العراق: معركة الأحجام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله اسكندر
في العراق، تُظهر خريطة الاشتباكات والمواجهات الاخيرة، المسلحة والسياسية، ان المرحلة المقبلة لن تكون أقل عنفاً من السابق. إذ يبدو ان كلاً من الاطراف في العراق، من هم في العملية السياسية ومن هم خارجها وقوات الاحتلال، يصارع من أجل حفظ مكانه، قبل الوصول الى توازن يفرض وقف التقتيل، وحدا من الاستقرار والانتقال الى حل الخلافات سلما، خصوصاً في المسائل الدستورية المتعلقة بالاقاليم وتوزيع الثروة ومستقبل الوجود العسكري الاميركي.
والجديد في المواجهة العراقية الحالية انها لم تعد تقتصر على استهداف الخصوم فقط، بل انتقلت الى استهداف الحلفاء. ولا يخلو هذا الاستهداف احيانا من العنف.
الاقل بروزا، في هذه المواجهات، هو الصراع المرتبط بقيادة الحكومة والاتجاه السياسي الممكن اعتماده. وبدا ان وعود التغيير الوزاري التي أطلقها المالكي منذ اسابيع والتي ترافقت مع اعلان الخطط الامنية، أدت الى تظهير التناقضات داخل الائتلاف الشيعي الذي يشد كل من اطرافه في اتجاه. والحملة الحالية المدعومة من القوات الاميركية على التيار الصدري، سواء في معقله البغدادي او في المناطق، تذهب في اتجاه مصلحة شريكه في الائتلاف وخصمه في الوسط الشيعي أي "المجلس الاعلى". ومن جهة أخرى، تنشط اطراف أخرى، خصوصا حزب الدعوة، للاستفادة من هذا الوضع للترويج لعودة الجعفري الى السلطة. وفي هذا الاطار، يختلط هدف الخطط الأمنية، وهو ملاحقة فرق الموت المرتبطة بهذه التشكيلات، مع الصراع السياسي بين أركانها على الوجهة التي ينبغي على الشيعة التعامل بها مع الوضع الضاغط، خصوصا في ظل معطيين متناقضين: ازدياد المطالبة الاميركية الشعبية والسياسية بالانسحاب، وازدياد خطر نشوب مواجهة اميركية - ايرانية.
في الوسط السني، هناك اشارات تزداد وضوحاً الى الرغبة في التنصل من العنف التكفيري، في المؤسسة الدينية وداخل فصائل المسلحين، وإن لم تتبلور هذه الاشارات في قوة تفرض نفسها كمحاور في القضايا الخلافية.
من اقوى هذه الاشارات تشكيل مجلس علماء السنة الذي ركز في بيانه على رفض التكفير وحرمة الدم وعلى الحوار السياسي. وقبل تشكيل المجلس، انضم زعماء عشائر الى خطط امنية للتصدي للمجموعات التكفيرية. كما برزت الى العلن الخلافات بين مسلحي أحزاب عراقية تقاتل الاميركيين وبين تنظيم "القاعدة". وهنا ايضاً تختلط الخطط الامنية الحكومية التي تنفذها القوات الاميركية بين السعي الى استتباب الأمن وتغليب طرف على آخر، بما يتيح بلورة قوة يمكن ان ينعكس انضمامها الى العملية السياسية ثقلا اكبر، بعد ضمور لفاعلية الاحزاب السنية المشاركة، بفعل استهدافها من كل الجوانب، من التكفيريين ومن فرق الموت ومن الاميركيين ايضاً.
ويظهر ان الوضع الكردي هو الاكثر استقرارا، خصوصاً داخل كردستان. لكن التحديات المرتبطة بهذا الوضع الجديد، والتجاور مع ايران وتركيا، تجعل هذا الاستقرار هشاً، وقد يتعرض للانتكاس، مع اشتداد حرب الجواسيس الاميركية - الايرانية، والملابسات التي ترافقها والاتهامات في تسهيل عمل هذا الجانب او ذاك. كما يهدده التمسك ببت مستقبل كركوك هذه السنة بحسب نص دستوري. فهو اتجاه لا يروق لتركيا، كما لا يروق للعرب في العراق من سنة وشيعة، خصوصاً مع بدء السعي الى تطبيق إعادة سكان من المدينة الى المناطق التي جاءوا منها في مرحلة سابقة.
وفي هذا الجو الملتهب، تبدو القوات الاميركية في صراع مع الجميع. تقاتل تشكيلات شيعية تحاول ان تقضم من العملية السياسية لحساباتها الخاصة او الخارجية. وتقاتل المسلحين الرافضين لوجودها وتغريهم في الوقت نفسه بالانضمام الى العملية السياسية. وهي تحاول ان تفعل ذلك بأقصى سرعة ممكنة، قبل ان يتحول ضغط المعارضة الداخلية في الولايات المتحدة شللا لها في العراق.
ومن هذه الصراعات والحروب المتشعبة والمتداخلة في ما بينها والجوار الاقليمي، يُفترض ان يتشكل ميزان القوى المقبل في العراق. ويبدو ان الاحجام الحالية لن تكون هي نفسها في الوضع الجديد. والكلفة المرتفعة ستكون لتغيير هذه الاحجام.