المجتمع الدولي والضغط على إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأثنين 2 أبريل 2007
ديفيد بي ريفكين ولي إيه. كيزي - واشنطن بوست
لسينما هوليوود معين لا ينضب من القدرة على إثارة غضب الساسة داخلياً وخارجياً. فها هو آخر الأفلام الصادرة عنها للتو، وعنوانه "300"، قد أثار غضب الحكومة الإيرانية، إذ تصور قصته تصدي بضع مئات من الإغريق، لجيش فارسي جرار جاء لغزو بلادهم عام 480 قبل الميلاد. وبذلك العمل البطولي، تمكن الإغريق من إنقاذ الحضارة الغربية من موت محقق وهي لم تزل في مهدها وبواكير صباها. وبين الأشياء العديدة التي أغضبت حكومة طهران، أن مخرِج الفيلم صور الملك الفارسي العظيم، كسرى أنو شروان، كما لو كان طاغية ذا بعدين. وللحقيقة، فقد كان الملك كسرى، طاغية ذا ثلاثة أبعاد، وها هو الرئيس الإيراني الحالي، محمود أحمدي نجاد، يقتفي أثره.
فقد فرضت العقوبات الدولية على طهران كما نعلم، بسبب برنامج تسلحها النووي. كما أنها من بين الدول القليلة المعاصرة اليوم، التي لا تزال تستخدم سلاح اختطاف الرهائن، كأداة في تصريف شؤون الحكم وإقامة العلاقات الدولية مع العالم الخارجي. وليس أدل على هذا، من اختطافها في الثالث والعشرين من شهر مارس المنصرم، خمسة عشر بحاراً بريطانياً من المياه الإقليمية العراقية. ورغم أن اختطاف الرهائن، يعد انتهاكاً صارخاً وخطيراً للقانون الدولي، إلا أن الظاهر أن إيران أبعد من أن تكون دولة عصرية في هذا الشأن. وتذكر هذه الحادثة الأخيرة، باعتقال طهران للدبلوماسيين الأميركيين والاستمرار في حبسهم على نحو غير شرعي، مدة 444 يوماً، بعد فترة وجيزة من ثورتها الإسلامية عام 1979. ومثلما تذرعت طهران في تلك الحادثة، بأن اعتقال الدبلوماسيين المذكورين قد تم على يد الطلاب الثوريين -دون تعرضهم لأي عقوبة أو محاسبة من قبل الحكومة وقتئذ- فها هي تتذرع اليوم بحجة أخرى، هي أن اعتقال البحارة البريطانيين، قد حدث نتيجة لتعديهم على المياه الإقليمية الإيرانية. والحقيقة أن كافة نظم تحديد المواقع العالمية، أكدت عكس ما تدعيه حكومة طهران.
وبصرف النظر عن الموقع الذي تم فيه اعتقال هؤلاء البحارة، فإنهم يتمتعون بكافة الحقوق والامتيازات التي يكفلها القانون الدولي لأسرى الحرب، بموجب نصوص معاهدة جنيف. فهم أعضاء في الخدمة العسكرية النظامية لدولة ذات سيادة، ثم إنهم كانوا يؤدون واجبهم لحظة اعتقالهم، فضلاً عن ارتدائهم للزي الرسمي واتباعهم للأوامر حين جرى اعتقالهم، في خطوة عدوانية لا مبرر لها. وتنص معاهدة جنيف الملزمة لإيران، على المعاملة اللائقة والإنسانية للبحارة المعتقلين. وبموجب نصها فإنه يجب "حماية أسرى الحرب في كل الأوقات، وبخاصة ضد أعمال العنف والترهيب، وضد الإساءة وأعمال التشهير بهم". ويتضمن الجزء الأخير من النص، منع عرضهم أمام كاميرات التلفزيون، أو استخدامهم كأدوات للدعاية السياسية، وهو ما فعلته الحكومة الإيرانية سلفاً. وتكفل لهم نصوص معاهدة جنيف كذلك، الاتصال بلجنة الصليب الأحمر الدولية، إضافة إلى عدم استخدامهم كرهائن. وفوق ذلك، فما أن ينتهي النزاع المسلح -الذي أضحت بسببه معاهدة جنيف سارية، وهو يتمثل هنا في اعتقال إيران للبحارة البريطانيين العاملين في المياه الإقليمية العراقية- حتى يتعين إطلاق سراحهم على الفور. وما لم تعتبر إيران نفسها حتى هذه اللحظة، في نزاع مسلح مع بريطانيا، وربما مع حلفائها المقربين، مثل الولايات المتحدة الأميركية، فإنه يتعين عليها تسليم البحارة المعتقلين لحكومة بلادهم على الفور. ذلك أن نص المعاهدة واضح وفي غاية الصراحة، في منعه للاستمرار في اعتقال أسرى الحرب، بعد انتهاء العداءات النشطة الفعلية. فذلك هو القانون ولا شيء سواه.
غير أن الشكوك لا تزال قائمة، حول ما إذا كانت طهران ستلتزم بنصوص القانون الدولي القاطعة في هذه المسألة أم لا. وحتى الآن فإن التصريح الوحيد الصادر عنها، هو اعتزامها إطلاق سراح الضابطة الوحيدة بين البحارة المعتقلين، في استجابة منها لتهديد لندن بتجميد علاقاتها الدبلوماسية معها. على أن التصريح نفسه، يكشف بالطبع اعتزام حكومة طهران، استخدام عدد من النساء والرجال الأبرياء المحتجزين لديها، كأدوات للمساومة والضغط، من أجل تحقيق مكاسب أخرى. من ذلك نتوقع مثلاً أن تطالب طهران بـ"مقايضة" البحارة البريطانيين، بإطلاق سراح عملائها الخمسة الذين اعتقلتهم مؤخراً القوات الأميركية في العراق، أو بتسليمها نائب وزير الدفاع السابق المنشق، على رضا أصغري، الذي تروج الشائعات انشقاقه عن حكومة طهران، وهروبه إلى إحدى الدول الغربية في شهر فبراير الماضي.
وإزاء هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي من قبل الحكومة الإيرانية، فإن مما يثير الدهشة حقاً، عجز المجتمع الدولي عن إظهار غضبه وعزمه على التصدي لطهران. ومما لاشك فيه أن تكرار إيران لمثل هذه الانتهاكات، ستكون له آثاره السلبية الوخيمة على مستقبل حماية حقوق الإنسان. ولكن ما يخفف من وطأة هذا الصمت الدولي، إدراك الأمين العام للأمم المتحدة، "بان كي مون"، على الأقل، لخطورتها، ما دفعه إلى بدء حوار مباشر مع طهران بشأن أزمة البحارة البريطانيين. بيد أن مجلس الأمن الدولي، لم يفعل سوى تحديث بيان سبق له أن أصدره، ولم يعبر فيه عن شيء أكثر مما أسماه بـ"قلقه البالغ" إزاء مصير البحارة المعتقلين. وكانت بريطانيا قد أخفقت في إصدار قرار أقوى من ذلك في مجلس الأمن، بسبب رفض روسيا الاعتراف بما قالته بريطانيا من أن بحارتها كانوا في المياه الإقليمية العراقية، وليس الإيرانية، كما تدعي طهران. غير أن من واجب المجتمع الدولي ومؤسساته، تشديد الضغط على طهران، حماية وحفزاً لحقوق الإنسان.