سرّ تركيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حازم صاغيّة
سرّ الأسرار في تركيا اليوم هو: هل سيرشّح رجب طيب أردوغان نفسه لرئاسة الجمهوريّة؟ الموعد الأخير للترشّح 15 نيسان (ابريل) الجاري، ويوم الانتخاب في 15 أيار (مايو) المقبل. المواعيد وشيكة جدّاً، والرئيس الحاليّ أحمد نجدت سيزر يغادر، في أيّة لحظة، القصر الرئاسيّ الى بيته. مع هذا، لا أحد يعلم ما إذا كان رئيس الحكومة أردوغان سيخوض المعركة.
ما يضيف الحيرة الى السريّة ان أردوغان، في ما لو خاضها، سيكون الفائز حتماً. علّة ذلك القوّة الشعبيّة التي يتمتّع بها حزبه، "حزب العدالة والتنمية" الاسلاميّ، وكاريزماه الشخصيّة.
لكن لماذا يبقى الأمر سرّاً فيما الانتخابات، تعريفاً، أكثر الممارسات السياسيّة علنيّة؟
السبب هو الجيش. فالخوف الذي ينتاب أردوغان وقاعدته أن يترتّب على وصوله الى الرئاسة صدام يوميّ بالمؤسّسة العسكريّة يفضي الى إلحاق الشلل الكامل بالحياة العامّة في تركيا. والخوف يذهب أبعد، إذ قد يقفز الجيش الى السلطة ويعطّل المؤسّسات السياسيّة والدستوريّة على ما فعل أوائل الستينات وأوائل السبعينات ثم أوائل الثمانينات.
ذاك ان رئيس الجمهوريّة في تركيا يتمتّع بصلاحيّات فعليّة في عدادها تعيين قائد الجيش وقضاة البلد ورؤساء جامعاتها. لكن واجبه الأهمّ والأبرز انه الحارس للجمهوريّة العلمانيّة كما أنشأها كمال اتاتورك عام 1923.
ونظراً الى اسلامية أردوغان، سيكون في وسعه تشريع عدد من الممارسات الاسلامية التي هي موضع نزاع، وطبعاً يُستبعد فيه أن يكون الحارس المطلوب للجمهوريّة العلمانيّة.
وهذا جميعاً ما يرجّح ألا يسمح به جيش أتاتورك المؤتمن على العلمانيّة قدر ائتمانه على الجمهورية نفسها، والمدافع عن تقاليد هي النقيض الكامل للتقاليد التي يبشّر بها الاسلام السياسيّ.
فهل يعتمد أردوغان ما اعتمده الشيوعيّون الايطاليّون بعد الحرب العالميّة الثانية، مثلاً، حين آثروا كبت قوّتهم والحدّ من استعراضهم لها كي يقطعوا الطريق على تدخّل عسكريّ مصحوب بتدخّل الجيش الاميركيّ الذي كان لا يزال مقيماً في ايطاليا؟
وهذا جميعاً ينمّ عن ضعف الاستعداد الديموقراطيّ في تركيا. صحيح ان هذه الأخيرة قد تكون الأكثر تأهيلاً بين سائر بلدان العالم الاسلاميّ، وان الاصلاحات التي فرضها الترشّح لعضويّة الاتحاد الأوروبيّ زادتها تأهيلاً. لكن الصحيح ايضاً ان النقص لا يزال فادحاً بدليل الدور الضخم الذي لا يزال يلعبه الجيش بوصفه حارس النظام العلماني.
بيد أننا "نظلم" الجيش حين نحصر به وحده أسباب النقص الديموقراطيّ وتعابيره. تكفينا نظرة سريعة الى القضايا السجاليّة الكبرى التي خاضها حزب الغالبيّة، "حزب العدالة والتنمية"، لنتأكّد من ان المسألة تطال المجتمع والثقافة قبل ان تعكس نفسها على المؤسّسات العسكريّة. ذاك ان الحكومة الإسلاميّة بذلت جهوداً جبّارة لمنع البغاء وإيجاد وظائف لخريجي المعاهد الدينيّة، أو "مدارس الأئمة الخطباء" ممن لا يؤهّلهم تعليمهم العمل في إدارات حديثة، وكذلك لتعيين اسلاميّ على رأس المصرف المركزيّ، ناهيك عن جهد البلديّات التي يسيطر عليها "العدالة والتنمية" لتغيير بيوت الخلاء والتخلّص مما هو "غربيّ" فيها.
فإما ان هذا الجيش استجابة لذاك المجتمع، أو العكس، والنتيجة في الحالتين سيّان: لا ديموقراطيّة مستقرّة في ظلّ جيش يحمي العلمانيّة، ولا ديموقراطيّة مستقرّة حين يكون الحزب الأكثريّ خطراً على العلمانيّة التي تشارك الديموقراطيّة الانتماء الى أفق تاريخيّ واحد.