موريتانيا: هل باتت بعض الانقلابات حميدة بسبب نتائج إيجابية قد تحدثها؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أمان الله حسام
قاد الجيش في موريتانيا انقلابا عسكريا في عام 2005، هو الرابع عشر منذ الاستقلال، ويجري الان تسليم السلطة لرئيس مدني وبرلمان منتخبين ديمقراطيا.
وخلال العامين السابقين أربك العسكر في موريتانيا الكثيرين من المراقبين والمحللين في الداخل والخارج، فلم يكن في هذا الانقلاب من المظاهر المصاحبة للانقلابات شيء، وخاصة فيما يتعلق بتضييق الحريات أو قمع المعارضة أو تغييب المجتمع المدني.
فما هي أوجه الاختلاف أو السمات الفريدة التي اتسم بها النموذج الانقلابي في موريتانيا، والتي ربما دفعت البعض إلى وصفه "بالانقلاب الحميد"؟
الصحفي والمحلل السياسي محمد الاشهب قال لـ بي بي سي إن " أهم ما عبرت عنه تجربة الانقلاب الموريتاني الاخير هو إمكانية وجود نوع من التعايش بين المؤسستين العسكرية والمدنية، لكن في حال الانصياع للارادة الشعبية وتسليم الحكم للمدنيين بعد فترة انتقالية يكون محورها دعم الخيار الديمقراطي".
ورأى الاشهب أن هذه هي المرة الاولى التي ينزع فيها عسكريون استولوا على السلطة بالقوة، إلى تسليمها وبهدوء وفق استحقاقات ديمقراطية.
ومن الواضح أن هذا الامر بحاجة إلى مزيد من الوقت للتحقق منه في دولة شهدت حوالي 14 انقلابا منذ نيل استقلالها عام 1960، ولذا يمكن للمرء أن يلمس مشاعر التشكك عند البعض مما يمكن أن تتمخض عنه التجربة الاخيرة حيث يتحدث هؤلاء عن استحالة تخلي العسكر عن السلطة مستشهدين بالتاريخ.
المتشككون، الذين بكى أحدهم خلال حديثه معي لدى تذكره بعض المظالم التي تعرضت لها بعض الفئات في البلاد لاسباب سياسية أو عرقية، يعتقدون أن المؤسسة العسكرية ستحاول التأثير من وراء الكواليس للحفاظ على مصالح قادتها الاقتصادية وصلاحياتها أو توسيعها.
انقلاب سوار الذهب
وهناك تجربة مماثلة إلى حد كبير في السودان من خلال الانقلاب الذي قاده سوار الذهب عام 1985 حيث سلم السلطة فيما بعد للمدنيين.
وهذا ما أشار إليه اللواء طلعت مسلم الخبير بالشؤون العسكرية في رده لـ بي بي سي على نفس التساؤول، رافضا القول بأن النموذج الانقلابي الموريتاني ربما أسهم في تغيير مفهوم الانقلابات العسكرية في العالم العربي.
وقال اللواء مسلم: " لا اعتقد أنه غير هذا المفهوم الان، فقد سبقه انقلاب سوار الذهب في السودان ولكن نتيجة لعدم نجاح النظام المدني التالي للانقلاب وقع انقلاب جديد بعد ذلك، وهذا السيناريو لا يستبعد حدوثه في موريتانيا وإن كان أحد لا يتمنى ذلك".
ورأى أنه من السابق لاوانه الحكم على التجربة الموريتانية، مضيفا: "لكن الامر الاهم في هذا الصدد هو المجتمع المدني ومدى حيويته وليس شكل الحكم.
المهم المجتمع المدني
وتابع قائلا: "والسؤوال هل ستكون القاعدة الشعبية في موريتانيا قادرة على الحفاظ على الدستور وترسيخ الديمقراطية؟ وهذا ينسحب على كل الدول العربية. فالنظم الاستبدادية لم تكن لتهيمن إلى في غياب أوضعف المجتمع المدني".
والمجتمع المدني في حديثنا عن الحالة الموريتانية وفي ضوء الضرر البالغ الذي لحقه من الانظمة الحاكمة المتعاقبة، لا يزال أمام طريق طويلة ليصل إلى مرحلة يضطلع فيها بدور صمام الامان الذي يحمي المكتسبات التي تحققها الدولة في مسيرتها نحو التعددية السياسية وسلطة القانون.
ويواجه دور المؤسسات المدنية في مراقبة أداء السلطات والنضال من أجل حقوق الافراد وخلق مجتمع مدني قوي في موريتانيا، تحديات كبيرة من بينها انتشار الامية والفقر وغلبة الولاءات القبلية والمناطقية والمنفعة المادية على أولويات الصالح العام والانتماءات الحزبية والايديولوجية.
انقلاب حميد؟
وقد أوحى نموذج الانقلاب في موريتانيا للبعض بإطلاق اسم "انقلاب حميد" عليه، فهل باتت بعض الانقلابات مقبولة بسبب تغييرات إيجابية قد تحدثها؟
رأى الاشهب أن الانقلاب هو الانقلاب، وأنه ليس هناك انقلاب حميد وآخر غير حميد، ولكن "يمكن الرهان على تكرار التجربة التركية في بعض الدول العالم العربي وخاصة تلك التي تشهد غليانا داخليا وحركات متطرفة وصراعات طائفية أو عرقية".
وأوضح أن الشعوب في تلك الدول وبسبب المخاوف من هذه الصراعات والقلاقل، قد تفضل نموذج حكم كالنموذج التركي، بمعنى أن يكون الجيش متنفذا ومهيمنا مع بقاءه في الظل.
أما مسلم فيعتقد في وجود انقلاب أو تغيير عسكري يمكن أن يوصف بالحميد، ولكنه يرى أن أغلب الانقلابات السيئة حدثت نتيجة لضعف المجتمع المدني وربما ترحيبه بالحكم الاستبدادي.
والملاحظ في الحالة الموريتانية أن كل رئيس جديد كان يصل إلى القصر الرئاسي، وغالبا ما كان الانقلاب هو الوسيلة، كان يجد من التهليل والمباركة مالا يقل عن الترحاب الذي قوبل به حكم سلفه، فالكثيرون يحسمون أمرهم باتباع من بيده السلطة والمال، آفة ربما لا تسلم منها دولة عربية.
تكرار النموذج الانقلابي؟
والسؤال الذي يتبادر لذهن البعض في ضوء التجربة الموريتانية هو هل تتجه شعوب عربية محبطة تعاني من انسداد الافق السياسي وغياب الديمقراطية إلى القبول أو الترحيب بنموذج انقلابي مماثل، في حال حدوثه، كسبيل للتغيير والخلاص؟
وجهت السؤال للاشهب الذي قال إن التجربة الموريتانية لا يمكن سحبها على الاوضاع في الدول العربية الاخرى، "فالبلاد لم تكن تعرف استقرارا سياسيا منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، كما أن جميع الحكام الذين تولوا السلطة كانوا من العسكريين باستثناء الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، ومن هنا فإن الرأي العام الموريتاني رأى في التجربة الاخيرة نافذة أمل للتخلص من حكم العسكر. وهذا الوضع لا يكاد ينطبق على أي دولة عربية أخرى".
بالاضافة لذلك فإن المؤسسات العسكرية في الدول العربية أصبحت تنأى بنفسها عن التعاطي المباشر مع السياسة وشؤون الحكم، لكن بعضها قد تجلب حكاما مدنيين ينفذون رغباتها وسياساتها، حسبما أوضح الاشهب.
ترحيب غير مستبعد
من جانبه رأى مسلم أن هذا الاحتمال غير مستبعد "حيث قد لا تجد بعض الشعوب أمامها فرصة لاحداث التغيير والاصلاح إلا بقبول نموذج مماثل تأمل منه أن يصحح المسار ويضع الشروط والضوابط ثم يرحل القائمون عليه بعد أن يسلموا الحكم للمدنيين".
ورغم ندرة التجربة الموريتانية في تاريخ المشهد السياسي في العالم العربي، الذي تعاني الكثير من دوله من الركود السياسي وغياب إرادة الاصلاح الحقيقي، فإنه من الصعب تخيل وجود تأثير للحراك السياسي الحاصل في موريتانيا على دول عربية أخرى كون موريتانيا إحدى دول الاطراف التي لا تتمتع بثقل سياسي أو اقتصادي في المنطقة.