جريدة الجرائد

سلام الشرق الأوسط .... واختبار النوايا السورية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الجمعة 13 أبريل 2007


روبرت مالي - لوس أنجلوس تايمز

بعد قيامها بمبادرتها الدبلوماسية الأولى، أثارت "نانسي بيلوسي" رئيسة مجلس النواب الأميركي الكثير من الجدل. فما أن التقت بالرئيس السوري بشار الأسد، حتى تعرضت لانتقادات حادة وصلت حد التنديد من البيت الأبيض الذي اعتبر أن الزيارة ستلحق ضرراً بالغاً بالسياسة الخارجية الأميركية الرامية إلى تهميش النظام السوري وإبقائه معزولاً. بيد أن الاتهامات التي وجهت لـ"نانسي بيلوسي" واهية، ولا تستند إلى أساس منطقي، لاسيما في ظل زيارة المبعوث الدبلوماسي الأعلى للاتحاد الأوروبي إلى سوريا، ومشاركة الرئيس الأسد في قمة الجامعة العربية الأخيرة في الرياض بالمملكة العربية السعودية، فضلاً عن الزيارات المتكررة التي قام بها مسؤولون أميركيون من الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" إلى دمشق لشهور طويلة. وفي ظل هذا الواقع لا يبدو النظام السوري معزولاً عن العالم، أو على الأقل فإن تراجع شعبيته ليس أكثر من تراجع شعبية إدارة الرئيس بوش في أنحاء العالم. ويبقى أن الضجة التي أحاطت بالزيارة المشروعة تماماً التي قامت بها "بيلوسي" إلى دمشق تحجب سؤالاً أكثر إلحاحاً: كيف يمكن التعامل مع سوريا؟
فعلى مدار السنوات الماضية، دأبت إسرائيل والولايات المتحدة على تبني ردة فعل واحدة تجاه سوريا: التجاهل. لذا فإنه من الصعب تذكر المرات العديدة التي قامت فيها إسرائيل برفض دعوات عربية لإجراء مفاوضات، ناهيك عن المرة الأخيرة التي شجعت فيها الإدارة الأميركية إسرائيل على رفض الدعوة السورية، وهو التشجيع الذي رحبت به إسرائيل دون تردد. وتلجأ إسرائيل إلى تبرير رفضها لدعوات الرئيس بشار الأسد للجلوس إلى طاولة المفاوضات دون شروط بالادعاء أن النظام السوري غير جاد لعقد السلام، وبأنه يسعى فقط إلى التخفيف من الضغوط الدولية، وصرف الانتباه عن التحقيق الجاري لكشف المسؤول عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وتضيف إسرائيل أن سوريا ربما تتطلع إلى استعادة مرتفعات الجولان، لكنها تريد بالأساس إبقاء هيمنتها على لبنان. لذا فإن إشراك سوريا، حسب نفس المزاعم، إنما يكافئ "حماس" و"حزب الله"، فضلاً عن مجازاته لمحاولاتها زعزعة استقرار لبنان والسماح بدخول "الجهاديين" إلى العراق.
ورغم أن الحجج التي تسوقها الولايات المتحدة وإسرائيل منطقية، فإن نتائجها لا تستقيم أمام الفحص الدقيق. إن الزائر لدمشق هذه الأيام، لاشك سيلاحظ ما يظهره النظام من مزج غريب بين ثقة كبيرة بالنفس، وقلق بالغ من التطورات الجارية في المنطقة، ذلك أن النظام الذي بات مقتنعاً بأن المستجدات في فلسطين ولبنان والعراق، بدأت تصب لغير صالح الولايات المتحدة يشعر بأن المساعي الأميركية لزعزعة استقرار النظام أصبحت جزءاً من الماضي. ومع ذلك علينا أن ندرك أن هزيمة أميركا في المنطقة لا تعني بالضرورة انتصار سوريا. فالنظام السوري الذي يجد نفسه في موقع غير مريح بين صراعين أهليين في العراق ولبنان، وتصاعد الاستقطاب الطائفي في عموم المنطقة، فضلاً عن مشكلات تتعلق بالشرعية الداخلية بسبب المشاكل الاقتصادية المتفاقمة يسعى إلى تجديد شعبيته الداخلية، والاستفادة من الاستثمارات الأجنبية. وبالطبع ليس هناك أفضل من عقد صفقة سلام مع إسرائيل واستعادة مرتفعات الجولان، مع ما يصاحب ذلك من فوائد دبلوماسية واقتصادية، لاسيما ما يتعلق بفرص التطبيع مع الغرب، لاستعادة الشرعية وتحقيق أهداف النظام.
لكن سوريا تظل واضحة في مواقفها، حيث أعلنت أكثر من مرة أنها غير مستعدة لقطع علاقاتها مع "حزب الله"، أو التخلي عن "حماس" والابتعاد عن إيران كشرط مسبق للمفاوضات. وبالنسبة للمسؤولين السوريين من غير الوارد التخلي عن أوراقهم الاستراتيجية قبل التوصل إلى نتائج مرضية من خلال المفاوضات التي، في حال تكللها بالنجاح، ستغير مجمل المشهد السياسي في المنطقة، بما في ذلك التحالفات الحالية لسوريا. وإذا كان الهدف الرئيسي للنظام السوري، حسب إسرائيل والولايات المتحدة، هو حماية نفسه فإنه من غير المرجح، إذا ما توصل إلى اتفاق، أن يقوم برعاية الجماعات القتالية، أو تهديد وضعه الجديد، وإضاعة الفرص الاقتصادية من أجل طهرانية أيديولوجية. والواقع أن مطالب إسرائيل وأميركا لن تلقى آذاناً صاغية كشروط مسبقة للتفاوض، لكن هناك منطقاً قوياً يدفع للاعتقاد بأنها ستلبى كجزء من صفقة نهائية.
وحتى لو افترضنا أن واشنطن وتل أبيب على حق في أن ما يهم سوريا هو عملية المفاوضات وليس النتيجة، فما العيب إذن في اختبار النوايا السورية؟ إن مجرد رؤية المسؤولين الإسرائيليين والسوريين يجلسون جنباً إلى جنب حول طاولة المفاوضات سيفتح أفقاً جديداً في منطقة يشهد فيها الرأي العام نفوراً متزايداً من فكرة قبول حق الدولة اليهودية في الحياة، فضلاً عن أن ذلك سيحرج حلفاء سوريا الذين يعارضون الوصول إلى تسوية متفاوض عليها. فقد قام الرئيس الأسد بمحاولات عديدة، رغم عدم انتباه الكثيرين إليها، للتمييز بين موقف بلاده والموقف الإيراني، مؤكداً أن سوريا تسعى إلى العيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل وليست معنية بمحوها من الخريطة. وهو الموقف الذي يتعين استغلاله والبناء عليه بدل تجاهله، كما أن الاستمرار في انتقاد سوريا قد يتحول سريعاً إلى فرصة أخرى ضائعة في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة تقول إنها تريد رؤية تغيير حقيقي من دمشق، ولا تتردد في مهاجمة "نانسي بيلوسي" على زيارتها لسوريا والرجوع خاوية الوفاض. في حين ترد سوريا بأنها ستواصل دعمها للجماعات المتشددة ورعاية علاقاتها الوثيقة مع إيران، فضلاً عن تركها للولايات المتحدة تدمي قدميها في العراق ما دامت واشنطن تتمسك بسياساتها العدائية، وتعرقل البدء في محادثات السلام. وهي الرسالة التي يمكن لـ"نانسي بيلوسي" أن تنقلها إلى الرئيس بوش الذي يتعين عليه إرهاف سمعه قليلاً بدل الاستمرار في مسرحيته السياسية.


مساعد الرئيس السابق بيل كلينتون للشؤون العربية - الإسرائيلية، والمدير الحالي لبرنامج الشرق الأوسط في "مجموعة الأزمات الدولية".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف