لوبن... هل ينأى بنفسه عن معاداة المهاجرين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الأثنين 9 أبريل 2007
إيلين سيولينو - نيويورك تايمز
أقدم مرشح أقصى "اليمين" الفرنسي "جان ماري لوبن" على خطوة مفاجئة يوم الجمعة الماضي بزيارته لمنطقة معادية لأجندته السياسية بإحدى ضواحي باريس المضطربة والتي تسكنها شرائح من السكان يغلب عليها طابع التعدد العرقي. وحملت الزيارة التي قام بها "لوبن" دلالات رمزية، حيث وقف زعيم حزب "الجبهة الوطنية" اليميني في المكان نفسه الذي سبق للمرشح الرئاسي "المحافظ" نيكولا ساركوزي، والمتقدم في استطلاعات الرأي على باقي منافسيه، أن أطلق منه عبارة "الحثالة" على المتورطين في أعمال الشغب التي عمَّت فرنسا، وذلك أثناء زيارة قام بها إلى الضاحية الباريسية عام 2005 عندما كان وزيراً للداخلية. وقد حرص "جان ماري لوبن" البالغ من العمر 78 عاماً على التوقف لأربعين دقيقة في ساحة البلدة وإلقاء خطاب مقتضب أكد فيه للجمهور الذي تحلق حوله وللصحفيين الذين لحقوا به أن المهاجرين ليسوا أغراباً، بل هم جزء من الأمة الفرنسية قائلاً: "أنتم عروش الشجرة التي هي فرنسا، إنكم فرنسيون بالكامل". ومن ناحيته مازال "ساركوزي" يعاني من التبعات السياسية المترتبة على الزيارة التي قام بها إلى المنطقة ذاتها في 2005 وتعامله الفظ مع سكانها الذين هددهم باستخدام خرطوم المياه شديد الضغط لتخليصهم من العصابات الإجرامية.
ويحاول "لوبن" الذي يشارك للمرة الخامسة في الانتخابات الرئاسية التخلص من صورة العنصري المعادي للمهاجرين، والمناهض لأوروبا التي التصقت به طويلاً سعياً منه لاجتذاب الناخبين من المعسكر "اليميني" الذين يساندون "ساركوزي". ولتحقيق ذلك الغرض يحرص "لوبن" على الظهور بمظهر الشخصية التصالحية، والمدافع عن جميع المواطنين الفرنسيين بصرف النظر عن أصولهم العرقية. وفي هذا السياق صرح "لوبن" أمام الجمهور: "إذا كان البعض يريد أن يقصيكم، فإننا نسعى إلى إخراجكم من الجيتوهات التي وضعكم فيها السياسيون الفرنسيون، ليقولوا عنكم لاحقاً إنكم مجرد حثالة". وأضاف "لوبن" في معرض زيارته: "إنني أريد أن أشكركم جميعاً للسماح لي بالتحدث إليكم من هذا المكان الذي لا يجرؤ وزير الداخلية السابق على المجيء إليه".
ورغم تعهد "ساركوزي" بالرجوع إلى المنطقة المضطربة، فإنه ألغى زيارة كان يعتزم القيام بها خلال السنة الحالية بعدما عثرت الشرطة على قنابل من البنزين في إحدى الشقق القريبة.
وفي يوم الخميس الماضي ألغى "ساركوزي" على نحو مفاجئ زيارة إلى أحد الأحياء بمدينة "ليون"، حيث تجمع أكثر من مئة شخص للاحتجاج على الزيارة. وقد عزا "ساركوزي" هذا الإلغاء إلى تأخر موعد وصول الطائرة التي كان يستقلها، لكن المتحدث باسمه أعلن لاحقاً أن السبب الحقيقي وراء إلغاء الزيارة هو تفادي "تسليط الضوء على اليسار واليسار المتطرف".
ويحتل "لوبن" المرتبة الرابعة في استطلاعات الرأي الفرنسية ضمن سباق يشارك فيه 12 مرشحاً يخوضون سباق الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 22 أبريل الحالي. ويتطلع "لوبن" إلى إعادة الإنجاز الذي حققه في الانتخابات الرئاسية لعام 2002 عندما استطاع التقدم على المرشح الاشتراكي في الجولة الأولى واحتلال المرتبة الثانية بعد أن حصد 17% من أصوات الناخبين التي أهَّلته للمرور إلى الجولة الثانية. وحسب استطلاعات الرأي تقف نسبة التأييد التي يحظى بها "لوبن" عند 16%. ويحتل المرتبة الأولى "ساركوزي" بنسبة تصل إلى 26%، تليه المرشحة الاشتراكية "سيجولين رويال" بنسبة 23.5%، ثم مرشح الوسط "فرانسوا بايرو" بنسبة 21%.
وقد بلغت ثقة "لوبن" في تأهله إلى الجولة الثانية من الانتخابات إلى درجة أمر فيها بتجهيز 350 ألف ملصق لتوزع غداة انتهاء الجولة الأولى. واللافت أن "لوبن" بدأ يحقق بعض النجاح في أوساط الناخبين الأكبر سناً من أصول عربية وأفريقية الذين يعيشون في الضواحي ويتطلعون إلى تحسين الوضع الأمني في أحيائهم، ومنع وصول أفواج جديدة من المهاجرين. وفي هذا السياق يقول أحد سكان الضواحي من أصول عربية الذي فضل الإشارة إليه فقط باسم "مهدي": "إذا لم يكن هناك من خيار آخر سأنتخب لوبن"، موضحاً موقفه بقوله "على الأقل نحن نعرف لوبن، كيف يفكر وأجندته الحقيقية لأنه متواجد على الساحة السياسية منذ أربعين عاماً، أما ساركوزي فهو جديد وماكر". ومع ذلك لم تمر زيارة "لوبن" إلى الضاحية الباريسية دون تعبير البعض عن احتجاجهم، حيث صرخت مجموعة من الأمهات اللواتي خرجن إلى الشارع "إننا لا نريدك هنا، عدْ إلى بيتك ولا ترجع مرة أخرى". وفيما صرخت امرأة متسائلة: "هل تعتقد أن هذه المنطقة حديقة للحيوانات؟"، علا صوت أخرى "لوبن ابن هتلر".
يذكر أن "لوبن" العسكري الفرنسي السابق، وضابط المخابرات الذي عمل في الجزائر وفيتنام يركز في حملته الانتخابية على قضية مناهضة الهجرة. ويدعو حزبه إلى خفض الضرائب المفروضة على الدخل، وإلغاء الدعم المقدم إلى قطاع الأعمال، فضلاً عن التخفيف من البيروقراطية الفرنسية المتضخمة، ثم إلغاء الامتيازات التي يستفيد منها المهاجرون غير الشرعيين. لكنه يسعى هذه المرة إلى استمالة الناخبين من أصول عربية وأفريقية بانتقاده للسياسات الفاشلة التي انتهجتها المؤسسة السياسية الرسمية في فرنسا لإدماج المهاجرين. هذا وتستمر بعض مواقف "لوبن" في إثارة انتقادات واسعة داخل فرنسا. فقد صرح مؤخراً في حوار أجرته معه صحيفة "لوموند" بأن الأعراق ليست متساوية، موضحاً ذلك بقوله "إنك لا تستطيع التشكيك في عدم مساواة الأعراق، فالسود مثلاً أفضل من البيض في رياضة العدو مثلاً، في حين يتفوق البيض على السود في السباحة". وفي تعليق ساخر أدلى به السنة الماضية قال "لوبن" إن أول زيارة خارجية سيقوم بها كرئيس ستكون إلى الضواحي الفرنسية.