جريدة الجرائد

بوتين ينظف عهد يلتسن من فضائح ابنته!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



سليم نصّار

بعد نجاحه في رئاسة الولاية الثانية (تموز/ يوليو 1996) تعرض بوريس نيكولافيتش يلتسن لأزمة قلبية حادة اضطرت ابنته تانيا للاستفسار عن أشهر الجراحين الأجانب بقصد استدعائه.

والمؤكد أن خوفها على سلامة والدها كان مستنداً إلى معلوماتها حول خلاف الرئيس يلتسن مع قادة الـ "كي جي بي" ورئيس المباحث المطرود الكسندر ليبيد. لذلك ساورتها الشكوك حول إمكان تصفيته داخل غرفة العمليات على أيدي أطباء يدينون بالولاء إلى خصومه السياسيين الطامعين بالمنصب. ومثل هذه الشكوك بقيت مهيمنة على أفكار الشعب الروسي الذي عاش طوال سبعين سنة في هاجس الذعر من التصفيات الجسدية وحركات التطهير. ويبدو أن المناورات التي أرهقت منافسي يلتسن وحطمتهم الواحد تلو الآخر، قد أوحت لابنته بأن والدها الرئيس معرض لاغتيال بواسطة المبضع. ومثل هذه المخاوف كانت تشغل بال الرئيس بيل كلينتون الذي طمأن عائلة يلتسن الى استعداد الدكتور مايكل دبغي للسفر إلى موسكو على وجه السرعة.

كان دبغي في ذلك الحين (88 سنة)، يترأس برنامج تعاون أميركي - روسي لتطوير أبحاث أمراض القلب والرئة. كما عمل مستشاراً لرؤساء جمهورية أميركيين عدة طوال نصف قرن، ومشرفاً على لجنة رئاسة الجمهورية للأمراض القلبية والسرطان والجلطات الدموية والدماغية. ومن هذا الموقع غادر الدكتور دبغي هيوستن الى موسكو حيث أشرف على العملية الجراحية للرئيس يلتسن في ظل مخاوف من احتمالات عدم نجاحها بسبب تلف الشرايين. ومن أجل تطمين العائلة، كلف دبغي أحد تلاميذه في "مركز بايلور"، الطبيب الروسي الأصل رينات اكشورين باجراء العملية.

كان رئيس الوزراء المكلف بمهمات رئاسة الجمهورية فيكتور شيرنومردين، ينتظر خارج غرفة العمليات مع زوجة يلتسن نايا وابنتيه تانيا ولينا ونجله بوريس - الصغير، وأطلعهم دبغي على نجاح العملية، وقال إنه يتوقع له الشفاء العاجل شرط أن يتحاشى الاجهاد والمآكل الدسمة. وعلى الفور سأله شيرنومردين عن تأثير الفودكا على صحته. وابتسم دبغي وقال: إن الرئيس لا يستطيع التغاضي عن التقاليد الاجتماعية، خصوصاً أثناء الحفلات الرسمية، لذلك سأنصحه باحتساء كأس واحدة من الفودكا.

الرئيس كلينتون اطلع من الدكتور دبغي على النتائج المطمئنة، وطلب منه أن يوافيه أسبوعياً بمؤشرات المعافاة بسبب الاهتمام بصحة الرئيس الروسي. وذكر كلينتون للصحف في حينه، أن واشنطن حريصة على استمرارية النهج السياسي الذي دشنه يلتسن خلال المرحلة الانتقالية، أي المرحلة التي انتهت بإقصاء غورباتشيف عن الحكم وتفكيك الاتحاد السوفياتي وادخال روسيا في نظام اقتصاد السوق الحرة.

بعد مرور أربعة أشهر عاد الدكتور دبغي إلى موسكو ليحضر احتفالاً أقامه يلتسن على شرفه. وكان الاحتفال الضخم بمثابة اعتراف بالجميل للجراح الذي أنقذ حياته. وفوجئ "ابن مرجعيون" بالكلمة العاطفية التي ألقاها يلتسن بالمناسبة، وقال فيها إن مهارة جراح القلب حصنته بقوة إضافية سمحت له باستئناف مهمات الرئاسة حتى موعد انتهاء ولايته الثانية (19 شهراً). ثم قدم له باسم الشعب الروسي مفتاح مدينة موسكو وشهادة المواطنية من أرفع الرتب، وأعلن أنه طلب من وزارة الثقافة العمل على ترجمة كتبه إلى الروسية.

عقب تعيين يفغيني بريماكوف رئيساً للوزراء، انتقل يلتسن (67 سنة) الى مصح "بارفيكا" القريب من موسكو، وذلك بقصد أخذ قسط من الراحة والمعالجة من داء الاكتئاب والانهاك العصبي. واستغلت ابنته الكبرى "تانيا" اختفاءه عن ساحة الحكم المباشر، لتحول البلاد إلى مزرعة خاصة استفادت منها حفنة محدودة من الأثرياء الجدد تحت شعار "سياسة الخصخصة"، وشاركها في عملية الاستغلال الواسعة زوجها فالنتين يوماشيف الذي جرى تعيينه في رئاسة ديوان الكرملين.

خلال تلك المرحلة الرمادية تصدرت قائمة المستغلين مجموعة يهود كان أبرزهم ميخائيل خودوركوفسكي (39 سنة) صاحب شركة "يوكوس" النفطية. وقدرت ثروته في حينه بثمانية بلايين يورو، ويليه في القائمة رومان ابراموفيتش، أحد مؤسسي شركة "العائلة" التي حكمت روسيا اقتصادياً في عهد يلتسن. وكانت شركات ابراموفيتش تسيطر على حقول سيبيريا النفطية، خصوصاً بعدما قدم لعائلة الرئيس رشاوى عدة مقابل التنازل عن تلك الحقول بثمن أقل عشرة أضعاف عن قيمتها الفعلية.

وظهر فجأة على مواقع السيطرة الاقتصادية ميخائيل فريدمان، مالك مجموعة "ألفا" المالية التي اعتبرت من أهم مصادر تمويل السياسيين الكبار. علاوة على هذا، رعى فريدمان المؤتمر اليهودي الروسي. وبفضل نشاطاته المتعددة وصل رقم حسابه إلى ثلاثة بلايين يورو تقريباً. وبذلك يكون الثلاثة قد جمعوا خلال سنة واحدة أكثر من نصف مداخيل المواطنين في روسيا.

مجلة "يورو بيزنس" نشرت أسماء تسعة يهود روس في قائمة البليونيرية الأوروبيين. ووضعت اسمي الأخوين ليف وميخائيل تشيرتي اللذين يسيطران على مناجم الأحجار الكريمة، وقد نجحا في نقلها إلى إسرائيل بعدما حصلا على جنسية الدولة العبرية، كونهما يمتلكان مثل بيريزوفسكي، حقاً مكتسباً بالولادة في الانتقال إلى "أرض الميعاد".

مطلع هذا العام ظهر في إسرائيل البليونير الروسي الأصل أركادي غايدماك، الذي وظّف ثروته المنهوبة من نفط سيبيريا، لانشاء حزب تابع لليكود، توقع أن يعيد الاعتبار لليمين المتطرف في الانتخابات النيابية المقبلة. وكانت العلاقات قد توطدت بين بنيامين نتانياهو والثري الجديد، الأمر الذي رفع شعبية ليكود في أوساط المهاجرين الروس بنسبة 17 في المئة.

يقول خصوم يلتسن إن فترة مرضه تميزت باستشراء الفساد وبانشغاله في معالجة ادمانه الشديد على الكحول، رغم تحذيرات الأطباء. ولكنهم، من جهة أخرى، يعترفون بجرأته يوم طرد الشيوعيين من السلطة، ووضع روسيا على طريق الاصلاحات قبل أن يستقيل ويسلم منصبه لفلاديمير بوتين. وأشيع في حينه أن يلتسن عقد صفقة مع بوتين الذي وعده بدوام الحصانة وعدم تقديم عائلته للمحاكمة.

بعد تسلمه الحكم، قرر بوتين التخلص ممن وصفهم بـ "الحيتان"، أي المجموعة التي نهبت ثروات الغاز والنفط، وهرّبت أموالها إلى الخارج. كما قرر اقصاء هؤلاء "الحيتان" عن الساحة السياسية حرصاً على النظام الذي تحول إلى نظام "مافيات". وفي أقل من ثلاث سنوات استطاع هذا الرئيس أن يحسن الوضع الاقتصادي، مستخدماً ارتفاع اسعار الطاقة من أجل توسيع مساحة البنى التحتية.

إضافة إلى الاصلاحات الاقتصادية فرض بوتين الضريبة بنسبة موحدة ومتدنية. وبذلك قضى على ظاهرة التهرب من دفع الضرائب بحيث أصبحت الحكومة تملك فائضاً في الموازنة بنسبة 8 في المئة من الناتج القومي. وبفضل الرقابة، خرج المال الأسود من مخابئه، وراح البنك المركزي يعزز قوته ويرفع رواتب عناصر الشرطة التي ساعدت في تنظيف الشوارع من "الزعران". ويفاخر البنك المركزي أن احتياطي العملات الأجنبية بلغ 320 بليون دولار، بالمقارنة مع 12 بليوناً قبل ثماني سنوات. وفي زحمة هذه الفورة الاقتصادية هجم المستثمرون الأجانب، وإنما بشيء من الحذر والتأني. وحجتهم أن "البوتينية" - كنهج اقتصادي - سياسي قد تنهار بعد خروج بوتين من الحكم بعد أقل من سنة. وبما أن الديموقراطية، التي أنشأها بواسطة أحزاب تابعة للسلطة لن يكتب لها النجاح، فإن المعارضة قد تنجح في جر البلاد إلى المطالبة بمزيد من الحريات وكثير من الصخب.

في مطلق الأحوال، هناك أكثر من سيناريو تطرحه أحزاب المعارضة والموالاة عقب خروج بوتين من الكرملين. سيناريو يتحدث عن نهاية المعجزة الروسية إذا ما هبطت اسعار النفط والغاز. وسيناريو يتوقع ظهور روسيا كدولة اقتصادية عظمى مثل الصين والهند. أما السيناريو الثالث فقد ينتج عن تململ الشعب من صخب المعارضة، الأمر الذي يعطي بوتين فرصة أخرى للتهديد بواسطة القوات المسلحة!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف