عضوية الأمم المتحدة في الرباعية تشكل نجاحا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إدوارد مورتايمر - الديلي ستار
لعل من طبيعة الأمور بالنسبة لدور لأمم المتحدة في اي نزاع أن تتعرض للهجوم من جهة طرفيه. وعندما تعمل لصالح الامم المتحدة، فإنه غالبا ما يكون هناك إغواء بتبني تلك الحقيقة البسيطة كدليل على انك انما تقوم بعمل شيء صائب. وبالاختبار البسيط، فإنه يمكن اعتبار عضوية الامم المتحدة في الرباعية نجاحا هاماً.
منذ البداية (في ربيع عام 2002)، أبدى العديد من الاسرائيليين ومؤيدي اسرائيل شكوكا في الرباعية، معتبرين إياها محاولة تقوم بها اطراف ثالثة معادية، او معادية بالإمكان، لتخفيف الدعم الاميركي لاسرائيل؛ فأشاروا على سبيل المثال الى تزامن فترة تشكيل الرباعية مع تمرير مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة لعدة قرارات حول الشرق الاوسط دون تصويت الولايات المتحدة عليها بالفيتو، وخاصة القرار رقم 1397 الذي دعا فيه المجلس ولأول مرة صراحة الى اقامة دولتين، اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا الى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها. ومن بين الاعضاء الثلاثة الآخرين، كانت الامم المتحدة هي التي اثارت معظم الشك. وقد كان للإسرائيليين بعد كل شيء سبب وجيه لاعتبار اغلبية الدول الاعضاء في الامم المتحدة معادية قبلياً على اساس القرارات المتعددة التي أصدرتها الجمعية العامة، وللاعتقاد ان بعض فروع الامانة العامة للامم المتحدة تتبنى نفس الموقف.
أما على الجانب الآخر، فقد اعترض الكثيرون على اعتبار الامم المتحدة عضواً واحدا في جسم كان أعضاؤه الثلاثة الآخرون دولاً عضوة في الامم المتحدة، او، في حالة الاتحاد الاوروبي، مجموعة من الدول. وبدا هذا الترتيب شاذا من حيث الشكل وخطيرا من حيث الجوهر، ذلك لأنه يشكل تمييزاً ضمنيا ضد تلك الدول الاعضاء (الاغلبية الكبيرة) والتي لا تشكل أعضاء في الرباعية.
مما لا شك فيه ان الاعتراض الثاني كان يتمتع باصطفاف المنطق في جانبه، فقد كانت الرباعية ترتيباً غير سوي. ذلك لأنها كانت نتاج مبادرة غير اعتيادية من طرف الامين العام للامم المتحدة كوفي انان الذي استطاع خلال ولايته الاولى (1997-2001) تدريجيا وبمهارة تطويع الدول الاعضاء لاستيعاب قدر يعتد به من التوجيه من جانبه، جاعلاً من نفسه، اكثر من اي من اسلافه المعاصرين، لاعبا دبلوماسيا منفصلاً، بل ومستقلاً إلى حد ما عن الهيئات الاربع الاخرى الرئيسية في المنظمة الدولية. وهكذا، كانت "الامم المتحدة" كما جسدها في اللجنة الرباعية لم تكن متكافئة تماما مع "الامم المتحدة" التي تنتمي لها كافة الدول، بما فيها الدول الاعضاء في الرباعية.
يمكن القول إنه بتصرفه هكذا انما كان يتصرف خارج اطار الصلاحيات الممنوحة له بموجب ميثاق الامم المتحدة، كما انه من المؤكد انه ما كان ليستمر في القيام بهذا الدور لو أنه ووجه بمعارضة قوية من جانب الجمعية العامة للامم المتحدة. وتكمن مهارته على الأخص في تجنبه ذلك. وقد كانت هناك دمدمة وراء الستارة، لكن أي محاولة جدية لم تجر لإيقافه عن ارتياد مساراته.
إن السبب وراء ذلك كان أن الأغلبية قد قبلت، وبدرجات متفاوتة من الامتعاض، حقيقة انه كان يعمل لما فيه مصلحة المنظمة الدولية. والحقيقة انه مع اواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي، فإن الامم المتحدة قد همشت لفترة ربع قرن كلاعب سياسي في جهود صنع السلام في الشرق الاوسط، وهو ما شكل تناقضاً حاداً مع دورها السابق، ابتداء من الاربعينات وحتى السبعينات من القرن الماضي. وكان السبب وراء هذا واضحا بنفس المقدار، إذ ان اسرائيل لم تعد منذ العام 1975 تعتبر الامم المتحدة حيادية، وفضلت التعويل على المساعي الحميدة للولايات المتحدة، وكانت الولايات المتحدة سعيدة بتقديمها، مبقية على الامم المتحدة بحزم على طرف واحد فحسب، في وقت لم يكن فيه من ثمة خيار امام الدول العربية، ثم منظمة التحرير الفلسطينية في أعقابها سوى القبول بتلك المساعي.
لقد شعر كوفي انان بأن ذلك كان خطأ على جميع المستويات، إذ يجب على الامم المتحدة ان تضطلع بدور رئيسي في المساعدة في حل مثل هذا النزاع المهم، كما يجب القبول بها كطرف محايد من قبل كافة الأطراف. وبغية كسب ذلك القبول، فإن الامانة العامة على الأقل، يجب ان تكون حيادية فعلياً وبغض النظر عما ستقوله الجمعية العامة. ولذلك شرع مبكرا منذ اول عهده بالولاية الاولى في اقناع اسرائيل ومؤيديها بنواياه المخلصة وبإادته الطيبة. واستطاع ان يحقق نجاحه الاول في هذا الصدد عام 1999، عندما قبلت الحكومة الاسرائيلية بزعامة ايهود باراك تعيينه لتيري رود لارسون كمنسق للامم المتحدة، ليس في الاراضي المحتلة فحسب (مثلما كان سلفه شينمايا غاريكان) وانما ايضا "فيما يختص بعملية السلام في الشرق الاوسط". ثم اتبع ذلك في عام 2000 بنجاح ابرز، عندما اقنع مجلس الأمن الدولي بالمصادقة على شهادته بأن اسرائيل قد انسحبت فعلا من الاراضي اللبنانية الجنوبية بموجب القرار 425 لعام 1978.
وحتى والحال كذلك، استمرت الولايات المتحدة حتى نهاية ولاية ادارة كلينتون في ممارسة احتكار فعلي لدور الوسيط، خاصة بين اسرائيل والفلسطينيين. لكن إدارة بوش القادمة في عام 2001 أعلنت عن نفسها بأنها غير راغبة في الاستمرار بالاضطلاع بهذا الدور، معتقدة بان كلينتون قد تورط كثيرا في دبلوماسية الشرق الاوسط، وانه يجب ترك اسرائيل تتعامل مع الانتفاضة الثانية جوهريا بالوسائل العسكرية. وقد افضى ذلك الى خلق فراغ رآه أنان خطيرا انه يشكل فرصة. ومع أنه ادرك انه لا الامم المتحدة ولا اي جهة اخرى تستطيع ملء الفراغ من دون الدعم الاميركي، إلا أنه رآه ايضا فرصة لإسناد دور ما إلى الامم المتحدة من خلال العمل مع الاتحاد الاوروبي وروسيا، لتوفير آلية يمكن للولايات المتحدة من خلالها ان تعاود الانخراط - وهي فرصة ستجعل من جهد التوسط شيئا اسهل قبولاً لدى العرب لأنها اشتملت على وجه الدقة على هذه الاطراف الثلاثة الاخرى.
بما أن الهدف كان اعادة اشراك الولايات المتحدة، فإه يمكن اعتبار دور الامم المتحدة نجاحا. ولعل من المرجح بالطبع ان الولايات المتحدة كانت ستستطيع الاستمرار طويلاً في تجنب ذلك بأي حال، لكن ادارة بوش جعلت من هذا الامر اكثر صعوبة على نفسها من خلال اعتبار ياسر عرفات شخصا منبوذا - وهو ما يزيد من نفع الشركاء الذين لم يكونوا يقاسمونها تلك الاعاقة المفروضة ذاتيا. لكن سبب عدم تحقيق الامم المتحدة -او شركاء الرباعية الآخرون- أي نجاح يعتد به في تعديل جوهر النهج الاميركي يظل أمراً أقل وضوحاً. وبدلا من ذلك التعديل، شكل قلق شركاء أميركا، خاصة الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي، على أمر الابقاء على الرباعية حية سبباً في جعلهم اكثر استجابة للضغط الاميركي. وعليه، مالت بيانات الرباعية إلى أن لا تشمل في اغلبها مجرد اعادة صياغة للسياسة الاميركية التي ارسيت سابقا.
وهكذا، فإ الانتاج الرئيسي للرباعية وهو "خريطة الطريق" التي أعلنت في شهر نيسان - ابريل 2003 غالبا ما اشير إليه، ولو بشكل غير دقيق، على انه "خريطة الرئيس بوش للطريق". وبعد انتخابات كانون الثاني -يناير 2006 الفلسطينية، كانت الولايات المتحدة قادرة على احالة تكهن الرباعية القائل بأن "من الحتمي ان تتم مراجعة اي مساعدة مستقبلية لأي حكومة فلسطينية جديدة من قبل المانحين في ضوء مدى التزام تلك الحكومة بمبادئ نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل والقبول بالاتفاقيات والالتزامات السابقة" استطاعت إحالة ذلك الى عقيدة داعمة لنفسها. وأفضى ذلك الى قطع كافة اشكال المساعدات الخارجية للفلسطينيين، ما ادى الى تفاقم الحالة الانسانية المتفاقمة اصلا وجر الفلسطينيين الى شفير حرب اهلية، في وقت جعل فيه من الصعب جدا على اي لاعب دولي الاشتراك في حوار ذي مغزى، والذي قد يفضي مع مرور الوقت الى تبني حماس للمبادئ المشار اليها.
مهما كانت الحكمة وراء تبني الولايات المتحدة لهذه السياسة، فقد كان بالتأكيد خطأ كبيراً من طرف الامم المتحدة أن تمضي قدما مع تلك السياسة الى الحد الذي بلغته. وقد كان تصميم كوفي انان على إبقاء وجود الرباعية، وهو ما يشاركه فيه الآن خلفه بان كي مون، كان مفهوماً وربما صائباً. وإن من الصعب، على الأقل، رؤية اي شيء ايجابي يمكن أن ينجز عن طريق كسر ذلك التصميم. لكن من المؤكد انه كان من الممكن ان تجعل الامم المتحدة من نفسها اكثر فائدة، بما في ذلك للولايات المتحدة نفسها، لو انها تبنت تفسيرا لمبادى الرباعية اقرب الى تفسير بالروس بدلا من فرض حدود غير ضرورية على حريتها الخاصة في المناورة.