جريدة الجرائد

الكويت: الأمير يترأس اجتماعا مفصليا اليوم لإعادة هيبة الحكم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


يضم نحو مئتين من أبناء الأسرة ممن تجاوزوا سن الأربعين وفي ظروف لم يشهدها تاريخ الكويت السياسي منذ 350 سنة


الكويت - أحمد الجارالله


في أجواء لم يشهد تاريخ الكويت السياسي مثيلا لها منذ تأسست الدولة, وبايع الكويتيون أسرة الصباح على السمع والطاعة والحكم قبل نحو ثلاثة قرون ونصف من الزمن, ينعقد اليوم السبت في الساعة السادسة والنصف اجتماع برئاسة سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح, يضم نحو مئتي شخص من أبناء الاسرة الحاكمة ممن بلغوا الاربعين من العمر فما فوق... الاجتماع هذا سيكون مفصليا وخطيرا, اذ سيتصل مباشرة بفعالية الاسرة في مجال الحكم, وفي مدى جدواها لقيادة البلاد والنهوض بها, على رغم الضوابط الديمقراطية وما توفره من هوامش حرية وتحرك تم تضخيمها في الآونة الاخيرة, بحيث استغلت للتنازع حول الحاكمية, ولمن تكون, وبموجب اي تفويض او تخويل.

الاوساط المقربة وشديدة الخصوصية لم تخف قلقها من هذا الالتباس الحاصل في البلد بين مظاهر الحكم وممارسته وبين نصوص النظام الديمقراطي, وهو الالتباس الذي سمح بظهور اجتهادات متطاولة سمح أصحابها لأنفسهم بالتجاوز, واعتبار الاسرة الحاكمة مسافة زمنية مرحلية في تاريخ الكويت السياسي, وان الحاكمية في الآخر لابد ان تعود الى أبناء الشعب بموجب نص الدستور والذي من حقه, دستوريا ايضا ان يتولى أمره بنفسه كما الحال في مملكة الكتاب الأخضر (ليبيا), دونما حاجة الى طرف ثالث يتولى الحكم عنه بالوراثة, او يتواصل مع الحكم بموجب التقاليد المأخوذة بعين الاعتبار, وهي تقاليد, بنظرهم, أصبحت تجافي حركة التاريخ القائمة على التطور والحركة الدائمة الى الامام.

واضافت هذه المصادر شديدة الاطلاع ان اجتماع سمو الامير بأبناء الاسرة سيشدد على مسارها التاريخي, وعلى قيادتها التاريخية, وعلى وظائفها في حفظ كيان الكويت السياسي, وادارة شؤونه, اضافة الى تشديده على ضرورة لم شمل هذه الاسرة التي اختلفت على المواقف السياسية, وعصفت ببعض أفرادها الطموحات المبكرة, والى التذكير بكينونتها وحيثيتها في المجتمع كأسرة نخبوية منذورة للحكم, وعيها تقع مسؤولية ممارسته بكل حرفية بعد إعداد مسبق وتأهيل صارم. وفي هذا المجال قالت المصادر ان التعليمات ستكون جد صارمة بحيث تعود اعتبارات الهيبة ومظاهرها الى مايجب ان تكون عليه, وخصوصا مظاهر التعامل مع العامة والوقوف عند حدود الفوارق بينهم, اي العامة, وبين الاسرة النخبوية الحائزة على بيعة الحكم من الشعب الكويتي. وكذلك ستشدد التعليمات الصارمة والقوية على إعطاء الاسرة مظهرها الواحد والقوي, وبالذات المظهر السياسي, فلا يظن أحد من الخارج المراقب ان افرادها متوزعون على المواقف التي تصوغها الانانيات السياسية, والطموحات المبكرة, والمساعي المتطلعة الى الوصول السريع عن طريق حرق المراحل والاشخاص في آن معا.

لماذا الاجتماع اليوم... وما الدواعي إليه?

المصادر شديدة الاطلاع والخصوصية أفادت "السياسة" بأن السيل السياسي في البلد قد بلغ الزبى, وان الوقوف وقفة المتفرج لاتعني شيئا في منطق الحكم الواعي, مهما كانت الدواعي الديمقراطية التي تدفع الى المجاملة واللين. فالبلد, وبسبب هوامش الحرية, وآليات النظام الديمقراطي, وخصوصية الممارسة الكويتية للديمقراطية, على ما يرى الجميع, أصبحت بلا وال, وكل واحد فيها من أعضاء الطبقة السياسية بدأ يتصرف في مجاله وكأنه هو الحاكم, بينما المواطنون العاديون بدأ ينتابهم القلق على الحاضر والمستقبل, خصوصا وهم يرون كتلة الحكم بحد ذاتها, وبعض أبناء الاسرة الحاكمة يتصارعون على الطموحات المستعجلة, وعلى المواقف الانانية الذاتية, وبدوافع هي في الاساس أصبحت في ذمة التاريخ السياسي ولاتستدعي العمل من اجل الثأر لها او الانتقام ممن كانوا أبطالها في مرحلة ساحقة من تاريخ البلد. يضاف الى ذلك وجود البعض من الذين احترفوا العمل السياسي بصرف النظر عن الوازع الوطني او المحرمات الوطنية... فهذا البعض خلق حراكا سياسيا شاذا في البلد يكاد يوصله الى الفتنة والى فساد الرأي حول أحقية الحاكمية ولمن تكون.

هذا الحراك, تقول المصادر, تمادى في تطاوله الفكري والاجتهادي استنادا إلى هوامش الحرية الموجودة بفعل التطبيقات الديمقراطية, وهي هوامش لاتعتمد في الاساس كحقائق موجودة, بل كامكانات ظرفية متاحة تمكن أصحاب الفتن من انتهازها, وركوبها لتبليغ أفكارهم, والتي كما نرى, لم تعد أفكارا عامة اعتراضية تبتغي الاصلاح, بل أفكارا مشبوهة تسعى, بادراك منها او من دون ادراك, الى إشعال البلد والمساس بكيانه السياسي, وبوجوده بحد ذاته. وتذكر المصادر ان هذا الوضع الراهن لم يشهد التاريخ السياسي للبلد مثيلا له منذ نشوء البلد وتكونه قبل 350 عاما.

والعجيب, تضيف المصادر, ان القيادات العليا للبلد, ومنذ اعتماد النظام الديمقراطي في الدولة, ظلت تراقب شتى أنواع الحراك, وشعارها دائما كان "الهون أبرك مايكون" معطية الذريعة لاجواء الحرية التي تسمح بالقول, وتضمن الآراء, ولا تحيل المتجاوزين الى الخطأ وتحملهم عقوبات التجاوز.

موقف القيادات العليا هذا, والذي ذهب بعيدا في التسامح, أتاح فرصا كثيرة أمام البعض كي يتجاوز حدود الكلام, وحدود التصريح, وأن يعطوا الناس, بالتالي, صورة مخطئة عن البلد, وبأنها بلد سائب من دون وال, ورؤوسه متعددة, وقراراته متضاربة, وارادته السياسية متناحرة ومتباغضة. والأنكى من ذلك ان هؤلاء الناس المضللين بالصور الخطأ باتوا يعتقدون, او انتابتهم الاحاسيس بأن على الاسرة الحاكمة ان تحكم القبضة على نفسها وعلى أفرادها لحماية صفوفها من الاختراق, وثمة من يقول ان الاختراق حاصل فعلا. فصفوف الاسرة متوزعة الآن على جبهات عدة, وليس أدل على ذلك من أصحاب الحراك السياسي أنفسهم الذين استفادوا وتمصلحوا من تبعثر الصفوف, وتصارع الفروع, وتصارع أبناء الفرع الواحد.

وتعتقد المصادر المطلعة ان هذه الاجواء المتشنجة والمشتتة هي التي اضطرت سمو أمير البلاد الى التحرك لحسم هذا الوضع الشاذ, والقضاء على حراك سياسي وصل حد إشاعة الفتنة في البلد, مهما كان الامر, ومهما كانت مبررات الكلام لصيقة بالنظام الديمقراطي وبهوامش الحرية التي يتيحها.. والعملية هنا لاتقتصر آثارها الضارة على الحياة السياسية للبلد, بل تتعداها الى تعطيل كل حركة فيه نرصد من خلالها تقدمه وتطوره وازدهاره. فالجميع الآن بدأ يلاحظ كيف أن الحراك السياسي الملغوم بالفتنة قد بدأ يفرز آثاره السيئة على كل شيء, ومنغصاته بدأت تعترض كل مناحي الحياة عندنا. فعجلة التنمية متوقفة, ووضع الخطط التنموية متعطل, بينما البلد يرزح تحت الاموال الطائلة ويعجز عن كيفية إنفاقها, وأين يوظفها.

المصادر شديدة الخصوصية تشير هنا الى ان سمو الامير كان يصطدم بهذه المنغصات, ويرى ان البلد ينزلق في مسار غير المسار المفترض أن يمشي فيه, الى جانب ان الاجواء السياسية السائدة اصبحت مقلقة له, وبالتالي فقد بدأ يجري مراجعاته الخاصة بشكل عميق, ومن فترة طويلة كان يطبخ أمرا في ذهنه للخروج من هذه الشرنقة.
نعم, تقول المصادر, الأمير يرى حركة التشريع متوقفة في مجلس الامة, ونحن بأمس الحاجة الى القوانين العصرية, والى تحديث قوانيننا القديمة السائدة, والمماحكات السياسية في أوجها دون ان تبذل من أجل مصلحة عامة, بل من أجل مصالح انتخابية ضيقة, والتحليلات التي تقارب حدود الفتنة والتطاول والتجاوز, تزداد شراسة ووقاحة, وتظهر مخالبها وأضراسها في وجوه الجميع, في وقت بدأ الناس يستشعرون فيه قيامة الفوضى السياسية, ويرددون ما بينهم وبين أنفسهم ان القيادة العليا يفترض فيها ان تحسم هذا الوضع الشاذ, بدل ما هي منحازة الى طول البال والصبر, وتردد بأن هذه هي مظاهر الديمقراطية, ومظاهر النظام الذي اخترناه.

المواطنون يدركون الآن ان مثيري الحراك السياسي الملغوم يتحدثون عن أوهام, ويفتعلون قضايا تحذر من "الهرطقة الدستورية ومن تعديل الدستور, ويفتعلون وقائع عن وجود فتن بين أبناء الاسرة, وعن موقع الاسرة في المجتمع, كيف كان وكيف أصبح, ويذهبون بعيدا في استنباط تفاسير ووضع توقعات بقصد الايحاء بأنهم يتكلمون باسم الشعب الكويتي, وبالتالي فإن الاسرة الحاكمة, بازاء هذه الصفة الكاذبة التي يدعونها لأنفسهم, لا تشكل لهم شيئا, بينما هي الحاكمة فعلا للكويت بموجب أقدم بيعة شعبية بلغ عمرها الآن 350 سنة.

الفتن, كما تقول المصادر, وصلت درجة لم يعد من الجائز السكوت عليها تحت اي مسوغ ديمقراطي. ويبدو ان القيادة العليا قررت في مجال قطع الطريق على مثيري هذه الفتن, ان تبدأ بنفسها فتلم شملها, وتجمع صفوفها, وتقضي على نوازع الطموحات المستعجلة عند بعض أفرادها... وهذا ما يطالب به أبناء الشعب الكويتي الذين لاحظت القيادة العليا أنهم بدأوا يعبرون بصراحة عن ضجرهم من ان على ولي الامر ان يكون حازما ويوقف هذا "البازار السياسي" وأن يصدر تعليمات صارمة وقوية لإشاعة النظام في بيت الحكم, وأن يشعر أبناء هذا البيت بأنهم حكام, وبهم يتمثل النظام الحاكم ويتشكل.
في ذهن القيادة العليا, الى جانب كل ما سبق, ان على نظام الحكم ان يثبت وجوده أمام مثيري الفتن الذين يوحون بتحليلاتهم ان النظام ضعيف, في الوقت الذي تقول فيه الحقائق ان خير الكويت كثير ولاتحتاج الا الى أوامر انطلاق واضحة تبدأ بعدها عجلات النهوض والتنمية والاصلاح السياسي بالدوران... هذه العجلات التي يمكن ان يوقفها شخص واحد يضمر في داخله مشاعر سلبية, ويعبر في تحليلاته عن حالة مرضية نفسية مزمنة.

وفي هذا الصدد المهم, تلفت المصادر الى ان كل الحكومات الديمقراطية في العالم لديها اغلبية برلمانية بطريقة أو بأخرى, إما عن طريق حزب يكتسح المقاعد, أو عن طريق التوافق مع النواب. أما الاقلية فتذهب الى صفوف المعارضة التي تنتقد أعمال الحكومة لكن لا تعطلها ولا توقف أعمالها. والملاحظ عندنا, وبالمقارنة مع الغير, ان عمل الحكومات لم يستقم بغياب التعاون مع مجالس الأمة, وبالتالي كان طبيعيا ان تتوقف عجلات العمل التنفيذي, وتضيع أوقات البلاد في الصراع على المصالح الضيقة التي صرفت الجميع عن أعمالهم الاساسية فلا الحكومة تحكم, ولا مجلس الأمة يشرع, ووصلت الامور, بالمنوال الراهن, الى هذه الجدران المسدودة التي سمحت بإشاعة الفتن, وبالتطاول, وبانتهاز هوامش الحرية لاغراض سياسية مشبوهة.

لم يعد جائزا, كما تقول المصادر, أن يستمر الوضع على ماهو عليه, وأن يخلق أعرافا وتقاليد سياسية لا علاقة لها بالنظام الديمقراطي... اي لم يعد جائزا ان يربح صاحب الصوت الصارخ, ويغيب عن المسرح أصحاب العقول الراجحة.

وسط هذه الاجواء والمراجعات سينعقد اجتماع الاسرة اليوم برئاسة سمو الامير, ولاتخفي المصادر ان الغضب الصامت من بعض أصحاب الحراك الذي قارب الفتنة, وقد تتشتت بسببه المصالح, سيقود تفكير المجتمعين, خصوصا وأنه, اي الحراك, سيحيل العمل العام الى هباء وسيضع الناس في حيرة وبطالة يطالعون وجوه بعضهم البعض ويراقبونها دون أن يعملوا ويشتغلوا.
وتكشف المصادر ان الاجتماع ينعقد وسط تشكل انطباع لدى القيادة السياسية, كما لدى قيادات دول الخليج الاخرى, يقول: اذا كانت الديمقراطية على مثال ديمقراطية الكويت فإننا لانريدها لانها لاتمثل مسار عمل جيدا.

الى جانب ذلك ينعقد الاجتماع في أجواء التصور ان الغيارى على الدستور كثيرون, وهؤلاء هم الذين يوحون للناس, خطأ, بأن المساس به يشكل تفريطا بمكاسب الشعب الكويتي, بينما الدستور نفسه أعطى القيادة صلاحيات واسعة جعلت منها رأسا لكل السلطات, وما على هذه القيادة الا ممارسة حقها في ذلك, واذا لم تمارسها, رغبة في التسامح, وإعطاء الفرصة للعبة الديمقراطية, فاللوم لايقع على الدستور بل على الذين امتنعوا عن ممارسته من قبل سلطة الحكم.

اجتماع اليوم, تؤكد المصادر, ينعقد في جو وصل فيه السيل الزبى لدى القيادة التي قررت ان تبدأ بنفسها فتنهي اي نوازع لفتن موجودة, وبعد ذلك ستتفرغ للقضاء على هذه الاجواء العبثية الزائدة القائمة على صراع الطموحات المستعجلة, والتي لو درست أبعادها لتبين ان خسائرها أكبر بكثير من مكاسبها, وأنها خلقت أجواء أصبح كل واحد فيها يراقب الآخر ويرصد تحركاته ولايعمل شيئا.

الاجتماع اليوم مفصلي, تقول المصادر, ويجب أن يسفر عن إصلاحات عميقة تصاغ لاجلها القرارات, تمنع الفتنة, وتعزز أركان النظام السياسي, وتعيد الكويت ثانية الى مسارات النهوض والتقدم والازدهار, وتحرر قرارها السياسي من الارتهان لأصحاب المصالح الضيقة.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف