هموم إنسان الخليج وظُلم الأسهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس 12 أبريل 2007
د. أحمد عبد الملك
في السبعينيات، كان إنسان الخليج يطمح إلى منزل حكومي، أو أرض وقرض يضمن بهما حياته، ويلمّ أهله، بالإضافة إلى وظيفة محترمة، خصوصاً للخريجين الجامعيين الذين ترنو أعينهم نحو درجة (السِنير) Senior أي المركز الأعلى. وكانت الآمال بسيطة ومحدودة بالنسبة للسواد الأعظم من سكان المنطقة، بل والعرب الذين ساهموا في تطور المنطقة. كانت الحياة سهلة وبسيطة، بل وكانت الطيبة والمبادرة والتآخي من السمات الأساسية لمجتمع الخليج، وكانت الأمراض أيضاً قليلة، فمرضى السكر والضغط أقل، وأمراض السمنة أقل، والتواصل الاجتماعي أنشط وأقوى.
لكن حياة اليوم اختلفت! وبدخول المجتمع عالم الأسهم، وتفتُّح عيون المواطنين على أهمية زيادة دخولهم، ورفع مستوى معيشتهم، برز الاهتمام بتطوير أساليب الحياة، مع تطوّر الوعي والتعليم، وعودة آلاف الطلاب من الجامعات العريقة في الوطن العربي وأوروبا وأميركا. وحدث تسابقٌ ملحوظ قبل عشر سنوات نحو الدخول في البورصة شمل شريحة كبيرة من مجتمع الخليج، بعد أن كان هنالك أفراد محدودون يدخلون هذا المجال ويضاربون في شركات أسهم عالمية.
ولأن كل جديد مرغوب، فقد تسابق أفراد المجتمع نحو الدخول في البورصة، وشمل ذلك مَن يفهم في التنبؤ أو قراءة أوضاع البورصة، وهؤلاء الذين باعوا بيوتهم، و"كسروا" ودائعهم طويلة الأجل وأذابوا نقودهم المجمّدة واشتروا بها أسهماً في البورصة، ناهيك عن الذين أخرجوا "تحويشة" العمر من تحت المخدّة واشتروا أسهماً أدخلتهم المستشفى.
إن هاجس رفع المستوى الاقتصادي للفرد قد دفع هؤلاء إلى البورصة -ضمن حسابات قد تكون غير دقيقة- فصار أن تبدد ما حلموا به. بل إن البعض قد باع منزله الثاني ورَهَن منزله الأول واشترى أسهماً نزلت أسعارها إلى أقل من 80%.
هذه الحالة بلاشك تجعل صاحب الأسهم المتردية متوتراً، ولربما غير منتج في عمله، كما تصيب علاقاته الأسرية بشيء من الجفوة والبرود، ناهيك عن انعزاليته وشروده ولربما جنوحه نحو العادات السيئة أو تناول "المُنسيّات" للخروج الوقتي من الأزمة.
تلتصق أعين الكثيرين بشاشات الأسهم، أو بصفحات أسعار الأسهم، وتخفق قلوبهم، وتسري في عروقهم نوازعُ شتى، لعل أهمها الحسرات و"الحسايف" على الإقبال على شراء أسهم نزلت إلى الحضيض، بينما كان البيت الثاني يُدرّ دخلاً يزيد على 30 ألف ريال لو تم الاحتفاظ به وتأجيره. والأمر لا يقتصر على الرجال، فقد دخلت المرأة إلى عالم الأسهم، ومن النساء مَن باعت الذهب والألماس، ومنهن مَن باعت المنزل أو قطعة الأرض الموهوبة للأيام العصيبة.
لكننا جميعاً لم نحسب أن سعر الأراضي سوف يرتفع إلى هذا الحد! وأن يتضاعف سعر الأراضي خلال 5 سنوات أكثر من 400%، ولربما أكثر -كوني ضعيفاً في الحساب- وهنالك من يتحسَّر على أنه باع أرضاً بضعف قيمتها، أو باع منزلاً بثلاثة أضعاف، ليكتشف أن سعره اليوم أكثر من سبعة أضعاف ولربما أكثر.
هنالك طُرفةٌ بل حادثة مثيرة تُدلل على ما نذهب إليه، فقد قصد أحدهم صديقاً له عارضاً عليه شراء ثلاثة بيوت -في منطقة مهمة- بسعر يصل إلى 3 ملايين ريال! ولكون صاحبنا الثاني جاهلاً في الأمور الاقتصادية، فقد رفض العرض، رغم محاولات الأول -كونه ناصحاً أولاً، ودلاّلاً ثانياً، إلا أن صاحبنا رفض العرض، وتم بيع البيوت إلى شخص آخر. وخلال 6 أشهر ارتفعت أسعار البيوت إلى 23 مليون ريال! صاحبنا الثاني، يعيش اليوم حسرات لا حدود لها، وخصوصاً أن رصيده في البنك لم يتجاوز المليونين طوال حياته، ولو تجاوب مع صاحبه الدلال لكان الآن من أصحاب الملايين.
زميل عمل تحدث عن ارتفاع أسعار البيوت أيضاً، فقد كانت هنالك فلل بيعت قبل 10 سنوات بسعر 700 ألف ريال، قال لي إن أسعارها اليوم تصل إلى خمسة ملايين ريال!
خيرٌ وبركة، وليهنأ أصحاب البيوت، أو الذين قرأوا أوراق المستقبل قراءة صحيحة، ولكن أين أصحاب الأسهم من ذلك؟ فنحن نقرأ يومياً عن بورصات الخليج، ونلاحظ أن دماءها تسيل دوماً تحت الخط الأحمر، كما أن هبوط أسعارها الحاد لا يُمكّنها من طرح -ولو تفاؤل هش- بأنها قد تعود إلى سابق عهدها، فسعر سهم تم شراؤه بـ80 ريالاً، قد هبط إلى 12 ريالاً، كيف يمكن إعادته إلى ذاك السعر؟ وكيف يعيش أصحابه الذين باعوا (ما أمامهم وما خلفهم) واشتروه!
هل ستحدث معجزة وتُخرجُ أصحاب الأسهم من دائرة القلق والخوف على مستقبل أبنائهم، بل وعلى صحتهم؟ هنالك مَن دخلوا المستشفيات إثر سقوط شركات توظيف الأموال في بعض دول المنطقة، وعدم تمكنهم من استرجاع رؤوس أموالهم، وهي تحويشة العمر من ذوي الدخل المتوسط. وهنالك اليوم من يقف مذهولاً في ردهات البورصات يُحملق في اللون الأحمر الزاهي، وهو يبعث إلى قلبه الضغط وإلى أعصابه النرفزة وإلى جسده قلّة الشهية لأي شيء!
فما هي هذه الثقافة التي طرأت على إنسان الخليج؟ وما هي هذه الظروف التي أخرجته عن رومانسيته، وأفلامه، ودواوين شعره، وأحلامه الصغيرة في ترميم منزل العمر.. أو الذهاب في رحلة إلى جنوب شرق آسيا مع زوجته وأولاده؟
وما هي هذه الأزمة التي عصفت بهذا الإنسان الوديع المتآخي، البسيط، وجعلته يتعلق بأوهام الثراء.. واللحاق بالكبار من التجار والمُلاّك، هل ستحدث معجزة؟ هل ستتدخل الحكومات وترفع بذلك أسهم البورصات، وتقلّ أعدادُ مرتادي المصحّات والمستشفيات؟ وهل سيعود الرجالُ إلى أحضان زوجاتهم صافييّ الذهن.. مرتاحي البال؟
لقد أخطأ الكثيرون في الحلم.. ولكن هل من سبيل لتصحيح ذلك الخطأ؟
الجواب عند البورصة الخضراء.