البحر اللبناني ينتظر السابحين بعدما نُظّف من النفط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
و"المستوعبات" ما زالت تهدد بتكرار "الكارثة"
رفع 1500 طن من قاع البحر و3 آلاف عن الشواطئ ...
بيروت - مالك القعقور
وقف أحمد الكجك على شاطئ بلدته الجية (جنوب بيروت) يراقب عمالاً ينظفون الصخور من الفيول (النفط) الذي لوث الشاطئ بعدما قصفت إسرائيل خزانات الوقود التابعة لمعمل الجية الحراري أثناء حربها على لبنان في تموز (يوليو) الماضي.
ويعد أحمد نفسه هذا العام بالسباحة بعد أيام حين يفتتح موسم البحر، بعدما حرمه الفيول الذي تراكم بسماكة متفاوتة على الشاطئ الذهبي وعلى الصخور وفي الماء، من أن تطأ قدماه البحر منذ العام الماضي.
وهذا ما يؤكده المسؤول عن مشروع تنظيف الشاطئ في جمعية "بحر لبنان" محمد السارجي بقوله لـ "الحياة": "الآن أصبح الشاطئ اللبناني نظيفاً وهو ينتظر السابحين، إضافة الى أن الثروة السمكية في خير وهي أصلاً لم تتأثر بالتلوث البيئي الذي أصاب البحر، وفقاً لجميع الفحوص التي أجريت في مختبرات وزارة الزراعة والمجلس الوطني للبحوث العلمية".
لا يخفي السارجي وهو نقيب الغواصين المحترفين في لبنان، زهوه بقيادته 50 غواصاً نظفوا عمق البحر اللبناني ونحو 200 صياد نظفوا 75 في المئة من الشاطئ الرملي والصخري. واثباتاً لجودة عمله يأخذ "الحياة" الى "النقطة الصفر" التي بدأ منها التسرب النفطي في معمل الجية، حيث اندلعت النيران في 8 خزانات تتفاوت سعتها بين 15 ألف طن و30 ألفاً ومنها انتشرت بقعة نفط رآها رواد الفضاء واتخذوا لها صوراً. وبلغ طول البقعة 130 كيلومتراً وعرضها 30 كليومتراً ووصلت سماكتها في بعض المواقع الى 40 سنتمتراً، وهددت شواطئ سورية وقبرص وتركيا واليونان.
يقف السارجي على صخور فتتها لهب النار الذي امتد الى البحر بعدما حول مقصورات قطار قديم الى رماد، ويشير بيده الى نقاوة المياه وزرقتها قائلاً: "هل كان يعتقد أحد أن العشب البحري سينبت مجدداً هنا؟ هل كان أحد يعتقد أن هذه الصخور ستستعيد بياضها؟ هذا نتيجة عملنا منذ وضعت الحرب أوزارها".
لكن، حين يشيح السارجي بنظره نحو ميناء شركة الكهرباء وتقع عيناه على براميل كثيرة جمعت النفايات النفطية فيها، يصيبه نوع من الخوف من تجدد المشكلة إذا لم ترفع تلك البراميل من مكانها، وجاءها حر الصيف فأعادها سائلاً يتسلل الى الماء.
ويشرح السارجي المواقع التي نظفت والتقنية التي اتبعت في إشراف الخبير الفرنسي الدكتور برنار فيشو. ويقول: "أولاً بالنسبة الى قاع البحر أجرت نقابة الغواصين ومعهد صيدون للغطس، كشفاً عاماً من صور الى طرابلس، وحددت 4 مناطق أساسية هي: وادي الزاينة، والجية، والرملة البيضاء في بيروت، وجبيل. وكان النفط مستقراً في بعض المواقع على عمق 12 متراً، فنظف تنظيفاً كاملاً ونهائياً علماً أن الفيول أخف وزناً من المياه وعام على السطح باسثناء النفط الذي احترق فاستقر في القاع. وكان الغواصون يلفون القطع النفطية كسجاد ثم يضعونها في أكياس ثم ترفع الى المركب ثم تحضر الى الشاطئ وتوضع في خزانات.
أما بالنسبة الى الشاطئ فاتبعت طريقة عالمية ابتكرها فيشو وهي "الغسيل بالأمواج" اذ كان الصيادون يجمعون الرمل والبحص الملوث بالنفط ويضعونه في مضرب الموج فتفكك قوتها النفط عن الرمل والحصى وتطفو جزيئات النفط على وجه الماء فيحاصرها الصيادون بمواد عازلة ثم يضعون فرشاً تمتصها.
أما في ما يتعلق بتنظيف الشواطئ الصخرية، وهي المرحلة الأخيرة التي تنتهي في أيام، فاستعين بشركة لبنانية لديها معدات تضخ ماء ساخناً بقوة 1400 بار، وهذه القوة كفيلة بتفكيك جزيئات النفط عن الصخور.
والعملية تجري حالياً في الجية وتنفذها شركة خاصة، وعناصر من الدفاع المدني يؤمِّنون المياه والاسعافات في حال حصول طارئ، بحسب أحد العناصر".
ويقول السارجي: "رفعنا من قاع البحر نحو 1300 طن من النفايات النفطية وعن الشاطئ نحو 3 آلاف طن وهي كلها موضبة بأكياس وخزانات وموزعة على الشاطئ في أماكن العمل تنتظر أن تقوم وزارة البيئة برفعها خصوصاً أن أصحاب المسابح بدأوا يحضرون للموسم ويظهرون انزعاجهم من تلك النفايات".
وبحسب تقرير حديث صادر عن رئاسة الحكومة خصص لإعادة الإعمار بعد الحرب، فإن "وزارة البيئة أطلقت من خلال "مركز تنسيق عمليات التلوث النفطي" خطة المكافحة التي تشمل برنامج العمل لإزالة التلوث"، مشيراً الى الجهات التي ساعدت الوزارة بينها "بحر لبنان"، والى أنها تلقت من USAID هبة بلغت 5 ملايين دولار ومساعدات كثيرة عبارة عن معدات تنقية من عدة دول.
وعن الكلفة المالية لتلك العملية، يوضح السارجي: "تعهدت جمعية "بحر لبنان" بتوجيه من رئيستها السيدة نازك رفيق الحريري، تنظيف قاع البحر من صور الى طرابلس على نفقتها، اضافة الى تنظيف الشاطئ من وادي الزينة الى بيروت وجبيل، وأصرت السيدة نازك على توظيف الصيادين الذين أصبحوا عاطلين عن العمل فوظفنا نحو 50 غواصاً في مقابل أجر يتفاوت بين 50 دولاراً و200 دولار يومياً. أما الصيادون فكنا نوظفهم بحسب المناطق التي نعمل فيها وبلغ عدد الذين عملوا معنا نحو 200 صياد مقابل 50 دولاراً يومياً لكل منهم. أما لتنظيف الصخور فندفع للشركة 1500 دولار يومياً. والكلفة التي أنفقتها الجمعية الى الآن بلغت نحو نصف مليون دولار". ويشار الى "أننا سننتقل بعد الانتهاء من الجية الى اعادة تنظيف بعض الشواطئ الشمالية التي عملت عليها شركات أجنبية في مقابل مبالغ طائلة".
ويتردد أن المعنيين قدّروا كلفة تنظيف البحر والشاطئ بعد الحرب بنحو 150 مليون دولار، وكذلك يتردد أن ثمة اتجاها لنقل البراميل التي وضعت فيها النفايات النفطية الى مصفاتي الزهراني والبداوي لوضعها في حزانات في مقابل 13 ألف دولار لنقل الطن الواحد. لكن في ما يتعلق بهذه المشكلة حصلت "الحياة" على رسالة موقعة من وزير البيئة المستقيل يعقوب رياض الصراف بتاريخ 14/10/2006، وموجهة الى شركة "هولسيم" التي تنتج اسمنتاً ومركزها شمال لبنان، ويرد الوزير على اقتراح الشركة تكفلها بنقل تلك النفايات واستخدامها في صناعتها. ويقول الصراف رداً على اقتراح الشركة استخدام الرمل الملوث في تصنيع الاسمنت بالقول: "إن أولوية وزارة البيئة هي استعمال هذه الرمال في اعادة بناء الطرق وفي حال تعذر ذلك يمكن معالجتها في مصانع الاسمنت". وفي ما يتعلق باقتراح الشركة استعمال الترسبات كمحروقات في فرن الاسمنت، قال الوزير: "إن ذلك مقبول من حيث المبدأ لكن معظم هذه الترسبات جنوب بيروت لذلك تنقل الى مصانع مجاورة أي في محيط بيروت آخذين في الاعتبار وضع شبكة الطرق بالاتجاهات المختلفة". ويضيف: "بالنسبة الى النفايات المختلطة بالفيول فهي كناية عن مواد بلاستيكية او زجاجية او مصنوعة من النسيج أو دواليب مطاط مستعملة، وهي تحفظ مرحلياً في مستوعبات على أن تنقل لاحقاً الى خارج الحدود اللبنانية وفقاً لاتفاق بازل على نفقة البلدان المستعدة لمعالجتها، اما الخيار الآخر فهو محاولة تمويل ترحيلها من مصادر وطنية كالموازنة العامة وجهات القطاع الخاص المتطوعة للمساعدة".
ومشكلة البراميل هي المشكلة الرئيسة التي ستواجه "حملة الأزرق الكبير" التي تستعد حالياً لاطلاق حملتها التاسعة لتنظيف الشاطئ اللبناني وبحره في 13 أيار (مايو) الجاري، بمساعدة الجيش اللبناني ووزارات النقل والصحة العامة والداخلية والتربية والتعليم العالي والبيئة والسياحة والبلديات وسفارات وجاليات وجمعيات بيئية وكشفية واجتماعية ونوادي الغوص وشركات ومؤسسات سياحية وتجارية وجامعات ومدارس.