خطف الصحافي البريطاني.. الفلسطينيون يعملون ضد مصلحتهم!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
مضى ما يزيد على ثلاثة أسابيع على خطف الصحافي ألان جونستون مراسل هيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي) المقيم في قطاع غزة. المؤسف أن خطف الصحافي البريطاني الذي أحتجزه مسلّحون يوم الثاني عشر من آذار الماضي في أثناء توجهه من منزله إلى مكتبه، لا يعتبر عملاً جباناً فحسب، بل إساءة لقضية الشعب الفلسطيني وللشعب نفسه في مجموعه.
يمكن أن يكون الصحافي البريطاني قد أطلق مع صدور هذا المقال، كما يمكن أن يكون جونستون لا يزال محتجزاً، لكن الضرر الذي ألحقه خطفه بالقضية الفلسطينية حصل. المسألة مسألة مبدأ لا أكثر. هل يستطيع الفلسطينيون أدارة شؤونهم بأنفسهم أم أنّهم لا يجيدون لغة أخرى غير لغة العراضات المسلّحة وأطلاق النار في الهواء والاشتباك في ما بينهم؟ هل يستطيعون الخروج من ذهنية "جمهورية الفاكهاني" في بيروت التي لا تزال تتحكّم بتصرّفاتهم، تلك الذهنية التي أساءت إلى اللبنانيين والفلسطينيين ولم تخدم القضية الفلسطينية في شيء.
على الرغم من تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، بقي الصحافي البريطاني مخطوفاً. كان يُفترض في حكومة الوحدة الوطنية أن تضع اطلاقه في طليعة مهمّاتها وذلك كي تـُثبت أن تغييراً ما حصل في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً بعد انسحاب الاحتلال من غزة صيف العام 2005 بموجب قرار اتخّذه أرييل شارون الذي أراد أظهار الشعب الفلسطيني في مظهر الشعب غير المتحضر وغير القادر على بناء مؤسسات لدولة مستقلة. ان خطف الصحافي الأجنبي تعبير عن الفشل الفلسطيني واستمرار هذا الفشل بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. اكثر من ذلك، انّه دليل على أن وقف النار بين طرفي الحكومة، أي "فتح" و"حماس" لا يزال هشّاً وأن لا سبب حقيقياً للتوصل إلى هدنة بين الجانبين سوى أظهار "فتح" أنّها ليست لقمة سائغة عسكرياً وذلك بفضل الجهود التي بذلها العقيد محمّد دحلان من أجل أعادة أيجاد توازن في المجال العسكري بين الحركتين في القطاع.
من أجل أن يحترمها العالم، على الحكومة الفلسطينية أن تحترم نفسها أوّلاً. وقبل أن تطالب العالم بالتعاطي معها من دون تمييز بين وزرائها، عليها قبل كلّ شيء اظهار جدّية في التعاطي مع فوضى السلاح والخروج بخطاب سياسي واضح وموحّد تفهمه الأسرة الدولية. والأكيد أنّ الأسرة الدولية لا يمكن أن تفهم هذا الخطاب أو أن تكتشف أن تحسّناً طرأ على الوضع في غزة وفي الضفة الغربية من دون الاعلام. أن التعاون مع الاعلام وتقديم التسهيلات له أمر أكثر من بديهي. الاعلام جزء لا يتجزّأ من المعركة التي يخوضها الفلسطينيون مع الأحتلال. من دون الاعلام لا يمكن أن يكسبوا المعركة ولا يمكن أن يصلوا يوماً إلى دولة فلسطينية مستقلّة.
ما حصل مع مراسل "بي. بي. سي" يصب في خدمة الاحتلال الإسرائيلي. أن الذين خطفوا ألان جونستون يعملون لمصلحة إسرائيل. كيف يمكن للحكومة الفلسطينية السماح لعملاء لإسرائيل بالعمل من داخل قطاع غزّة الذي يفترض أن يكون تحت السيطرة التامة للأجهزة الفلسطينية، أو الميليشيات التابعة لـ"حماس"؟ أليس لهذه الميليشيات دور آخر غير ملاحقة ضبّاط الأجهزة الفلسطينية المحسوبين على "فتح"؟ الآن، بعد خطف المراسل البريطاني الذي اختار الإقامة في غزة، وليس في إسرائيل، عن سابق تصور وتصميم، صارت تغطية القطاع في هيئة الاذاعة البريطانية تتم عن طريق مراسلين في إسرائيل. هل هذا هو هدف خاطفي ألان جونستون؟
مرة أخرى، أن الاعلام يشكل جزءاً أساسياً من المعركة. كان الشهيد ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، يدرك ذلك جيّداً. وهذا ما جعله صديقاً للصحافيين وكبار المراسلين الأجانب والعرب. كان يلاطف ألدّ الصحافيين عداء له. كانوا يستفزّونه أحياناً. كانوا يثيرون غضبه وقد حصل ذلك مرّات عدة، لكنه كان يعمل في النهاية كلّ ما في استطاعته من أجل استمالتهم بالكلمة الحلوة وتسهيل عملهم وادخالهم إلى مكتبه أو حتى دعوتهم إلى غداء أو عشاء. كان يساير حتى أولئك الذين يتحاملون عليه، لا لشيء سوى لأنّه كان يعرف أنّه كانت لديه قضيّة وأنّ الاعلام يخدم القضية. وكان ذلك يثير إسرائيل إلى حدّ كبير، إذ كانت تدرك معنى وقوف الاعلام الدولي أو مجرد إظهاره حدّا ادنى من التعاطف مع القضية الفلسطينية. كم من صحافي أجنبي كبير قاطعه الإسرائيليون لمجرّد أنه كان يبدي تفهماً لقضية الشعب الفلسطيني وعذاباته؟
يفترض في الحكومة الفلسطينية، في حال كانت جادة في التعاطي مع مسألة تحسين صورتها في الخارج، أن تدرك أن الخطوة الأولى التي عليها الاقدام عليها السعي إلى إطلاق ألان جونستون في أسرع ما يمكن. من دون إطلاق مراسل "بي. بي. سي"، تبدو حملة العلاقات العامة التي تحاول الحكومة الجديدة القيام بها فاشلة سلفاً. لا سياسة ناجحة من دون إعلام فعّال. ولا إعلام فعّال من دون المؤسسات العالمية الكبيرة بينها هيئة الاذاعة البريطانية، بحسناتها وسيّئاتها. هل تتذكّر الحكومة الفلسطينية بين حين وآخر أهمية الاعلام، خصوصاً الاعلام الدولي، أم تريد دفع المؤسسات الكبرى إلى تغطية الأراضي الفلسطينية والنشاط الفلسطيني انطلاقاً من إسرائيل؟