جريدة الجرائد

جدار الأعظمية وجدران بيروت

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك




غسان شربل

يحاول العربي أحياناً إقناع نفسه بأن تدهور أمته بلغ حداً قياسياً وبالتالي لا تدهور بعده. مسكين العربي. دائماً تكذب الاخبار توقعاته وتثبت بطلان حساباته. تحمل إليه أحياناً ما يقنعه ان قدرة الأمة على التدهور فظيعة ومريعة. وانها تنتقل من قاع الى قاع أشد غوراً.

أكتب عن سور الأعظمية. يصل المظليون الاميركيون الليل بالنهار لإنجازه. الغرض كما قيل حماية سكان الحي السني من هجمات جيرانهم الشيعة ومن هجمات الانتحاريين والمقاتلين الجوالين. وقد ينتهي الأمر ببوابات الكترونية للأعظمية وبطاقات دخول خاصة.

هذا فظيع.

لا نستطيع ان ننسى أننا نتكلم عن بغداد. لا حاجة الى التذكير بجذورها العميقة في التاريخ العربي والإسلامي. لا حاجة الى التأكيد أن بغداد موصولة بشرايين العالم العربي. آلامها تنتشر. وأمراضها معدية.

ما أخطر ان تترك لرجل اسمه جورج بوش فرصة إجراء جراحات في هذا العالم. أسقط نظام صدام حسين. فتح للعراقيين طريق صناديق الاقتراع. انتخبوا وقاطعوا واختلفوا. قاوموا وقاتلوا وقتلوا واقتتلوا. حضهم على المصالحة الوطنية فتعثرت. هذا الطبيب يقتل مرضاه. وبعد فشل سياسات اجتثاث البعث وأعمال الدهم والغارات اعتبر ان آخر الدواء الكي. آخر الدواء الجدار. جدار للأعظمية وثان للدورة وثالث للعامرية ورابع لمدينة الصدر. لينام العراقي وراء الجدار. في منطقة صغيرة تشبهه. في تكريس صارخ للاستقالة من الآخر. تكريس للطلاق. ألوم الإدارة الأميركية ولا أعفي القيادات العراقية على اختلافها ولا يصح تناسي مسؤولية المقاتلين الجوالين.

شعرت بالألم حين تصدرت أخبار جدار الأعظمية الصفحة الأولى في "الحياة". كنا نحلم بهدم جدار الفصل العنصري الذي اقامته إسرائيل وها هي الجدران تهاجم عواصمنا. في قراءة المستقبل العربي لا بد من الالتفات الى بغداد. رياح الفتنة تنذر بموسم جدران لا ينتهي. وربما تأخر الوقت للقيام بحملة تلقيح شاملة ضد مرض الجدران. تصريحات السياسيين في البلدان التي تشهد انقسامات أهلية تشجع على انتشار الوباء.

في الليل وبعد ذهاب صفحات "الحياة" إلى المطابع هاجمتني رياح الجدران. تخيلت جدراناً كثيرة في عواصم كثيرة. سأقصر حديثي على الجدران اللبنانية كي لا أتدخل في الشؤون الداخلية للأقطار الأخرى.

لا أعرف لماذا تراودني مخاوف من قيام جدار بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار. جدار بين مؤيدي المحكمة ذات الطابع الدولي ومعارضيها أو المصرين على ترويضها. ذهبت مخاوفي أبعد. جدار بين الضاحية الجنوبية الشيعية وبيروت الغربية ذات الغالبية السنيّة. لفتني زميل إلى أن تطبيق هذا النهج يعني أيضاً سلسلة من الجدران داخل بيروت الغربية نفسها، وكذلك على الحدود بين الضاحيتين الجنوبية والشرقية.

موسم الجدران طويل. جدار بين قصر بعبدا والقصر الحكومي. وجدار بين فؤاد السنيورة والوزراء المستقيلين. وجدار بين السرايا وخيام المعتصمين. وجدار بين حسن نصرالله وسعد الحريري. وجدار بين نبيه بري ونائبه فريد مكاري. وجدار بين الرئيس اميل لحود والدستور لمنع فخامته من التمديد مجدداً أو تفقيس حكومة جديدة. ومن يدري فقد تكون ثمة حاجة إلى جدار بين العماد ميشال عون المعتصم في الرابية والدكتور سمير جعجع المرابط في بزمار.

جدران. جدران. جدران.

أين العروبة الرحبة. العروبة التي تتسع. عروبة التسامح وقبول الآخر. ولماذا أقفرت أرضنا. لا حلم يجمع. لا فكرة تحتضن. لا رداء يحمي من التمزق. ولماذا أجدبت أرضنا ولم تعد تنجب إلاّ الجدران.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف