القمة أعادت التواصل السعودي السوري لكن حل المشكلة اللبنانية بيد دمشق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لبنان يدخل مرحلة جديدة من تقطيع الوقت ...
بيروت - محمد شقير
قالت مصادر ديبلوماسية عربية في بيروت ان اعتذار الرئيس السوري بشار الأسد من القيادة السعودية عن كلام كان قاله في الماضي اعاد إمكان التواصل بين الرياض ودمشق، لكنها لفتت الى ان من الصعب الجزم بأن الخلاف بينهما في شأن الوضع في لبنان سيجد طريقه الى الحل ما لم تبادر دمشق الى خطوات ملموسة لإعادة الحرارة الى العلاقة بين البلدين.
ورأت المصادر ان الاعتذار السوري أعاد بناء جسر التواصل بين البلدين، لكن استعادة الثقة وتعزيزها يحتاجان الى تبدّل في السلوك السوري تجاه لبنان. وأوضحت ان الباب فُتح بين الرياض ودمشق ما يضع لبنان امام مرحلة سياسية جديدة، وإن كان الأمر يتوقف على تصرف القيادة السورية إزاء اعادة تصحيح علاقاتها العربية.
وأضافت ان هناك فرقاً واضحاً بين مرحلة التوتر التي بلغت حد القطيعة بين البلدين وبين المرحلة الراهنة التي اعيد فيها التواصل، وأن تطوير العلاقة متروك لدمشق في ظل الرغبة الأكيدة للمملكة في الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف في لبنان واستعدادها لمؤازرة الجهود لإيجاد مخرج للأزمة يعيد الى هذا البلد استقراره الأمني والسياسي واسترداد عافيته الاقتصادية. ولاحظت انه، بعد الاعتذار، يبدأ الكلام السياسي الذي يتوقف على الملاحظات التي ستقدمها دمشق الى الرياض والقاهرة والمتعلقة بالمسائل العالقة في لبنان، خصوصاً ان المشاورات في قمة الرياض بقيت في إطار تبادل الرأي ولم تتجاوزه الى تبدل في الموقف السوري من الأزمة اللبنانية.
واعتبرت، في ضوء ذلك، ان الوضع في لبنان سيدخل مرحلة جديدة من تمرير الوقت يفترض ان يغلب عليها طابع المراوحة من دون ان تتعداه الى تأزيم غير محسوب الأبعاد يمكن ان ينعكس سلباً على الداخل اللبناني.
ورأت أن عدم التوصل الى حل للأزمة اللبنانية لا يعني ان البديل سيكون لجوء المعارضة الى التصعيد عبر العصيان المدني الذي لن يجد طريقه الى التنفيذ بسبب عدم توافق اطرافها الرئيسيين على خطوة كهذه، أو في تسريع الأكثرية دعوتها الى جلسة نيابية بمن حضر، وإن في مكان آخر غير البرلمان، بغية إقرار المشروع المتعلق بإنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
في هذا السياق، تستعد رئاسة مجلس الوزراء اليوم لإرسال مشروع المحكمة، وللمرة الثانية، الى الأمانة العامة للمجلس النيابي رداً على كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري بأنه لم يتسلم حتى الساعة مشروع المحكمة، وصولاً الى تسجيل موقف سياسي يتلازم مع عودة نواب الأكثرية الى التحرك الرمزي غداً في ساحة النجمة في إطار مطالبتهم بتفعيل دور المجلس ودعوته الى الانعقاد للنظر في مشروع المحكمة والتصديق عليه.
واعتبرت مصادر في الأكثرية وأخرى في المعارضة ان ما يدور بين الرئاستين الثانية والثالثة ومن خلفهما تحرك نواب قوى 14 آذار في البرلمان سيبقى تحت سقف السيطرة السياسية حتى إشعار آخر، على رغم ان الأكثرية ستكون مضطرة الى تحريك البرلمان لإقرار قانون المحكمة، لكن قطعاً ليس الآن، بل في الوقت المناسب في حال استمر الخلاف من دون حصول أي تقدم.
وبدا واضحاً من خلال مواقف الأكثرية والمعارضة ان كلاهما يلوح باللجوء الى استخدام ما لديه من اسلحة سياسية ثقيلة في المعركة المقبلة، لكنه يحاذر في الوقت الحاضر الاقتراب منها، وهذا ما يفسر إصرار بري ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية سعد الحريري على استئناف حوارهما الذي بدأ منذ اسابيع.
كما ان اصرارهما على الحوار ينبع من حاجتهما الى التريث لمعرفة التوجهات العربية والدولية حيال الوضع اللبناني، مع عودة السفير السعودي لدى لبنان عبدالعزيز خوجة ليل اول من امس الى بيروت قادماً من الرياض، ومبادرته الى التواصل مع رئيسي المجلس نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة تمهيداً للقائهما في الساعات المقبلة.
وتشكل عودة السفير خوجة الى بيروت مؤشراً الى دعم استمرار الحوار ولو في ظل تعذّر الوصول الى حل للمشكلة، باعتبار ان الحوار إطار عام لصمود التهدئة، فيما تتطلع مصادر في المعارضة الى اللقاء المرتقب اليوم بين رئيسة الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي ونظيرها اللبناني الذي يولم على شرفها ظهراً، اضافة الى التحضيرات الجارية لاستضافة العاصمة التركية اسطنبول مؤتمر وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق الذي ستشارك فيه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس والذي تسبقه محادثات رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان في دمشق مع الرئيس الأسد وكبار المسؤولين السوريين.
ورأت مصادر سياسية لبنانية في هذه التحركات عامل ضغط لتبرير التريث وعدم لجوء الأطراف المحليين الى خيارات سياسية صعبة كبديل عن تعثر الحوار وعدم حصول تبدّل في الموقف السوري.
وفيما رد الرئيس بري على رئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" وليد جنبلاط حول دعوته الى فتح ابواب المجلس النيابي لإقرار قانون المحكمة بقوله: "لدي معرفة كبيرة بحرصك على الدستور وعلى ان لا تسجل في تاريخي نقطة سوداء، لذا أطمئنك الى ان ابواب المجلس ستبقى دائماً مفتوحة ومن منطلقات الدستور نفسه الذي نحرص عليه. اما لجهة المحكمة فأؤكد ان المجلس النيابي سيقرها وفي مهلة غير بعيدة، وسأبقى احاول ان اجعلها علامة جمع لكل اللبنانيين وليس تمزيقاً لهم كما يعمل بعض مدعي الحرص عليها"، فإنه تجنب في المقابل أي رد مباشر أو غير مباشر على موقف للنائب الحريري كان اعلن فيه "ان التسليم للمعارضة بـ11 وزيراً من اصل 30 يعني انتحاراً سياسياً وهذا ما نرفضه".
ورد بري بالصمت امام زواره، الذين لم يكفوا عن سؤاله عن رأيه في ما اعلن الحريري، مؤكداً انه اكتفى بالرد على جنبلاط لأنه يعرف ما يريد.
وأبدى بري، كما نقل زواره، خشيته من دخول البلد في حال من الجمود السياسي بعد القمة العربية على رغم ان الفرصة قبل عقدها كانت مواتية للتوصل الى حل "وأنا لست مسؤولاً عن ضياعها". وأضاف: "سنمر في وقت ضائع، وأنا لا أقصد بكلامي عن تفويت الفرصة انه ستكون انعكاسات سلبية على البلد، بمقدار ما انه كان الأفضل لنا التفاهم على التسوية بدلاً من الانتظار".
وأكد بري ان حواره مع النائب الحريري سيستمر إلا إذا طرأ شيء ما، لكن نتائجه لن تظهر بسرعة ما لم يصر الى تظهير الصورة الحقيقية لحركة الاتصالات الجارية في المنطقة، مستبعداً ان تخطو الأكثرية خطوة في اتجاه تسريع عقد جلسة من جانب واحد. وعزا السبب الى ان مثل هذه الخطوة ستضع لبنان امام خيارات خطيرة لا يريدها احد، نظراً الى ما سيكون لها من انعكاسات سلبية.