جريدة الجرائد

لبنان... تثبيت الانقسام أم حل الأزمة؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الأثنين 9 أبريل 2007

د. وحيد عبد المجيد

إلى متى يمكن مواصلة تثبيت الانقسام اللبناني الذي ينذر بخطر فادح سيظهر حين نستنفد آخر المحاولات الهادفة إلى منع هذا الانقسام من التحول إلى صِدام؟ هذا هو السؤال الذي يصح أن يكون البحث عن إجابة عليه في صدارة جدول الأعمال العربي بعد قمة الرياض. فقد شهدت هذه القمة ما قد يساعد على أن يبقى الانقسام في لبنان عند مستواه الحالي وأن يراوح في مكانه لفترة يصعب تصور أن تكون طويلة. ومن أهم التطورات التي قد يرى بعضنا أنها كافية لتثبيت الانقسام اللبناني اللقاءان اللذان جمعا العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد.
فربما يكون لهذين اللقاءين أثر مهدئ بشأن الانقسام اللبناني لفترة لا يمكن أن تكون طويلة إلا إذا أتاحا فرصة لتفاهم سعودي- سوري على مخرج من الأزمة التي استحكمت حلقاتها، وبالتالي تحول المصافحة التي حدثت في قمة الرياض إلى مصالحة. فقد تبين، عشية هذه القمة، أن التقدم الذي أحرزته الاتصالات السعودية- الإيرانية بشأن الأزمة اللبنانية لا يكفي بدون توافق بين الرياض ودمشق.
غير أن ما يتوفر الآن من هذا التوافق لا يكفي لأكثر من الحيلولة دون المزيد من التدهور في لبنان لعدة شهور وربما أسابيع بالرغم من وجود حرص إقليمي عام على أن يراوح لبنان في مكانه خصوصاً بعد أن بدأت سوريا تحصد ثمار الفشل الأميركي في العراق، وفي المنطقة بوجه عام، بما في ذلك الإخفاق في فرض عزلة عليها. وها هي دمشق لا تكف عن استقبال الزوار من الولايات المتحدة نفسها، وليس فقط من الاتحاد الأوروبي وبعض أعضائه.
فلا حاجة لسوريا إذن، والوضع يتطور في مصلحتها، إلى تصعيد في لبنان لتوجيه رسائل هنا أو هناك، أو للتنبيه إلى أنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه، أو لخلق وضع يربك المجتمع الدولي ويهدد بإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط.
ولذلك توارت، إلى حين إشعار آخر، خطط المعارضة الحالية (قوى 8 آذار + تيار العماد عون) للتصعيد التدريجي، الذي كان قد بدأ بالاعتصام في ساحة الشهداء، ثم الدعوة إلى إضراب عام حدثت خلاله مواجهات هددت بخروج الوضع عن نطاق السيطرة. وجرى، كما هو واضح الآن، تجميد الخطوة التالية في هذا التصعيد، وهي الدعوة إلى عصيان مدني لا يقتصر على الإضراب والاعتصام، وإنما يشمل أيضاً الامتناع عن التعامل مع الهيئات والمصالح والدواوين الحكومية، بما في ذلك عدم سداد الرسوم المستحقة للدولة على الخدمات والمرافق العامة. غير أن الفريق الآخر (14 آذار) لن يتمكن من مواصلة التعامل الحذر مع مسألة إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي والحفاظ على وحدته في آن معاً. ومن هنا يبدو أن التصعيد سيأتي من جانبه هذه المرة عبر المذكرة التي وجهها نوابه في البرلمان إلى الأمم المتحدة بشأن هذه المحكمة الأسبوع الماضي.
ويعني ذلك أن تثبيت الانقسام لن يكون ممكناً إذا لم يحدث تحرك عربي فوري يعطي أملاً في انفراج الأزمة. فالتثبيت الذي يستهدف إنضاج حل قد يكون وارداً بخلاف التجميد الذي لا يبتغي سوى مراوحة في المكان بدون أفق واضح، وخصوصاً في ظل الشحن السياسي والمذهبي المتزايد وميل الفريقين (8 آذار و14 آذار) إلى "شيطنة" الآخر. كما أن عدم التصعيد لا يوقف تهريب الأسلحة براً وبحراً لمصلحة معظم القوى المنضوية في إطار كل من التحالفين، ومواصلة تخزينها.
وهنا، تحديداً، يكمن الخطر على لبنان، والخطر من لبنان على المنطقة لأن تحول الانقسام إلى صدام لن يقود فقط إلى حرب أهلية، وإنما قد يكون شرارة لحرب إقليمية تمتد من شرق البحر المتوسط إلى الخليج. ولأن هذا مصدر للخطر لا يمكن القضاء عليه بدون حل للأزمة، يصعب توقع نجاح ملموس للجهود الإقليمية في مواصلة تثبيت الانقسام اللبناني. فهذه الجهود تبدو مثل غطاء يمنع الغليان من الوصول إلى السطح، ولكنه لا يستطيع منع حدوث هذا الغليان نفسه.
وقد حلت هذه الجهود الإقليمية محل المحاولات الداخلية التي كان لها أثر مهدئ مماثل لما يترتب على هذه الجهود. ولكن أثر تلك المحاولات انتهى عندما نفذ مقاتلو "حزب الله" عملية "الوعد الصادق" ثم شنت إسرائيل عدوانها على لبنان في الصيف الماضي. فحتى ذلك الوقت، كان مؤتمر الحوار الوطني اللبناني يقوم بدوره كمؤسسة للتهدئة. وهذا هو الدور الوحيد الذي قام به على مدى عدة شهور، لأنه لم يساهم في التقريب بين التحالفين المتصارعين تجاه أي من القضايا الرئيسة أو الكبرى، ولا حتى في بناء حد أدنى من الثقة المتبادلة. ولذلك فما أن أقدم "حزب الله" على عمليته المنفردة، التي استخدمتها إسرائيل ذريعة لشن عدوانها، حتى ظهر مجدداً أن التناقض بين الفريقين أوسع مما كان متصوراً من قبل، وأن كلاً منهما يريد لبناناً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي يبتغيه الآخر.
وعندئذ لم يعد ممكناً استئناف أعمال مؤتمر الحوار اللبناني، ولا بات في إمكان أي حوار داخلي جديد أن يعاود الدور الذي لعبه ذلك المؤتمر في إطفاء الحرائق وتهدئة الأعصاب وتسكين الاحتقان السياسي والطائفي والمذهبي، على نحو دفع أحد الساسة إلى وصفه بأنه (لكزوتانيل) للبنانيين يستوعب التشنجات التي تترتب على ازدياد التوتر في لحظة ما أو تفاقم الاحتقان في موقف معين.
ولذلك لم يفلح الحوار الذي حدث أخيراً بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وزعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري في استعادة الدور الذي كان لمؤتمر الحوار الوطني اللبناني بالرغم من أن كلاً منهما كان مفوضاً من التحالف الذي يشارك في قيادته.
فالدور المهدئ أو المسكِّن الآن هو للتفاعلات الإقليمية، التي يتوقف اتجاهها وتداعياتها على الموقف السوري الذي يتعامل مع الأزمة اللبنانية الآن بحذر شديد. فدمشق ليست في عجلة من أمرها. وهي تريد أن ترى مدى الحصاد الذي ستجنيه من جراء الفشل الأميركي في محاصرتها أو فرض عزلة عليها. ولذلك فهي لا تقدم الآن على أكثر من "نقلات انتظارية" بلغة الشطرنج إلى أن ينجلي الموقف أمامها وتنقشع الغيوم التي ملأت سماءها في الشهور الأخيرة، أو هذا هو ما تتطلع إليه.
ولذلك فغاية ما يمكن أن تحققه الجهود الإقليمية هو تثبيت الانقسام اللبناني باعتباره أقصى المتاح في الظرف الراهن، وعلى أساس أن المهم هو عدم تحول هذا الانقسام إلى صدام يقود إلى حرب أهلية قد تكون لها تداعياتها المسلحة في المنطقة.
غير أنه فضلاً عن محدودية هذا الطموح، فلا يمكن لتثبيت الانقسام اللبناني أن يستمر لأكثر من شهور قليلة في غياب أي أفق لحل ممكن، وخصوصاً في ظل استمرار الشحن السياسي والمذهبي وتواصل تهريب وتخزين السلاح.
فإذا اتجهت الدول العربية المعنية بإيجاد مخرج من الأزمة اللبنانية إلى انتظار الوقت الذي تراه سوريا ملائماً -من زاوية مصالحها- للتقدم نحو حل، فهي ربما تغامر بانفجار تلك الأزمة قبل أن تتحرك دمشق للمساعدة في حلها. وحتى إذا لم يحدث هذا الانفجار نتيجة احتكاك داخلي يخلق تداعيات تصعب السيطرة عليها نتيجة قوة الشحن وآثاره المتراكمة، فهو قد يأتي من الخارج إذا أصرت قوى دولية تبدو متعجِّلة في الانتهاء من قضية اغتيال الحريري على إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي بقرار من مجلس الأمن. وقد تلجأ إدارة بوش إلى ذلك إذا بقيت مصممة على مواصلة مساعيها إلى عزل سوريا بالرغم من فشلها في ذلك. وفي ظل نفاد صبر فرنسا، قد يسهل إصدار القرار الدولي الذي يضع لبنان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على نحو لابد أن يعجِّل بالصدام الداخلي وآثاره الإقليمية.
ولذلك كله، يصح أن تتصدر هذه الأزمة جدول الأعمال العربي على نحو يتيح تكثيف التحرك السعودي- المصري تجاه سوريا. وربما يكون مفيداً عقد قمة رباعية سعودية -مصرية -سورية -إيرانية لا تنتهي دون التوافق على مقومات حل يتوجه قادة الدول الأربع به إلى بيروت لرعاية مفاوضات بين التحالفين المتصارعين لا تنفضُّ بدورها بدون إقرار هذا الحل وتحديد آليات تنفيذه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف