الحملة على الإخوان: كالكلب وقع على جيفة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سليم عزوز
كأنهم كلب وقع في رمة . هذا هو الوصف الدقيق للحملة الإعلامية، التي يقوم بها البعض علي جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن شارك نواب الجماعة في حفل استقبال بمنزل السفير الأمريكي بالقاهرة!
رمة بكسر الراء تعني جيفة، وليس الإخوان جيفة، اذ لو كانوا كذلك ما استلزم الأمر كل هذه الحملة البوليسية المتزامنة مع حملة الإبادة الإعلامية عليهم. والذين يهاجمون الإخوان ليسوا كلابا، مع ان القول بأن فلانا كلب او كالكلب، لا يكون في جميع الأحيان سباً، فقد يكون وصفاً، وهناك من هو كالكلب ان تحمل عنه يلهث وان تتركه يلهث. وما قصدته من قولي كأنهم كلب وقع في رمة هو تشبيه المشهد ليس إلا، وهو تشبيه صاغه باقتدار الوجدان الشعبي المصري للتعبير عن حدة التعامل!
نواب الإخوان ذهبوا الي منزل السفير الأمريكي، بناء علي دعوة وصلتهم منه، سلمها لهم الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس، وذلك للمشاركة في حفل استقبال أقامه السفير المذكور لوفد من أعضاء الكونجرس، ولم يحضره نواب الإخوان بمفردهم، وإنما كانوا ضمن وفد ضم ثلة من النواب المعارضين والمستقلين، وكثير من نواب الحزب الحاكم بقيادة وجهاء هذا الحزب ورموزه. الي هنا والأمور تسير بشكل طبيعي، الي أن انتحي زعيم الأغلبية في الكونجرس بزعيم الكتلة الاخوانية في البرلمان المصري جانبا، وتحدثا معا حديثا ربما لم يتمكن القوم من الوقوف عليه، لأن المكان خارج سيطرة العسس، وهنا قيل: يا داهية دقي، وعومل الإخوان معاملة الخونة، الذين يتناجون مع أعداء الوطن، والبلد في حالة حرب!
ولم يقتصر الهجوم علي الكتبة الحكوميين، الذين يرون ان من مقتضيات الواجب الوظيفي ان يهاجموا الإخوان قبل الأكل وبعده، ليؤكدوا جدارتهم باليغمة والنعيم الذي يرفلون فيه، وإنما شاركهم أولئك الذين يسعون من أجل أن يتم النظر إليهم من قبل قادة لجنة السياسات بعين الرضا، وهم الذين يقفون لجماعة الإخوان علي الواحدة، حتي يتم ضمهم الي الجوقة، ويتمتعون كما يتمتع غيرهم بهذه اليغمة ، وبعضهم لا يعرفون عن الإخوان إلا أنهم تنظيم يرفع شعار الإسلام هو الحل في الانتخابات، وأن النظام يناصبهم العداء، فلا قرأوا تاريخهم، ولا تتبعوا سيرتهم، ولو فعلوا لوقفوا علي ما يمكن ان يستخدموه أسلحة في الحرب، ولو علموا لكانوا أكثر موضوعية، ولما كانوا يقفون علي الأرصفة وأعينهم في منتصف رؤوسهم في انتظار أي شاردة أو واردة، و أي تصرف للجماعة، لكي يظهرون الحب العذري لمن دانت لهم الدنيا في مصر، فجروا فيها جري الوحوش في البرية، خوفا من قدوم غد لا يعرفون تفاصيله، وغني عن البيان ان قوة الإخوان في الشارع جعلتهم يخافون من الحاضر، ويخشون من أن يعجلوا بالغد، ليكون موعدهم الصبح.. أليس الصبح بقريب؟!
وقد يندهش المرء لأن الذين يهاجمون الجماعة المذكورة في كل مرة لا يزيدون ولا ينقصون، فلا يوجد مشارك في حملة الإبادة الإعلامية اعتذر ذات تجريدة ، لأنه في هذا الموقف رأي الإخوان علي صواب، فالإخوان جبلوا علي ارتكاب الإثم والعدوان في كل حركاتهم وسكناتهم وتصرفاتهم، لكن بالقطع فإن الاندهاش سيزول عندما نعلم أن هؤلاء لا يهمهم أن يضبطهم القراء متلبسين بالتجني، فهم يكتبون لقادة لجنة السياسات، ولا يعنيهم بعد ذلك ان تسببت حملاتهم في دفع الناس أفواجا ليتعاطفوا مع الجماعة المحظورة لأنه مجني عليها!
سعد الكتاتني زعيم الإخوان المسلمين في البرلمان تصرف علي أساس ان علي رأسه بطحة، تحسسها فانطلق يقول إن ذهابه الي منزل السفير الأمريكي كان بعد توجيه الدعوة له من قبل الدكتور سرور، كأنه تلميذ لم يتصرف إلا عندما رأي أن تصرفه مقبول من قبل السيد ناظر المدرسة. لكن الحملة استمرت فكان أن قال إن حديثه الجانبي كان عن الوضع في فلسطين، وبدا كما لو كان أعطي البرلماني الأمريكي درسا في الأخلاق، بسبب انحياز قومه للجانب الإسرائيلي، وكان عليهم ان يكون انحيازهم للحق. ومع هذا التوضيح فإن الحملة لم تتوقف، فالمشاركون فيها كانوا كأنهم - ولا مؤاخذة - كلب وقع في - ولا مؤاخذة - رمة!
لو فكر الكتاتني لعلم ان الحديث عن الوضع الفلسطيني ربما يكون في حساسية الحديث عن الوضع الداخلي في مصر، فلم يعد هناك حق فلسطيني واحد يمكننا نحن العرب أن نجمع عليه، وإنما صار هناك حقان ، حق مع حماس، وحق مع فتح، وللدقة حق مع إسماعيل هنية، وحق مع محمد دحلان، والأخير ومعه وجهاء العرب يرون أن أولمرت أقرب إليهم من هنية، بل ومن حبل الوريد. وقد انتهي، وربما للأبد، زمن الحق الواحد، الذي كانت تجمع عليه الأنظمة العربية والشعوب، ليصبح كل يغني علي ليلاه، وليلي في العراق مريضة، وصار الحديث عن الوضع الفلسطيني هو حديث غير مباشر عن الوضع في مصر، ألم يكن فوز حركة حماس بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، سببا في توقف بوش وخليلته رايس عن الحديث عن الإصلاحات في العالم العربي، لأن الانتخابات النزيهة من شأنها ان تدفع بخصوم الولايات المتحدة الأمريكية لسدة الحكم، وهم من آكلة لحوم البشر الأمريكان، وهذا هو مربط الفرس، فالمفروض أن يظل الإخوان يمثلون بعوا لسكان البيت الأبيض، ليقوم بوش كل يوم من منامه فزعا، لأنه رأي.. اللهم اجعله خيرا.. اللهم اجعله خيرا.. المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين يطبق في زمارة رقبته. والحوار ولو بين الخصوم من شأنه ان يقلل من حدة الكراهية والخوف من الآخر، ولهذا فإنه لا يراد للإخوان ان يحتكوا بأي جنس أمريكي، ومن باب الاحتياط أي جنس أوروبي!
لو كنت مكان الكتاتني لقلت إن لفلسطين رباً يحميها، ولاستدرت للبرلماني الأمريكي أقول له إن بلاده هي الراعي الرسمي للاستبداد في المنطقة، وإنها تقف ضد ارادة الشعوب العربية الطامحة للحرية، ولم يعد الأمر يحتاج الي براهين، فمن قبل اعترفت كونداليزا رايس بذلك، وقالت إن بلادها ثبت لها خطر ذلك وأنها ستنحاز للشعوب، بعدها رأينا رحابة في صدور الأنظمة، وحديثاً لا ينتهي عن الإصلاحات، واكليشيهات عن الفكر الجديد، لكن ما ان تيقن القوم عندنا من ان كلام رايس هو فض مجالس ، وأنها تقصد به ابتزاز هذه الأنظمة، لزيادة المساهمة في معركة العراق، عندها تم لحس الوعود التي أطلقت، بل وتم تكريس الاستبداد، ليكون منصوصا عليه في الدستور. وقانون الأحزاب المصري الذي تم إقراره في عهد الرئيس السادات، والذي كان يشترط لتأسيس الحزب السياسي ألا يقل عدد مؤسسيه عن خمسين عضوا، وأن تتولي لجنة الأحزاب نشر أسمائهم في صحيفتين علي نفقتها، داعية من لديه طعن علي أي منهم أن يتقدم به، تم الارتفاع بالعدد الي ألف عضو علي الأقل ومن عشر محافظات علي الأقل، وأن يكون النشر علي حساب وكيل المؤسسين، كما تم الارتفاع بثمن التوكيل الواحد الي أكثر من ثلاثة أضعاف ثمنه قبل الحديث عن الإصلاحات!
والإشراف القضائي علي الانتخابات البرلمانية الذي تم إقراره قبل أن يعلن بوش وخليلته انحيازهم للشعوب، تم العدول عنه ليصبح الإشراف يقوم به صغار الموظفين التابعين للدولة، الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض ولا قتالا. وقانون الطواريء انتقل من قانون استثنائي الي نص دستوري ثابت وأصيل. والمحاكمات العسكرية للمدنيين التي كانت تتم علي استحياء صار منصوص عليها دستوريا. والبيوت وحياة الناس الخاصة التي كانت مصانة بحكم الدستور، قبل الحديث عن الإصلاح، لم تعد لها حرمة او قدسية الآن.. وكله بالدستور يا معلم!
وما كان يمكن أن يحدث كل هذا لولا الحماية الأمريكية، واطلاق يد القوم ليفعلوا ما يرونه مناسبا حتي يحولوا دون وصول خصوم الأمريكان للحكم، وقد جاء هذا الانصراف الأمريكي عن الحديث عن الإصلاح ليس فقط بعد أن حصلوا علي الثمن من قبل الأنظمة المستبدة، ولا عندما فازت حماس بالأغلبية، ولكن لأن هذا تزامن مع فوز 88 مرشحا للإخوان بعضوية المجلس، والإخوان يتم استخدامهم فزاعة لإخافة الأمريكان، باعتبار أن توليهم الحكم من شأنه أن يهدد الجنس البشري بالانقراض. وإذا كان هناك سعي أمريكي من قبل بعض المنظمات بين الحين والآخر للجلوس مع أكلة لحوم البشر، للوقوف علي حقيقة ما يشاع عنهم، فإن الاخوان يرفضون لعلمهم أن هذا الملف حساس للغاية، وطمأنة الغرب من عدو وهمي، أمر خطير، لأنه سيهدد استقرار العروش، والإخوان المسلمون طوال تاريخهم يسعون للمشي جانب الحائط خوفا علي التنظيم، وفي كل مرة يضرب التنظيم دون أن يحركوا ساكنا، مثلهم كمثل من يخاف من الموت، فمات من الخوف!
وقد كان طبيعيا أن يدق القوم طبول الحرب بعد لقاء الكتاتني، وبدأت حملة التشنيع والإبادة الإعلامية ضد الجماعة، ووصل الحال الي حد أن قيل إن المرشد العام سوف يلقي خطابا في الكونجرس. وفي البداية ظننت أن الخبر صحيح فسعدت به، علي الرغم من أنني شافيزي الهوي ، لكني رأيت انه سيكون من الأفضل أن ترفع الحماية الأمريكية لنلتقي بعد هذا مع قادة الحزب الحاكم رجل لرجل، والشعب هو صاحب القرار. وعلي الرغم من أن المرشد العام للإخوان (يعملها)، وقديما قيل: ضربوا الأعور علي عينه فقال: خسرانة خسرانة، وليس هذا فحسب، فالرجل من وجهة نظري هو أشجع مرشد عام في تاريخ الجماعة، الذي في قلبه علي لسانه، وما جعلني أتوجس خيفة من الإخوان، إلا أنهم طوال تاريخهم يلفون ويدورون، ويقولون كلاما عائما حمال أوجه، وأحيانا يكون لهم في القضية الواحدة أكثر من رأي، وحسب الظروف والمواقف!
لكن يا فرحة ما تمت، فقد نفي المرشد العام مهدي عاكف ذلك، وتبين أن ما قيل هو جزء من منظومة التشهير بالجماعة، مستغلة حالة عدم الرضا علي المواقف الأمريكية في العراق وفلسطين في الوجدان المصري!
منذ أيام سألني مذيع بإحدي الفضائيات عن رأيي في لقاء الزعيم الإخواني بالبرلماني الأمريكي، فقلت له: وماذا في ذلك، فأمريكا هل هي عدو ولا حبيب؟!.. فإذا لم تكن عدوا فلا توجد مشكلة من أن يلتقي الإخوان بمسؤولين فيها، أما اذا رأي أهل الحكم أن اللقاء بها جريمة، فليعلنوا ذلك فنقاطعها جميعا، وهم أولنا، ويتركوا الباقي علي أنا، لأنني ساعتها سأهدد بوش بالحرب المقدسة، وسأرسل له جيشا أوله عنده وآخره عندي، وميزة الحرب المقدسة أنها ستمكنني من التعامل مع كونداليزا رايس علي أنها سبية - جمع سبايا - لأتمكن من الوقوف بنفسي، وبدون انتظار شهادة من أحد، علي هل ساقيها ملفوفة أم أنها بعرقوب ، لأنني مللت من شهادة الشهود المتضاربة!
أفكه ما قيل - من الفكاهة - في حملة الإبادة والتشهير ان الكتاتني أعطي البرلماني الأمريكي فرصة للحديث في الشأن المصري الداخلي.. حقيقي (أخص) عليه الكتاتني، فقبل هذا اللقاء لم يكن من حق أي أمريكي ولو كان بوش نفسه ان يتدخل في الشأن الداخلي المصري لأن هذا من إمارات السيادة الوطنية، ولم يحدث حتي أن طلب ولو مرة واحدة بالتعامل برفق مع المظاهرات في مصر، فكان كبار الضباط في قمة الذوق والجنتله!
الغريب أن الذين هاجموا الكتاتني، لم يهاجموا أهل الحكم في مصر لأنهم يتعاملون مع الأمريكان الوحشين ، فالذي أغاظهم فيما جري أن الرؤوس ستتساوي، وأهل الحكم يتفاخرون في مواجهة الشعب المصري بعلاقاتهم المتميزة بالولايات المتحدة الأمريكية
وليس غريبا - والحال كذلك - أن يحتفي الإعلام، الذي هاجم لقاء الإخوان، بزيارة وزير الدفاع الأمريكي لمصر ولقائه بالرئيس مبارك، وقد خرجت صحيفة الأهرام متفاخرة بذلك، ومتباهية به، وقد نشرت تصريحات له تمطعت علي ثمانية أعمدة تقول: مصر أكبر شريك للولايات المتحدة الأمريكية ولا يمكن الاستغناء عن دورها .. ويا عوازل فلفلوا!
وبعد هذا هل أجرم الكتانتي، وهل الأمريكان هم أعداء الوطن الذين لا يجوز الالتقاء بهم؟!
العنوان الأصلي للمقال: جريمة الإخوان المسلمين