أيام العودة الى الجولان ...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
لا يمكن ألاّ تشجيع النظام السوري على استعادة الأرض المحتلّة. أنها ارض عربية اوّلاً. وليس عيباً أن تسعى سوريا ألى أسترجاعها حتى لو كان ذلك عبر مغترب في أميركا، أو في غير أميركا، أي تحت مسمّى من هنا أو هناك أكان ابراهيم سليمان أو أي شيء آخر شبيه بالأسم أو غير شبيه به. حتى لو نفت دمشق أن يكون أبراهيم سليمان وسيطاً وتبين أنه يعمل لحسابه الخاص ... يظل هدف استعادة الأرض هدفاً شريفاً بكلّ المفاهيم بموجب كلّ القيم والقوانين أكانت من صنع الأنسان أو من النوع السماوي. من أجل أستعادة الأرض، يحق لسوريا ولأي نظام فيها أستخدام كل الوسائل المتوافرة شرط ألاّ يكون ذلك على حساب الآخرين وحقوقهم بما في ذلك لبنان. العيب، كلّ العيب، في أن يعتقد النظام في دمشق بأنّ في الأمكان أستعادة هذه الأرض عن طريق أبقاء جبهة الجنوب اللبناني مفتوحة كي يظل لبنان ينزف في أنتظار أن يعقد صفقة مع أميركا وأسرائيل على حساب لبنان واللبنانيين، صفقة تؤذي سوريا والسوريين في نهاية المطاف.
نعم من حق سوريا العمل على أستعادة أراضيها المحتلة منذ أربعين عاماً حين كان الرئيس الراحل حافظ الأسد لا يزال وزيراً للدفاع. خسرت سوريا الجولان في تلك المرحلة حين كان النظام البعثي فيها يعتقد أن المحافظة على النظام أهمّ بكثير من المحافظة على الأرض وأن أسرائيل فشلت في حرب 1967 لأنّها لم تستطع أسقاط النظام في حين أنها أحتلت الأرض فقط. كان ذلك بالنسبة ألى النظام البعثي أنجازاً في حدّ ذاته بعدما كان أهل النظام، بينهم وقتذاك، وزير الخارجية أبراهيم ماخوس، يقولون في الأيام التي سبقت أندلاع الحرب يوم الخامس من حزيران- يونيو أنّ أسرائيل "وقعت في الفخ" وأنّها "ألى زوال". ماخوس نفسه جمع العاملين في وزارة الخارجية، بعد أيام من أنتهاء الحرب وسقوط الجولان، ليتحدّث عن الأنجاز الذي تحقق والمتمثل في عدم سقوط النظام "الوطني". بالنسبة ألى ماخوس وغيره من المسؤولين السوريين وقتذاك، خسرت اسرائيل الحرب لأنها لم تتمكن من أسقاط النظام وأكتفت بأحتلال الأرض! والحقيقة ان اسرائيل نجحت في تلك الأيام على جبهتين. أحتلت الأرض من جهة وحافظت على النظام القائم في دمشق من جهة أخرى من أجل أن تتعرض سوريا لمزيد من التخلّف والأذلال وكي تبقى أسيرة الشعارات التي تحول دون تمكّنها من أستعادة الأرض المحتلة يوماً. وبكلام أوضح أحتلّت أسرائيل الأرض السورية وعاقبت في الوقت ذاته السوريين بالسماح بأستمرار حزب البعث العربي الأشتراكي متحكّماً برقابهم!
أستطاع حافظ الأسد، الذي كان من دون أدنى شك رجلاً مهمّاً يمتلك عقلاً أستراتيجياً، الأنقلاب على القيادة التي كان جزءاً منها والتي كانت تُعتبر مسؤولة بشكل مباشر عن هزيمة العام 1967 . أخرج نفسه من دائرة المسؤولية عن الهزيمة ووضع نفسه في موقع جديد هو موقع الرئيس الأصلاحي المعتدل الرافض للمزايدات والمزايدين وللفكر اليساري المتزمت للبعث السوري، أي للفكر الذي نادى به صلاح جديد ويوسف زعيّن وأبراهيم ماخوس وأمثالهم منذ الأنقلاب على البعثيين الآخرين في العام 1966. أستطاع حافظ الأسد، قائد ما سُمّي "الحركة التصحيحية" في خريف العام 1970، الأنفتاح على المحيط العربي، خصوصاً على مصر أنور السادات وعلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج وسعى الى الظهور في مظهر القادر على أنتهاج سياسة متوازنة بين الشرق والغرب وأن يكتفي بأتفاق فك الأشتباك مع أسرائيل الذي وقعته بلاده في العام 1974 نتيجة حرب تشرين في العام 1973 ، وهي الحرب التي خسرتها سوريا عسكرياً، لكنّها استطاعت، بقدرة قادر، تحويل الهزيمة العسكرية ألى أنتصار سياسي...
لعب حافظ الأسد ورقة الأعتدال العربي ولم يحصل طلاق بينه وبين أنور السادات ألاّ في خريف العام 1977 عندما قرر الرئيس المصري زيارة القدس المحتلة وألقاء خطاب في الكنيست. وقتذاك، رأى الأسد الأب أن عليه تغيير تحالفاته العربية وحصل تقارب موقت بينه وبين خصمه اللدود الذي كان يتمثل في البعث العراقي وكان برأسين تكريتيين. رأس أحمد حسن البكر ورأس صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة. لم يستمر شهر العسل بين دمشق وبغداد طويلاً، خصوصاً مع وصول صدّام ألى الرئاسة في العام 1979. لكن حافظ الأسد أستطاع الخروج لاعباً أساسياً، بل محورياً، في اللعبة الأقليمية مستفيداً من الغياب العربي لمصر- السادات من جهة ومن الحاجة العربية المستمرة أليه لأقامة توازن مع عراق- صدّام ذي السياسة المتهوّرة، من جهة أخرى. وفي كلّ المراحل التي مرّ فيها عهد حافظ الأسد الذي استمر بين العامين 1970 و2000 ، كان لبنان التعويض الفعلي عن خسارة الجولان. وقد لعب لبنان، خصوصاً منذ العام 1976، تاريخ دخول القوات السورية ألى أراضيه دوراً أساسياً في تكريس النظام السوري لاعباً أقليمياً مهماً على أستعداد دائم لتناسي مسألة أحتلال الجولان، والجولان كلّه، في مقابل أطلاق يده في لبنان. تلك كانت ميزة نظام حافظ الأسد التي أنتهت بوفاته. هل تسري هذه الميزة على نظام نجله الدكتور بشّار؟ يختصر الجواب بلا كبيرة. في حال كان من نصيحة يمكن تقديمها للنظام السوري الحالي، فأن هذه النصيحة تتلخّص بأن العالم تغيّر وأن الجولان هو المكان الذي في الأمكان تحقيق أنجاز فيه، هذه المرّة، وليس لبنان. الجولان ضمانة النظام في المستقبل، في حين أن الحلم الدائم بالعودة ألى لبنان عبر "حزب الله" أو أدواته المستأجرة من ميشال عون ... ألى وئاب وهام وما شابههما أقرب ألى الوهم من أي شيء آخر. يكمن مستقبل النظام السوري في أستعادة الجولان وليس في وهم العودة ألى لبنان حيث المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية أغتيال رفيق الحريري. في الماضي، كان النظام السوري يهرب من الجولان ألى لبنان. كان يحقق المكاسب الضخمة، داخلياً وعربياً وأقليمياً ودولياً من عملية الهروب هذه. من ألأفضل له هذه الأيام الهرب من لبنان ألى الجولان، حتى لو كان ذلك عبر مغترب سوري مرحب به على الدوام في دمشق، معترف أو غير معترف به... أو عبر تركيا أو سويسرا، لعل ذلك يؤدي ألى أعفائه من مسؤولية جريمة أغتيال رفيق الحريري وغيره من الجرائم التي أرتكبت في حق أشرف اللبنانيين والعرب. والمعني بأشرف اللبنانيين والعرب سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل... أضافة ألى آخرين كانوا ضحايا التستر بلبنان لمحو جريمة تسليم الجولان! أنها أيّام العودة ألى الجولان لا أكثر ولا أقل... العودة الى السعي ألى أستعادة الأرض بدل الأستمرار بالمتاجرة بلبنان واللبنانيين من منطلق الأعتقاد الخاطئ والفكر البعثي المريض بأنّ سوريا لا يمكن أن تزدهر ألاّ أذا حلّ الخراب بلبنان!