تاريخ الكويت.. خيوط من دخان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الأثنين 9 أبريل 2007
السفير عبدالله بشارة
لنعترف بأن تاريخ الكويت لم يكتب ـ حتى الآن أبرز محطات الأحداث في حياة الكويت، فأكثر الأحداث أهمية لم تسجل، وليس لها أرشيف وطني، وتناولها المجتهدون بشكل غير علمي وبأسلوب انتقائي، إن لم أقل بسطحية، ولفت نظري ما جاء في صحيفة "الوطن" يوم الأحد الماضي الموافق الأول من أبريل الجاري، عندما وفرت الصحيفة مساحة واسعة للشيخ راشد الحمود ـ أمين سر مجلس العائلة ليتحدث من منظوره الشخصي عن بعض المحطات القديمة، وبعض المواقف الحديثة.
وبسبب غياب الأرشيف الموثق المعتمد عليه، لا يمكن أن تؤخذ الأحداث التي وصفها الشيخ راشد الحمود بأنها حكم التاريخ الذي لا يمكن الدخول في جدل معه، ولا يهمني في هذا المقال ما أشار إليه الشيخ راشد الحمود عن الرياضة أو عن علاقة التجار بالسلطة ـ وهذا الموضوع يستحق الكثير من البحث الموضوعيـ وإنما تهمني جداً الإشارات عن تلك المشاهد الكبيرة التي تجاهلناها وكثيراً ما نهرب منها عندما نريد تسجيل تاريخ الكويت.
وأتفهم جيداً مبررات الابتعاد، فالكثير من الأحداث ربما يشكل ألغاماً تؤذي، وجروحاً تدمي، وتعمق آلاماً أجهدها الزمن, حيث مررت شخصياً ببعض هذه المشاهد عندما توليت الإشراف على تدوين الحياة السياسية للمرحوم الشيخ صباح السالم الصباح حاكم الكويت الثاني عشر, وفي هذا الجانب أود أن أشير إلى الملاحظات التالية:
أولا: لا نستطيع, مهما تحكم فينا العناد الإصرار,على دفن التاريخ ولا يمكن أن نستمر إلى ما لا نهاية في طريق التجاهل وممارسة التعتيم والاستسلام للحساسيات لأن الخطورة في ذلك هي القفز المضر والمؤذي على حقائق الكويت, وتعمد التجهيل ورفض التثقيف والتعريف والتعليم عن مسيرة الكويت وإخفاء واقعها عن مصادر المعرفة وهي عملية غير مسؤولة تولد أجيالاً لا تعرف تاريخ وطنها ولا تتفاعل مع أحداثه ولا تتأمل في دروس هذه الأحداث، ولا تساهم في التنقيب عن حقائق الكويت، والعمل على إثراء التجارب الكويتية عبر التعمق والتمحيص في مسببات تلك الأحداث وما خلفته من تركة في إيجابياتها أو سلبياتها.
كلنا على اتفاق بأن التعتيم وإسدال الستار على مشاهد الحياة أمر لا يمكن أن يستمر بهذه الصورة التي تفرز اجتهادات غير موفقة وغير علمية ولا تتفق مع الواقع.
وفي هذا الصدد، لا يمكن السماح للاجتهادات الفردية أن ترسم بكلماتها أحداث الكويت وفق قناعاتها وأمزجتها، لأن الحصيلة النهائية ستكون مهزوزة ومشكوكا بجديتها.
ثانياً: إذا كان التعتيم والتحفظ وصون الحساسيات هي ظاهرة داخلية فسيؤدي ذلك النهج عملياً إلى تطوع الآخرين من باحثين وكتاب ومجتهدين سواء من عرب أو من غيرهم للتعاطي مع تاريخ الكويت وفق اجتهاداتهم, القليل منهم سيتجه نحو العلمي الموضوعي والبحثي, وأكثرهم خاصة عند العرب, سيتجه نحو التلميع والوهمية والمبالغات في روايات على طريقة أبو زيد الهلالي, أو يتلمس الوقائع لصالح طرف ما.
وقرأت ـ مثل غيريـ الكثير من المؤلفات المروجة لموقف معين، والنابعة من رغبة في الحصول على المكافآت المالية المرجوة.
وقليل من هذه الكتب يستحق القراءة وهي مشوهة وتمارس الغش التاريخي, ومن الإنصاف أن أشير بأن بعض المجتهدين الكويتيين تعاملوا مع الأحداث بأمانة ونوايا حسنة غير أن ضعف المصادر وانعدامها باللغة العربية أضعفت هذه الاجتهادات..
ثالثاً: تتواجد المصادر التي يعتمد عليها لتسجيل أحداث الكويت والتي تشكل المادة الهامة في هذه الأحداث في الجامعات البريطانية وفي مكتبة الكونجرس الأمريكي, وهناك الكثير من مذكرات ويوميات كتبها من عاش في الكويت من البريطانيين والأمريكان موجودة في خزائن جامعة أكسفورد وفي الكونجرس الأمريكي, الكثير منها لم ينشر, وهنا أشير إلى مذكرات الدكتور ميرلي Mylrea الطبيب البريطاني الذي مارس الطب في المستشفى الأمريكي ودفن في الكويت في عام 1953، حيث سجل الكثير من الانطباعات، القليل منها رأى النور، وفي ملاحظاته عن أحداث الجهراء عام 1920 الكثير من المعلومات.
لكن أبرز سجل عن الكويت هو اليوميات التي كتبها المقيم البريطاني في الكويت السيد ديكسون والذي ظل في الكويت بعد إتمام عمله في عام 1936, مستشاراً لشركة النفط وقريباً من المرحوم الشيخ أحمد الجابر وسجل المستر ديكسون يوميات هي الكنز القيم لأحداث الكويت في الفترة ما بين 1928 حتى وفاة الشيخ أحمد الجابر.
وقد قرأت بعض هذه اليوميات التي كان يسجلها عن أحاديثه مع المغفور له الشيخ أحمد الجابر، وهي خزان واسع يحتوي على معلومات عن وقائع مازالت غير معروفة للرأي العام.
وما أشار إليه الشيخ راشد الحمود في حديثه الطويل مع "الوطن" جاء من مصادر مجتهدة لكنها ليست بالضرورة موثقة, وأقول ليس من الإنصاف أن نترك الاجتهاد مهما كانت أمانتهـ يسجل تاريخ الكويت ويدونه لكي لا يستسلم تاريخ الكويت للانفعالات ويتلون بأطياف شخصية.
أقول ذلك وفي ذاكرتي ما سجله المرحوم خالد سليمان العدساني في مذكراته عن أحداث 1938، وهي سجل من وجهة نظر شخصية حادة واستقصائية وموغلة في إصدار الأحكام على الذين اختلفوا معه في الاجتهادات, مثل هذه التسجيلات مفيدة لكنها غير كافية لبناء هيكل مترابط وعلمي وموضوعي يقدم إلى الجيل الحاضر عن تاريخ الكويت.
وربما من باب الصدف أن يحمل عدد "الوطن" الصادر في أول إبريل مقالاً كتبه الأخ الفاضل علي يوسف المتروك وهو رجل أعمال وشاعر ويحمل مصداقية الباحثين, تحت عنوان "وقفة مع الطبطبائي"، يستذكر فيه دور الشيعة في بناء الوطن, مشيراً إلى النزعة الوطنية الإيجابية لعائلة آل معرفي ذات السمعة الطيبة.
وهذه إضافيات وطنية لم تدخل في اعتبارات الذين سعوا لتسجيل أحداث الكويت، بالإضافة إلى إضافات أخرى حول دور المقيم البريطاني في الكويت المستر ديجوري الذي لم تكن علاقاته مع الشيخ أحمد الجابر على ما يرام, مع الدور العراقي السياسي والإعلامي الذي أشار إليه الشيخ راشد الحمود, وهو دور هدام وعدائي.
رابعاً: محطات الكويت المثيرة والمملوءة بالأحداث المؤثرة, ليست محصورة بوقائع المجلس, وإنما هناك العديد من استفسارات وتساؤلات حول هذه الأحداث وتفاصيلها, لم تتوفر عنها أجوبة كافية، كان الشيخ أحمد الجابر لاعباً أساسياً فيها، لأنها, لم تسجل بطريقة علمية وموضوعية تشفي غليل القارئ, وهي تساؤلات في مكانها تمس حجم الالتزام البريطاني بالدفاع عن الكويت, وهو التزام أكده المقيم البريطاني في الكويت للشيخ سالم المبارك, لكن هذا الالتزام لم يظهر عند الحاجة. وإنما الذي اتضح هو الالتزام البريطاني بالدفاع عن الكويت المدينة وقراها المجاورة بحدودها الحالية تقريباً، وليس الدفاع عن الكويت كما تركها الشيخ مبارك الصباح.
وما حدث في العجير عند تحديد الحدود, وبعدها, والحصار التجاري على الكويت وعلاقة الشيخ أحمد بالملك عبدالعزيز في العشرينات وبعدها وثورة الإخوان..
مزايا مقابلة الشيخ راشد الحمود ـ أمين سر العائلة ـ أنها تعاملت مع الممنوعات الشائكة، وهي بادرة لا بد من تشجيعها من أجل أن يدون تاريخ الكويت بحقائقه، ولسنا هنا بصدد تقييم محتوى المقابلة، وإنما نرى فيها فائدة كبرى في الدعوة الملحة على أن نقرأ تاريخ الكويت كما جرى, وليس بصورة مجزأة وموجزة تتجاوز الساخن والمؤلم وتسارع بالاختفاء عند الاقتراب من مدافن الألغام.
رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات
Abdullah bishara@yahoo.com