صحافيون يصادرون حق حرية الرأي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الأثنين 9 أبريل 2007
د. عائشة عبدالله النعيمي
جرت العادة بأن تمارس الأنظمة السياسية القمعية في بعض المجتمعات فعل الرقابة والمنع ومصادرة الحق في التعبير عن الرأي، إلا أنه من اللامنطق والمرفوض أخلاقياً ومهنياً أن يقوم الصحافي بفعل الإقصاء والمنع ضد زميل له في المهنة بهدف تحقيق منفعة ما.
هذا اللامنطق واقع تتم ممارسته داخل بعض مؤسساتنا الصحافية، حيث تعمد مجموعة من الصحافيين الإماراتيين ذوي السلطة الوظيفية الأعلى داخل المؤسسات التي يعملون فيها إلى رفض نشر أية مادة ذات علاقة باجتماع الجمعية العمومية لجمعية الصحافيين الأخير، أو التدخل بصورة غير موضوعية في تعديل المادة الصحافية التي كتبت من بعض الصحافيين مما ترتب علية الإخلال بمبدأ حق التعبير عن الرأي ومبدأ الشفافية والمصداقية التي يجب أن تلتزم بها الصحيفة تجاه القارئ.
هذا الفعل يجعلنا نقف أمام مسألة في غاية الأهمية والخطورة، فبغض النظر عن المبررات والحجج التي قيلت، والتي يمكن أن تقال، حول أسباب المنع فإنه لايجوز أن يكون الإعلاميون هم الأداة التي تمارس الفعل الرقابي على بعضهم بعضاً، ولا يجوز أن يحل مبدأ الإقصاء بدلا من مبدأ الحوار الديمقراطي.
جاء هذا الفعل في سياق التداعيات التي صاحبت الاجتماعين الأول والثاني للجمعية العمومية للصحافيين في الإمارات، وكلا الاجتماعين لم يكلل بالنجاح، حيث تقرر عقد اجتماع تكميلي نتيجة خطأ اجرائي في جدول أعمال الهيئة الإدارية في الاجتماع الأول وتم تأجيل الاجتماع الثاني (التكميلي) نتيجة عدم اكتمال النصاب، وحدث نوع من الاختلاف في وجهات النظر حول بعض الأمور الإجرائية بين مجموعة من الأعضاء والإخوة أعضاء مجلس الإدارة، وهي مسألة واردة وحدوثها مؤشر صحي وايجابي ولايمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال مبررا يستدعي من بعض الإخوة الزملاء، الذين يتحملون مسؤوليات إدارية داخل المؤسسات الصحافية التي يعملون فيها أن يمارسوا فعل المنع والحجب لمصلحة مجلس إدارة جمعية الصحافيين.
إن فتحنا لملف ldquo;جمعية الصحافيينrdquo; لا يأتي من زاوية شخصنة الموضوع وربطه بأسماء محددة بقدر ما يأتي من كوننا ننتمي جميعا إلى هذا الكيان ومعنيين بتفعيله ودفعه باتجاه أن يكون قادرا كتكوين مهني ذي سمة أهلية على مواجهة التحديات التي تواجه مهنة الإعلام والإعلاميين في دولة الإمارات. وسوف ترتكز قراءتنا لتجربة الجمعية على بعدين أساسيين هما: البعد القيمي والبعد المهني وذلك بهدف تحليل وتقييم التطورات التي حدثت خلال المرحلة السابقة من منظور ماتحقق للصحافيين وللمهنة.
فيما يتعلق بالبعد القيمي:
1- ألا يمكن اعتبار حدث منع الصحافيين لزملائهم من الكتابة نوعاً من استغلال النفوذ ونوعاً من التداخل بين الالتزام المهني والمصلحة الذاتية، وألا يمكن الحديث عنه باعتباره فعل وصاية يخل بمبدأ ldquo;الحرية الإعلاميةrdquo; والذي يعتبر من المبادئ الأساسية في النظام الاساسي للجمعية؟
إن مثل هذا الاتجاه في الممارسات يجعلنا أمام واقع استثنائي متمثل في ممارسة الصحافي الوصاية والضغط المهني التعسفي على زملاء مهنته، واقع تتحكم فيه مجموعة من الأسماء بالمؤسسات الصحافية، واقع يشكك في مصداقية الصحافي والصحيفة أمام الرأي العام، واقع يدفع فيه بعض الصحافيين زملاء مهنتهم للبحث عن منافذ إعلامية خارجية لطرح قضايا ذات بعد داخلي وتعتني بالهمّ المحلي مما قد يعكس صورة سلبية عن ممارساتنا الديمقراطية ويطرح سؤالا مشروعا حول الحريات الإعلامية في الإمارات. أخيراً، يعكس لنا هذا الاتجاه واقعا لمدى تغييب البعض منا لمفهوم الثقافة الديمقراطية التي تقوم على أساس التعددية وحق الاختلاف والقبول للرأي الآخر لافرض السيطرة عليه ومحاولة تغييبه من المشهد العام.
2- ارتباطا بالبعد القيمي يأتي خبر الاتفاقية الذي نشر في صحيفة ldquo;البيانrdquo; بتاريخ 3- ابريل/نيسان -2007 (ص 30) والذي أعلن بموجبه اعتماد إحدى الشركات الإماراتية العاملة في مجال البترول راعياً رسمياً لجمعية الصحافيين، وبغض النظر عن مدى صحة هذا الخبر من عدمها إلا أنه يأتي ليطرح أسئلة كثيرة منها على سبيل المثال: ما رؤية مجلس إدارة الجمعية لمسألة قبول الرعاية والدعم؟ ما المعايير القيمية التي وضعها لقبول المنح والتبرعات؟ ما الضمانات التي حددها والتي تحول دون الإخلال بمبدأ استقلالية المهنة ونزاهة العاملين فيها؟ هل يجوز قبول المنح والهدايا من الجهات التي تتداخل مصالحها ومصلحة الرأي العام في المجتمع؟ وما مدى حاجة الجمعية إلى التبرع؟ والسؤال الأهم والأكثر حساسية هو: هل يجوز أصلا لجمعية صحافيين أن تقبل الدعم المادي من المؤسسات في المجتمع؟.
3- في البعد القيمي ذاته تأتي مسألة رفع مسودة مشروع قانون المطبوعات والنشر إلى المجلس الوطني للإعلام من دون منح أعضاء الجمعية العمومية حقهم المكتسب بالاطلاع عليه وقراءته نصا ومن ثم إقراره، تأتي هذه المسألة لتشكل إحدى التجاوزات المفصلية لقيمة احترام الصيغة الجامعة للصحافيين الإماراتيين وسلبهم حقهم في المشاركة في وضع القانون، فنحن هنا أمام تحول تاريخي في المشهد الصحافي، فمنذ صدور القانون الأول 1973 وتعديله بعد ذلك في عام ،1981 أي أنه وبعد مرور مايقارب 26 عاما تأتي هذه الخطوة لتطرح صياغة جديدة لحاضر ومستقبل الصحافة الإماراتية، والصحافيون من منطلق التزامهم المهني والأخلاقي مطالبون هنا وبلا استثناء بتحمل مسؤوليتهم التاريخية والوطنية والمتمثلة في المشاركة في تحليله وإبداء الرأي بما يخدم مصلحة الإعلام الإماراتي ومصلحة الوطن الذي ينتمون إليه، وإذا كان مجلس إدارة الجمعية قد تجاوز الجمعية العمومية (وهو تجاوز بالمناسبة قد يؤدي في بعض التجارب النقابية والمهنية في الدول الأخرى إلى اتخاذ إجراء بمستوى حجب الثقة عن مجلس الإدارة) في ذلك فإننا نعتقد بأن هناك ضرورة للتراجع عنه حتى وان تطلب الأمر عقد جمعية عمومية استثنائية لمناقشة مشروع القانون.
في ما يتعلق بالبعد المهني فلا شك في أن التحدي الذي يواجه الصحافة الإماراتية كبير خاصة في ضوء التحولات السريعة سواء على مستوى التقنية أو المضمون، وهي تحولات تفرض علينا ضرورة تحديد خياراتنا الاستراتيجية لخطابنا الاعلامي واتجاهاته، وتفرض علينا أجندة عمل تتبنى في محاورها الرئيسية قضايا أساسية مثل برامج التدريب والتطوير للكوادر المهنية وآليات عمل تتيح المتابعة المستمرة للتطورات الفنية والتقنية للمهنة بالإضافة إلى تثبيت قواعد ومعايير واضحة ومشروطة ترفع الضغوط المهنية والقانونية والمعيشية عن الصحافيين، عبر تفعيل التواصل مع الجهات الأخرى في ما يتعلق بشؤون المهنة وتنظيمها وتطوير التشريعات ذات العلاقة بها. وإذا ماكانت الجمعية ممثلة في مجلس الإدارة قد قطعت شوطا يحسب لها في هذا الجانب إلا أن المسألة الأهم وهي توطين الجسد الصحافي (الأمرتة) مازالت بحاجة إلى استراتيجية عمل واضحة تستهدف من خلالها الجمعية ضمان توفير نسب ثابتة من الوظائف للجيل الإماراتي الجديد في المؤسسات عبر إيجاد صيغة لعقد نوع من الشراكة أو الاتفاقيات المشروطة مع صانع القرار في داخل المؤسسة والتنسيق مع سياسات المجلس الوطني للإعلام في هذا الجانب. إن تحقيق هذا الهدف يعني البدء بعملية إصلاح جذرية لحالة اللاتوازن التي يعاني منها الجسد الصحافي الاماراتي منذ بدايات نشأته وحتى الآن.
وأخيرا تبقى الدعوة إلى تقييم تجربة العمل في جمعية الصحافيين بعد مرور أكثر من ست سنوات دعوة مشروعة، وهي لا تعني بأي حال من الأحوال التقليل من الجهد الذي تم حتى اللحظة بقدر ما تعني الحرص على الجمعية وعلى ضرورة تفعيل دورها المهني والمجتمعي باعتبارها جمعية تمثل الفئة الأكثر تفاعلا مع القضايا العامة ومع الرأي العام. وهي مسألة لايمكن انجازها إلا من خلال التزامنا بالدور والهدف عبر مدخل الديمقراطية وقبول الرأي الآخر، وعبر التأكيد على الالتزام بمعايير تفرضها علينا المبادئ الأساسية للمهنة، والالتزام بالأعراف والقوانين السائد العمل بها في تجارب العمل النقابي والأهلي في مؤسسات المجتمع المدني، لأن غياب الوعي في هذا الجانب سيؤدي إلى خلط في المفاهيم تنبني عليه تناقضات في الإجراء والموقف.