إيران رفسنجاني وخاتمي ونجاد: أين الفروق؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أمير طاهري
هل الأزمة التي أثارها اعتقال الرهائن البريطانيين جزء من عملية إخفاء النيات لشن هجوم على المعارضين في إيران؟
السؤال يطرح في طهران حيث المؤسسة تناقش الوجهة المستقبلية لسياسات النظام الخارجية والداخلية.
بدأت ملامح الهجوم تتضح. فقد أغلق عدد من المطبوعات التي تنتقد جوانب في سياسة الحكومة، واعتبر كثير من المسئولين "غير ثوريين بما فيه الكفاية" وأبعدوا عن مواقعهم، خصوصا في المحافظات.
وفي الوقت الحالي يبدو أن النظام يعد المسرح لمحاكمات صورية تذكرنا بأسوأ أيام الستالينية في الاتحاد السوفياتي.
وفي الشهر الماضي سجن عضو في مجلس الشورى لمدة ست سنوات بتهمة ملفقة. غير إن الذنب الحقيقي لصلاد الدين علائي هو انه انتقد الاضطهاد الوحشي للمعارضين في محافظة كردستان الإيرانية.
وفي الأسبوع المقبل سيأتي دور مصطفى تاج زادة، المساعد السابق لوزير الداخلية ليواجه محاكمة بتهم تقويض أمن الدولة الخمينية.
ويعتبر تاج زادة واحدا من أهم شخصيات المؤسسة. وقد أصر هذا الرجل، الذي يتمتع بمصداقية ثورية معصومة، على أن النظام لا يمكن أن يضمن مستقبله عبر إسكات أو قتل النقاد.
ومن المتوقع أن يأتي دور محمد رضا خاتمي، شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي، في أعقاب تاج زادة. ويتمتع خاتمي الصغير بسيرة ثورية مؤثرة.
ففي عام 1979 كان واحدا من "الطلاب" الذي احتلوا سفارة الولايات المتحدة في طهران واحتجزوا الدبلوماسيين كرهائن. وفي وقت لاحق عزز سيرته عبر فيلق الحرس الثوري الإسلامي ورسخ مصداقيته الثورية عبر زواجه من حفيدة روح الله الخميني، آية الله الذي أسس الجمهورية الإسلامية. وخلال فترة رئاسة شقيقه كان محمد رضا نائبا لرئيس المجلس. ومع ذلك فقد كان هو الآخر هدفا للإدارة الراديكالية الجديدة للرئيس محمود احمدي نجاد واتهم "بنشاطات تقوض النظام الإسلامي".
ويعتقد احمدي نجاد إن أشخاصا مثل علائي وتاج زادة ومحمد رضا خاتمي يمثلون خطرا جليا على النظام لمجرد أنهم يؤكدون على ضرورة خضوع السلطات للقوانين التي وضعها النظام نفسه. غير انه حسب وجهة نظر احمدي نجاد لا يمكن لنظام ثوري أن يقيد بأي نظام لأنه ببساطة يقف خارج الإطار المألوف للتاريخ.
ووفقا لمصادر معارضة في طهران فان جهاز أمن النظام يعد لمحاكمات صورية لعشرات آخرين. والهدف الرئيسي لعمليات التطهير هو الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى المتعلمين الذين انضموا إلى الثورة الخمينية بسبب سوء الفهم، فيما ينظر اليهم احمدي نجاد باعتبارهم الأشخاص الذين يتظاهرون بأنهم ثوريون ولكنهم يتطلعون الى حياة برجوازية مريحة على النمط الغربي.
ويتحدث مؤيدو احمدي نجاد عن "ثورة ثالثة" يمكن، في التطبيق العملي، أن تصل إلى تطهير المعارضين داخل المؤسسة. وقد غادر الكثير من المعارضين الحقيقيين أو الراغبين في ذلك، إيران إلى ما يأملون أن يكون منفى مؤقتا في أوروبا أو الولايات المتحدة. وبينهم 12 من الوزراء السابقين ومئات ممن يحتلون مناصب أدنى. وإذا ما اقترب الهجوم فان آلافا آخرين يمكن أن ينضموا إليهم.
ولتمهيد الطريق الى هذه "الثورة الثالثة" عمل أحمدي نجاد في ثلاثة مشاريع، أولا، أضفى تطرفا على الخطاب السياسي.
وقد غيّر النظام خلال فترة الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي تدريجيا مفردات خطابه من خلال التخلي عن المصطلحات الثورية واستخدام مصطلحات السياسة العادية، كأن يتحدث الرئيسان، وهما من الملالي، عن التنمية الاقتصادية وحكم القانون والمجتمع المدني وحوار الحضارات. يضاف الى ذلك أنهما أفردا مساحة للتعبير غير الثوري في مجالات مثل الفن والسينما والأدب، ولكنهما أغلقا مئات الصحف والمجلات وأودعوا عشرات النقاد السجون، كما أنهما كانا وراء مقتل عدد من المعارضين الحقيقيين أو المتوهمين.
إلا أن ما لم يقدما على فعله مطلقا هو استهداف "أبناء" النظام. فقد كانا يقسمان الإيرانيين إلى معسكرين، الأول يضم المحسوبين على النظام، وهؤلاء سمح لهم بانتقاد النظام، واستغل كل من رافسنجاني وخاتمي بعض هؤلاء كمنتقدين للنظام الحاكم كصمام أمان للتنفيس عن التوتر وسط المجتمع. أما المجموعة الأخرى، التي يعتبر أفرادها "خارج" النظام أو دائرة النظام، فلم يسمح للمصنفين ضمنها بأي مساحة للتعبير، فضلا عن أن كتاباتهم وضعت ضمن قائمة الأعمال المحظورة بواسطة "وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي" مع حظر مشاركة هؤلاء في وسائل الإعلام، ولا ترد أسماؤهم إلا في سياق حملات الذم وتشويه السمعة. وعندما ينظر إلى أي من هؤلاء كخطر يتهدد النظام الحاكم، تجري تصفيتهم ويلقى بجثثهم في قارعة الطريق، كما حدث خلال فترة حكم الرئيس محمد خاتمي.
إضفاء التطرف على الخطاب الرسمي خلال رئاسة احمدي نجاد يجعل من الصعب على أصحاب الموقف المزدوج التحدث بلسانين، إذ لم يعد بوسع هؤلاء التظاهر بأن تكون لهم ثورة دون أن يقمعوا معارضيهم أو أن يدخلوا في مواجهة مع غير الثوريين، دعك من القوى المناهضة للثورة.
استطاع خاتمي زيارة عدد من الدول، وكان يتحدث حول حوار الحضارات في الوقت الذي لم يسمح فيه بحوار داخل إيران. أحمدي نجاد، من جانبه، يقر مرارا بحقيقة أن الثورة في المقام الأول حوار من جانب واحد، إن لم يكن مناجاة لنفسها.
مشروع أحمدي نجاد الثاني يمكن تلخيصه في ربط الانتقادات الموجهة إلى النظام بقوى أجنبية. إذ أن القرارات التي أغلقت السلطات الإيرانية بموجبها عددا من الصحف وحاكمت منتقديها تضمنت إشارات إلى وجود علاقات مع "أعداء الإسلام الأجانب". وهذا يعتبر عودة إلى المعتقدات الثورية الكلاسيكية التي لا يوجد فيها ناقد أمين لأي نظام ثوري. إذ أن أي شخص ينتقد نظاما ثوريا يعتبر تابعا أو عميلا أو عدوا أجنبيا.
ربما يكون المشروع الأكثر أهمية لأحمدي نجاد هو إحياء تظاهر نظامه بالقدسية. فقد أعاد مجددا مفهوم "الإمام الغائب" إلى مكانه السابق في مركز المبادئ الخمينية الأساسية. هذه المفهوم لا يعدو أن يكون خيالا منذ البداية، وأدرك كل قادة الجمهورية الإسلامية تقريبا أن الإبقاء على هذه المفهوم يتسبب في مشاكل نظرية ـ سياسية لا حصر لها. لهذا السبب لم يكن هناك اهتمام يذكر بمفهوم "الإمام الغائب" خلال فترتي رئاسة كل من رفسنجاني وخاتمي، على الرغم من أن كليهما رجل دين.
بإعادة مسألة "الإمام الغائب" جعل احمدي نجاد من المستحيل على أي شخص أن يدعي أن المذهب الشيعي يعترف بوجود تفسيرات متعددة. هذا النموذج من المنهج الخميني يساوي بين الإسلام والمذهب الشيعي ويساوي بين المذهب الشيعي و"الإمام الغائب" وبين "الإمام الغائب" والنظام الخميني.
كان أصحاب الموقف المتناقض والمتردد يأملون في أن يتدخل "المرشد الأعلى" في مرحلة ما لوقف احمدي نجاد والسماح للمصرح لهم بانتقاد النظام من المحسوبين عليه بلعب دور المعارضين لمصلحة النظام، إلا أن خامنئي كان قد أشاد في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة مطلع السنة الإيرانية الجديدة بأحمدي نجاد وأعلن عن تأييده لاستراتيجيته. وبذلك أصبح الخيار أمام أصحاب الموقف المتردد إما أن يصبحوا ثوريين بالكامل أو أن ينضموا إلى المناهضين للثورة.