعات أردنية فضلاً عن استقطاب كفاءات علمية أردنية تعمل في الخارج.
وشرع الأردن - أحد الموقِّعين على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية - في جس نبض الدول التي قطعت أشواطاً في بناء مفاعلات نووية، من كندا الى الصين، مروراً بالولايات المتحدة الأميركية وهولندا وفرنسا التي تنتج مفاعلاتها 76 في المئة من الطاقة الكهربائية في البلاد. وثمّة ثماني دول عربية أخرى - من بينها مصر وليبيا - تدرس استخدام مصادر طاقة نووّية في عالم تنحصر فيه عضوية النادي النووي بتسع دول ليس بينها أي دول عربية بل دولة إسلامية وحيدة هي باكستان.
ستعتمد مضامين العطاء النهائي على جوانب سياسية وبيئية إضافة الى إمكانات التمويل. ويضيف الشريدة، الذي كان يتحدث لـ "الحياة" في مكتبه في ضواحي عمان أن البرنامج الوطني المدعوم ملكياً يتماشى مع استراتيجيات طبقتها دول متقدمة قبل عقود ومع "توجهات عربية مقبولة غربيا" للسير باتجاه توليد طاقة نظيفة ومتجددة بعيداً عن الطاقة التقليدية". ويحتاج الأردن وسائر الدول العربية لهذا المصدر لغايات تلبية احتياجاتها التنموية والاقتصادية والمحافظة على استدامة الطاقة وتوفير حماية اقتصادية من تأثيرات التقلبات السياسية.
ويزور محمد البرادعي، الرئيس الحالي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأردن في الثالث عشر من نيسان (ابريل) الجاري للاطلاع على البرنامج الوطني لتطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية ودراسة إمكان تقديم دعم للجهد القائم، بحسب ما رشح من مصادر حكومية أردنية. وكان الملك عبدالله الثاني كشف خلال مقابلة صحافية عشية سفره الى باكستان أواخر عام 2006 عن مساعي بلاده للحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية مدنية لمواجهة الاختلال في مصادر الطاقة في بلد صغير محدود الموارد يعتمد كليا على استيراد النفط الخام ومشتقاته المقدرة بخمسة ملايين طن سنويا تكلف الخزينة - بحسب الأرقام الرسمية - بليوني دولار أي ربع الناتج القومي الإجمالي. وتتوقع الدراسات ارتفاع احتياجات الأردن من 129 ألف برميل نفط يومياً إلى 164 ألف برميل يوميا عام 2010.
وفاجأ توقيت الإعلان الملكي رئيس الوزراء معروف البخيت الذي صرح حينها بأنه كان يفضل أن يتواصل العمل بطريقة غير علنية على تطوير الطاقة النووية السلمية في الأردن، على غرار ما يحصل في دول عربية أخرى منها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وسورية.
في كلمته الختامية أمام قمة الرياض الأخيرة، دعا العاهل الأردني إلى إنشاء مركز عربي سلمي لاستخدام الطاقة النووية، وطالب إسرائيل - التي تمتلك 200 رأس نووي - بالانضمام إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وإخضاع مفاعلاتها للرقابة الدولية.
وبعد الإعلان الملكي بأيام شكّلت لجنة للطاقة برئاسة الأمير حمزة بن الحسين، لوضع استراتيجية وطنية للطاقة بأبعادها كافة بما فيها الشمسية، والجوفية والرياح والزيت الصخري - الذي يقدر الاحتياطي المثبت منه بـ40 بليون طن. وتعمل اللجنة الملكية إلى جانب لجنة عليا للطاقة النووية برئاسة البخيت وهي تضم وزراء الطاقة والثروة المعدنية والبيئة والتربية والتعليم العالي وغيرهم من أصحاب الاختصاص.
وتأمل المملكة - التي تعتمد على زيت الوقود المستورد ثم الغاز الطبيعي المصري لتوليد الطاقة الكهربائية، في أن يولد المفاعل النووي الأول قرابة 400 ميغاواط/ ساعة أي 10 في المئة من إجمالي الطاقة المولدة في المملكة، بحسب أصحاب الشأن وعدد من الأكاديميين ممن استشارتهم الحكومة.
وسيستمر إدخال مفاعلات أخرى على خط الإنتاج وصولاً إلى تغطية 40 في المئة على الأقل من الاحتياجات الفعلية للمملكة مع بدء العمل في أول مفاعل ضمن توجّه حظي بمباركة علنية من الولايات المتحدة، حليف المملكة الاستراتيجي وغيرها من الدول الأوروبية. وتقول مصادر سياسية وديبلوماسية غربية إن كلفة المفاعل الواحد قد تتراوح بين بليون وبليوني دولار تبعاً لقدرته الإنتاجية ونوع التكنولوجيا ومتطلبات إدارته. وسيستغرق بناء المفاعل خمس سنوات على أقل تقدير ضمن توظيف الكفاءات البشرية، وتوطين التكنولوجيا واستخراج اليورانيوم. علماً ان من دون وجود هذا المعدن المشع، الذي تصاعد سعره في السوق العالمية، سيتعذر على الأردن المضي قدماً في المشروع. وبعد تشغيل المفاعل النووي، تتوقع المصادر ذاتها أن تنخفض كلفة انتاج الكيلوواط/ ساعة الى 2.2 دولار أميركي مقابل 8 دولارات حالياً. وتعمل فرق سلطة المصادر الطبيعية على تحديد مخزون خامات اليورانيوم المشع المعروف بـ "الكعكة الصفراء" والتي اكتشفت في أربع مناطق رئيسة تمتد على شكل حزام، من منطقة حوشا المفرق (الشمال الشرقي) ووادي البهية جنوب شرق الحسا، ومنطقة السهب الأبيض جنوبي الجفر وصحراء اللجون التي تحتوى على نصف المخزون المقدر.
ويقول أصحاب الشأن ان الأردن لن يسمح لجهات خارجية باستثمار خامات اليورانيوم المقدرة بـ 2 في المئة من إجمالي الاحتياط العالمي لغايات تصديرها. بل سيسعى لتأسيس شركة وطنية لتمويل المشروع غالبية أسهمها مملوكة لجهات وصناديق استثمارية رسمية مع تخصيص نسبة صغيرة (حوالى 10 في المئة) لمطّور أجنبي بسبب الحاجة الى نقل وتوطين التكنولوجيا.
ويرى ديبلوماسيون أن الأردن "يبدي اهتماماً كبيراً بتقنية حديثة صديقة للبيئة وللصحة" لتوفير الطاقة النووية أنتجتها أخيراً شركة (كندا يو) المملوكة من الدولة الكندية لأنها لا تحتاج الى "يورانيوم مخصب أو الى تكثيف ماء ثقيل ومضغوط لغايات التبريد". هذه التكنولوجيا تعمل بالاعتماد على خامات اليورانيوم المشع الموجودة في المملكة وعلى مياه عادية. كذلك فإن هذه التكنولوجيا الجديدة ذات كلفة تشغيل منخفضة وتوفر طاقة نظيفة. والأهم أنها تعفي الأردن نهائياً من إمكان إثارة مسألة أممية أو تعقيدات مستقبلية على أرضية أن الأردن يخصب اليورانيوم ويصنع المياه الثقيلة وهي المواد نفسها التي تستعمل أيضاً في تصنيع القنبلة النووية. ولاستغلال اليورانيوم المتوافر قرب سطح الأرض مزايا إيجابية على البيئة إذ أنه يخفف من انبعاث الإشعاعات وبالتالي تخف تأثيراته على البيئة والإنسان.
وسيبقي الأردن خيارات شراء المفاعل مفتوحة على اكثر من مزود حول العالم، بما فيها المفاعلات التي تتطلب استعمال اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة. لأن من شأن عملية التخصيب ان يكون لها مردود مادي كبير إذا دخل الأردن قائمة الدول التي تصنعة وتصدره. "وسيعتمد اختيار المزود على عوامل استراتيجية وسياسية وبيئية ومالية من بينها امكانية الحصول على منح وتمويل رخيص"، بحسب احد الأكاديميين المطلعين. وتدرس الحكومة خيارات عدة لتمويل وبناء المفاعل المقترح على أسس مختلفة منها نظام البناء والتملك والإدارة (BOO) والبناء والتملك والإدارة وبعدها نقل الملكية (BOOT). لكن من المؤكد أن يتم بناء المفاعل بسواعد غير أردنية مع الحاجة لبقاء خبراء تشغيل وإدارة بانتظار توفير البديل الأردني. وسيتم العمل وبسرعة على إدخال التخصصات الجامعية المطلوبة لمساندة الجهد لا سيما أن أياً من جامعات الأردن الخاصة والعامة الـ 33 لا تدرس اختصاصات متعلقة بالطاقة النووية كما أن برامج بحثها العلمي محدودة بسبب انخفاض الموازنات التي تصرف على البحث والتطوير.
وستبدأ جامعة العلوم والتكنولوجيا من العام الدراسي 2007 - 2008 ادخال مواد الفيزياء النووية بينما ستعيد الجامعة الاردنية - الأعرق في المملكة - العمل ببرامج تخصصات في الطب النووي فيما أدخلت جامعة العلوم التطبيقية تخصص الفيزياء النووية مع بدء الفصل الثاني.
ويلعب شريدة الذي يحمل شهادة دكتوراه في الفيزياء النووية من إحدى الجامعات الهولندية، ونظيره وزير التربية والتعليم العالي خالد طوقان الذي يحمل شهادة عليا في الهندسة النووية من أميركا، دوراً مباشراً في دعم خطط المسار الاكاديمي لخلق الكفاءات البشرية المحلية ونقل التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية.
وكان الأردن من بين الدول العربية الأولى التي أدخلت، قبل 20 عاماً، تجارب محدودة لاستخدام طاقة الرياح والشمس ضمن توجّه للبحث عن مصادر متجددة للطاقة. لكن ذلك الجهد لم يؤد الى نتائج كبيرة لا سيما أن أسعار النفط المستورد كانت منخفضة بالمقارنة مع ما هي عليه اليوم بينما استمرت الحكومة بدعمه. لكن الارتفاع الخيالي في اسعار النفط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وخطط الحكومة لتخفيف التشوهات الاقتصادية والمالية دفعتها لتكثيف البحث عن بدائل: ومنها النووي.