الرقابة الصارمة على الإعلام وتراجع الحريات في روسيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
روبرت ارتنغ وكريستوفر ووكر - انترناشنال هيرالد تريبيون
ينشط الكرملين الآن لتوسيع سيطرته على وسائل الاعلام -الانترنت بشكل خاص- فيما تتجه روسيا نحو انتخابات برلمانية في كانون الاول- ديسمبر المقبل، ونحو انتخابات رئاسية في ربيع عام 2008.
وبعد يوم واحد فقط من اجراء انتخابات الأقاليم يوم الحادي عشر من اذار -مارس الماضي، والتي كشفت عن أن قبضة موسكو لم تكن قوية كما ينبغي لها أن تكون، تحرك الرئيس فلاديمير بوتين باتجاه تأسيس وكالة جديدة لتقوم بمنح التراخيص للمنافذ الإعلامية وتقوم برصد انتاجها. وسوف تسيطر الوكالة الجديدة على التلفاز والاذاعة والصحف والانترنت.
يبدو مرسوم بوتين مقلقاً، ولو أنه يأتي استمراراً منطقياً لحملته الرامية إلى تكريس سيطرة حازمة على الاعلام، فمنذ ارتقى الى سدة الحكم، اكتسب القدرة على تقرير ما يبث في شبكات التلفزيون الوطنية الرئيسية في البلاد، كما اتخذت القيادة الروسية ايضا خطوات لوضع قيود على الصحف، مشجعة رجال الاعمال المقربين من الكرملين على شرائها. وتبدو الخطوة الأخيرة لخلق "وكالة عليا" لتنظيم الإعلام وأنها تهدف إلى تشديد هذه السيطرة، بينما تجعل من الممكن توسيع النفوذ ليشمل الانترنت الذي يعتبر حاليا اكثر الوسائط انفتاحاً في روسيا، والذي يشكل منفذا للحوار الحر على مواقع الاخبار المستقلة، وللمداخلات التي تركز على السياسة.
في الثاني عشر من اذار -مارس الماضي، اصدر بوتين أمرا بالدمج بين الوكالة الفدرالية للتقيد بقانون الاعلام والتراث الثقافي وبين الوكالة الفيدرالية لتكنولوجيا الاعلام، موجدا الوكالة الفيدرالية للاعلام الجماهيري والاتصالات السلكية واللاسلكية وحماية التراث الثقافي. ويعطي امر بوتين الوكالة الجديدة ثلاثة اشهر لتحدد الكيفية التي ستعمل من خلالها، ما يترك الكثير من الأسئلة بلا إجابات.
ومع ذلك فان المرسوم يوضح بان الوكالة الجديدة ستكون تابعة مباشرة لحكومة رئيس الوزراء، وليس الى وزارة تكنولوجيا الاعلام والاتصالات او وزارة الثقافة والصحافة حيث كانت الوكالتان تتخذان مقراتهما في السابق. ويبدو هذا القرار ذا طابع سياسي بكل وضوح؛ ذلك أن الطامحين لخلافة بوتين والمدعوين من قبل الكرملين هما حاليا النائب الاول لرئيس الوزراء ديمتري مدفيديف وسيرجي ايفانوف. وثمة افتراض بأن رئيس الوزراء ميخائيل فرادكوف الذي لا يتطلع حاليا الى طموحات سياسية اعلى سيسعى الى الحفاظ على خلق توازن في الاعلام بحيث لا يتمكن ميدفيديف ولا ايفانوف من كسب قصب السبق فيما يشكل مسبقاً إعلاماً مداراً إلى حد كبير لصالح هذين الطامحين إلى الرئاسة.
بينما تتخذ التفسيرات الرسمية للدمج شكل تصويرها على أنها جهود تستهدف توحيد واضفاء العقلانية على عملية ترخيص البث التلفزيوني والاذاعي، فان الهدف الفعلي للوكالة الجديدة سيكون شيئا مختلفا. ويقول راف ساكيروف المحرر في صحيفة ازفستسا الذي طرد من عمله بسبب تغطية منتقدة لحصار مدرسة بيسلان عام 2004 "ان هذه محاولة لوضع كل شيء تحت السيطرة. إنها لا تتعلق فقط بالإعلام الالكتروني، وإنما ايضا بضبط البيانات الشخصية الخاصة بالناس مثل المداخلين في المواقع".
في بيئة يصبح فيها العثور على معلومات مفتوحة اكثر صعوبة باطراد، يوفر الانترنت للروس مدخلاً إلى مصادر معلومات غير رسمية، ويتيح لهم منبراً لاجراء حوارات مفتوحة. وهو يعمل أيضاً كوسيط مفيد لتنظيم الاحتجاجات الجماهيرية، حيث يقوم المشاركون في مثل هذه الحشود بإرسال المعلومات المتعلقة بهذه النشاطات على الانترنت، مستغلين هذه التقنية لتقاسم المعلومات مع جماهير أعرض. وقد بعث المداخلون مثلاً صوراً من الحشد الاحتجاجي الذي سبق مرحلة ما قبل الانتخابات يوم الثالث من اذار - مارس في سانت بطرسبيرغ، وهو ما مكن الجماهير من الاطلاع على صورة واضح للحشد، متحررة من نمطية الإعلام المشذب الذي يسيطر عليه الكرملين. وهذا الأيام، لم تعد مثل هذه المعلومات تجد طريقها تقريباً إلى وسائط الاخبار التي تديرها الدولة في النشرات الإخبارية التقليدية والإعلام المطبوع.
كانت السلطات الروسية قد شرعت بممارسة الضغط على وسيطة الإنترنت، حتى قبل مرسوم الثاني عشر من اذار - مارس، ففي السنة الماضية اصدرت تحذيراً الى موقع gazeta.ru، وهو موقع الكتروني مستقل بارز يموله ليونيد نفزلين من صحيفة يوكوس، وذلك بسبب نشره الصور الكاريكاتيرية للرسول محمد. وسيفضي انذار ثان الى اغلاق النشرة. لكن ما يثير اهتماماً خاصاً هو ان الوكالة الجديدة ستتمكن من الوصول الى بيانات خاصة بمستخدمي الانترنت. ومن الممكن ان يزود هذا المورد السلطات بوسائل اكثر سهولة لشن حملات على الافراد الذين يبدون ملاحظات منتقدة لسياساتها، او على المواقع الالكترونية المهربة بشكل كثيف.
منذ ان تولى بوتين السلطة، أصبحت كافة القنوات التلفزيونية الوطنية الرئيسية - القناة الأولى وRTR وNTV كلها تحت سيطرة الدولة، في إطاء جهد أكير وأكثر منهجية للحد من تدفق المعلومات المستقلة. ويتفق شن حملة على الانترنت، وهو آخر ملجأ للحصول على معلومات بالتداعيات السياسية يتوفر للروس العاديين، يتفق مع النمط الكلي الذي كانت دعائمه قد ارسيت في وقت مبكر من حكم بوتين.
ان هذا الاجراء البيروقراطي الاحدث يعني على أي حال ان تراجع حرية الصحافة في روسيا بات يصل إلى مستويات جديدة. وينطوى الجهد الرامي إلى إدارة النقاش السياسي والسيطرة على ما يمكن للروس أن يشاهدوه على مضامين مقلقة جداً فيما يتعلق بالانتخابات المقبلة في البلاد. كما ويعتبر السياق الاوسع خطوة رئيسية إلى الوراء في مجتمع يجري فصله باطراد عن قيادته الخاصة وعن الخطاب السياسي الدولي ايضاً.