على هامش الحملة على الإرهاب في السعودية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
داوود الشريان
من يقرأ بيان مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين الماضي والذي تضمن مطالبة اجهزة الدولة والمجتمع بمحاربة الفكر الذي يتستر خلفه الارهاب على مستوى الأسرة والكلمة والموعظة والفتوى والعمل الاجتماعي، ومن يتابع الضربات الاستباقية المتوالية لوزارة الداخلية السعودية لخلايا الارهاب، والتي كانت آخرها العملية الاستباقية التي اعلن عنها يوم الجمعة الماضي وتم فيها القبض على سبع خلايا كانت تخطط للقيام بعمليات ارهابية منظمة في انحاء متفرقة من البلاد، سيعتقد ان السعودية تطارد المتدينين والدعاة وتضيّق على النشاطات الدينية بدعوى محاربة الارهاب، وتفرض حالاً من الحصار على المواطنين السعوديين، وتشيع اجواء حرب على الصعد كافة، وتسد مداخل المدن السعودية بالآليات العسكرية، والحصار الأمني، وتمارس الدهم العشوائي، وترفع شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
لكن المثير ان الصورة مغايرة تماماً، فعمليات الرصد ومتابعة تلك الخلايا المشبوهة تتم على نحو متواصل ومتقن من دون ان تحمّل الناس أي ثمن، باستثناء بعض الحواجز الامنية التقليدية، التي تقل كثيراً عن مثيلاتها في دول لا تواجه ارهاباً مثل الذي جرى ويجري التخطيط له في المدن السعودية، وكأن الدولة التي تخوض حرباً مع الارهاب منذ اكثر من عشر سنوات تعيش بمنأى عن الظاهرة التي عمت دول العالم. وفيما خص النشاطات الفكرية والاجتماعية فإن مسابقات تحفيظ القرآن، وعلوم السنة النبوية، وتسهيل حركة الدعاة، والنشاطات الاسلامية الاخرى، تمتد في طول البلاد وعرضها، وتجد دعماً رسمياً متنامياً.
التعاطي الامني الهادئ مع الظاهرة رغم خطورتها وشراستها واستمرارها لا يحتمل سوى تفسير واحد وهو انه تعبير عن النجاح والثقة بالنفس والقدرة على حماية الناس من دون تحميلهم تبعات ما يجري، وتفويت الفرصة على من يريد تعطيل الحركة الاجتماعية والاقتصادية وتقويض الاستقرار بإشاعة الارهاب والعنف. لكن التعاطي المعنوي يثير وجهات نظر متباينة، فثمة من يتهم الحكومة السعودية بأنها تحارب الظاهرة امنياً، لكنها تغض الطرف عن الفكر والنشاط الذي يحرض على الارهاب، فتدعم النشاطات الفكرية والاجتماعية التي تخلق بيئة متشددة تفضي في النهاية الى افراز تيار يستعذب العنف باسم حماية الدين، فضلاً عن انها تبدو مترددة وغير جادة في هذا الجانب لانها تنتمي الى الفكر نفسه، وفي المقابل هناك من يرى ان تعاطي السعودية مع الجانب المعنوي في قضية الارهاب ممارسة لقناعة سعودية راسخة ان كل الاتهامات التي سيقت في اعقاب 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ضد مؤسساتها ومناهجها وهم يكذبه الواقع. فالدولة السعودية التي تعيش اليوم طورها الثالث ليست دولة دينية متزمتة، ولا تتحكم بولاية الفقيه، فهي قامت على دعوة تؤمن بثنائية الأمير والشيخ، والانسجام بين الدين والدولة، واستطاعت خلال سبعة عقود تأسيس دولة حديثة ومستقرة، من اهم سماتها ايجاد علاقات حذرة ومتميزة بين مصالحها ومبادئها، وتعد أول دولة في المنطقة العربية تنجح في خلق شراكة اقتصادية وسياسية مع الغرب.
ولهذا فإن استمرار الحكومة في دعم مؤسساتها الدينية هو الحل الامثل لحماية الوسطية الدينية والسياسية، والسبيل الوحيد لمواجهة تداعيات الحرب الدولية على الارهاب التي يحاول البعض استخدامها للنيل من ثقافة المنطقة واستقرارها، فضلاً عن أن الارهاب المتستر بالدين سلوك طارئ على المجتمع السعودي، ونشأ وترعرع في بيئات سياسية مضطربة، وتشكل عبر عوامل فكرية وسياسية معقدة، فاستهدف السعودية قبل اي بلد آخر ولا يزال.
لا شك في ان الجدل حول موقف السعودية من الارهاب يصب في نهاية المطاف في مصلحتها، رغم ان من يثيرونه ينشدون العكس. فالسعودية تؤكد بموقفها الثابت والمستقل انها لا تخوض الحرب على الارهاب نيابة عن احد، وان التعاطي مع الارهاب والارهابيين شيء، والتعامل مع الدين والمتدينين شيء آخر، فالتماهي مع هذا الطرح الساعي لخلق ازمة بين الدولة وشرعيتها، يعني ضمناً ان السعودية توافق على اتهام منهجها وفكرها ومؤسساتها، وعلى استعداد للتنازل عن دورها في نشر الاسلام والدفاع عنه، ولهذا فإن موقف الدولة السعودية من اشكالية العلاقة المفتعلة بين الارهاب والاسلام موقف تاريخي يستحق الاحترام، ومؤشر الى ان الدولة التي أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مطلع القرن الماضي ستتجاوز الحرب على الارهاب من دون ان تتنازل عن أسسها ودورها.
بقي التنويه الى ان بيان مجلس الوزراء السعوي تضمن اشارة مهمة الى ان الرياض "ستستمر في التصدي للسياسات التي تستهدف تحويل قضايا المنطقة الى بؤر لافراز الارهابيين وتوليد افكارهم"، ما يعني مرة اخرى ان السعودية ترفض الزج بمنهجها وفكرها في هذه الحملة، وتؤكد استمرارها في مواجهة الارهاب برؤية مستقلة ترفض الاتهامات المعلبة لفكرها ومنهجها، وتقول لمروجي الاتهامات ضد مؤسساتها ومناهجها ان المسألة ليست دينية بل سياسية في المقام الاول والاخير، وان الارهاب الذي تعانيه دول المنطقة صناعة يجري صوغها اقليمياً لأهداف توسعية ولضرب الاستقرار في المنطقة، وتقويض مجتمعاتها، فضلاً عن ان هذه الاشارة التزام باستمرار دور السعودية الاقليمي في مواجهة الارهاب.