جريدة الجرائد

محكمة الحريري... إحقاق للعدالة أم تسييس للقضاء؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

نيكولاس بلافورد - كريستيان ساينس مونيتور

يواجه كبير مبعوثي الأمم المتحدة القانونيين تحدياً صعباً هذا الأسبوع، يتمثل في السعي إلى التوصل إلى اتفاق بين اللبنانيين المختلفين بشأن تشكيل محكمة جنائية دولية. ويُنظر إلى نجاحه على أنه أساسي وضروري للأزمة السياسية العميقة التي يعانيها لبنان.
فقد تحولت المحكمة، في وقت مازالت فيه الأزمة تتفاقم، من أداة للعدالة الدولية لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري إلى محور صراعٍ إقليمي حول مستقبل لبنان يدور في الشرق الأوسط وأروقة مقر الأمم المتحدة بنيويورك، على اعتبار أن مصيرَ لبنان، وربما سوريا المجاورة أيضاً، قد يكون رهيناً بإنشاء هذه المحكمة والصلاحيات التي ستوكل إليها. وفي هذا الإطار، كتبت راغدة درغام في صحيفة "الحياة" تقول: "إن المحكمة لم تعد ترمي إلى محاكمة المسؤولين عن اغتيال رفيق الحريري. بل باتت اليوم تمثل بوصلة لعلاقات القوى العظمى مع بعضها بعضاً، ومع بلدان المنطقة وحروبها الجماعية والفردية".
وقد وصل نيكولاس ميشال، المستشار القانوني للأمم المتحدة، إلى بيروت يوم الثلاثاء من أجل إجراء جولة من المحادثات مع الحكومة وزعماء المعارضة في محاولةٍ للتوصل إلى توافق بشأن تأسيس المحكمة الأممية- اللبنانية المشتركة. وقد أوضح ميشال أنه لا ينوي التدخل في الشؤون اللبنانية، وأنه أتى من أجل الرد على أي أسئلة للأطراف إذ قال: "نريد للمحكمة أن تكون جهازاً قضائياً حقيقياً، وليس وسيلة سياسية".
المحكمة ترمي إلى محاكمة الأشخاص المتهمين بتنفيذ عدة اغتيالات، ومحاولات قتل، وتفجيرات منذ أكتوبر 2004، وفي مقدمتها اغتيال الحريري باستعمال شاحنة مفخخة قبل عامين من اليوم. وبالرغم من أن الحكومة والأمم المتحدة وافقتا على تشكيل المحكمة، إلا أن المصادقة عليها من قبل البرلمان اللبناني معطلة من قبل نبيه بري، رئيس البرلمان وزعيم المعارضة، الذي يرفض إرجاء التصويت.
ولا يخفي عدد من المحللين في بيروت تشككهم في قدرة وساطة ميشال على حل الأزمة، معبِّرين عن اعتقادهم في أن مجلس الأمن الدولي سيعمد إلى تحاشي البرلمان اللبناني، وذلك عبر إصدار قرار بإنشاء المحكمة في إطار البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يقضي باستعمال العقوبات والقوة العسكرية لفرض القرارات الأممية. وفي هذا السياق، يقول ساطع نور الدين، كاتب العمود بصحيفة "السفير": "يحمل ميشال معه تفسيرات وضمانات للمعارضة، ولكنها لن تقبلها"، مضيفاً "ولذلك، فإن مهمته ستُمنى بالفشل، وسيقترح في نهاية المطاف العمل بالفصل السابع". وكانت أطراف ائتلاف 14 آذار الحاكم، نسبة إلى انتفاضة 2005 ضد النفوذ السوري، قد طلبت من الأمم المتحدة الأسبوع الماضي تبني البند السابع من أجل نسف ما يعتقدون أنها محاولة من المعارضة التي يقودها "حزب الله" لعرقلة المحكمة حمايةً لحليفته سوريا. ومن جانبه، يقول وليد جنبلاط، زعيم الطائفة الدرزية في لبنان وأحد زعماء ائتلاف 14 آذار: "أعتقد أننا في طريق مسدود، ولا يمكننا أن ننتظر المحكمة إلى ما لا نهاية"، مضيفاً "إن الفصل السابع قد يساعد على تغيير الموقف السوري".
إلا أن شخصيات من المعارضة حذرت من أن من شأن اللجوء إلى الفصل السابع أن يزج بالبلاد في حرب أهلية. كما يقول "حزب الله" إن المحكمة لم تعد تمثل العدالة الدولية، وإنما أضحت نادياً سياسياً تستعمله الولايات المتحدة من أجل تهديد خصومها في سوريا ولبنان. وفي هذا الإطار، يقول نواف موسوي، مستشار "حزب الله" في السياسة الخارجية: "إن الأميركيين يؤججون الصراع السياسي في لبنان، حيث يحلم الأميركيون والإسرائيليون بدفع البلاد إلى حرب أهلية لهزيمتنا".
معلوم أن الولايات المتحدة وفرنسا من الدول التي دعت بقوة إلى التحقيق في مقتل الحريري؛ وقد حثتا الصين وروسيا المترددتين، في ما يقال، على عدم الاعتراض على قرار بإنشاء المحكمة في إطار البند السابع. ويقول المحللون إن واشنطن تراهن على مسؤولية سوريا عن مقتل الحريري، على اعتبار أن ثبوت تورط مسؤولين سوريين كبار من شأنه أن يعيق نظام دمشق، حتى وإن رفضت القيادة السورية تسليم المتهمين.
وكان الرئيس الفرنسي، الذي كان صديقاً شخصياً للحريري، قد أيد ضمنياً يوم الاثنين استعمال البند السابع، قائلاً إن على مجلس الأمن الدولي أن "يتحمل مسؤوليته" في إنشاء المحكمة في حال تخلف البرلمان اللبناني عن المصادقة عليه. وفي هذا السياق، يقول بول سالم، رئيس مركز الشرق الأوسط التابع لمؤسسة "كارنيجي إنداومنت" في بيروت: "إنها أداة سياسية قوية جداً ضد السوريين وحلفائهم"، مضيفاً "ولو كان أحد حلفاء الولايات المتحدة هو المشتبه في ضلوعه في اغتيال الحريري، ما كنت لأتفاجأ إن هي عارضت ذلك".
إلا أن مؤيدي المحكمة يشددون على أنه لم يكن ثمة مفر من تدويل التحقيق في مقتل الحريري بالنظر إلى ضعف الجهاز القضائي اللبناني. وفي هذا الصدد، يقول شبلي ملاط، أستاذ القانون الدولي بمركز "وودرو ويلسون" التابع لجامعة برينستون: "لو كان النظام القضائي اللبناني قادراً على التعامل مع هذه القضية، فإنه ينبغي أن تُترك له. ولكن ما دام غير قادر على القيام بذلك، مثلما نرى، فإن اللجوء إلى العدالة الدولية يصبح ضرورياً".
وقد طلب كبير المحققين الأمميين في مقتل الحريري عاماً إضافياً لإنهاء عمل لجنة التحقيق، التي بدأت عملها رسمياً في يونيو 2005، إلا أنه لم تصدر عنها حتى الآن مؤشرات تفيد بقرب خروجها بخلاصات واستنتاجات.
وقال ميشال في بيروت إن المحكمة لن تبدأ العمل بعد تأسيسها "لعام على أقل تقدير". إلا أن خبراء قانونيين يقولون إن المحكمة تستطيع العمل حالما يتم تشكيلها، وتحديد مكان لها، وانتقاء مجموعة من القضاة اللبنانيين والدوليين، مضيفين أنه بالإمكان محاكمة المتهمين حتى بموازاة مع تواصل تحقيق الأمم المتحدة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف