استعجال المالكي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد عبد الجبار الشبوط
نشرت وسائل الاعلام الخبر التالي:
"أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ان الجهود السياسية تحظى باهتمام أكبر وتتقدم على الاجراءات الأمنية والعسكرية، وان خطة فرض القانون تحقق النتائج المرجوة منها. وقال في حديث هاتفي مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ان "هروب الجماعات الارهابية خارج مدينة بغداد يعد دليلا على نجاح الخطة".
اغلب الظن ان مسشاري بلير، الذي يستعد لمغادرة منصبه قريبا، سوف يقولون له ان هذا الكلام غير صحيح، وانه يعبر عن رؤية مستعجلة، تعكس التمني ولا تجسد الواقع.
فأولا، على المستوى الامني لم تحقق الخطة الامنية بعد النتائج المرجوة منها، وان الوقت لا زال مبكرا بعض الشيء للحكم عليها، على الاقل كما يقول الجنرال ديفيد بيتريوس الذي طلب مهلة شهر او شهرين آخرين لكي يكون بامكانه تقديم تقييم قريب للواقع لنتائج الخطة.
غير هذا، فان بغداد، بل عموم العراق مازال يشهد العمليات "الارهابية" التي تسلب المدنيين الامن في بلادهم، ما يدفعهم الى الهجرة عنها، الى الدرجة التي صار فيها اللاجئون العراقيون مشكلة دولية.
عدد القتلى مازال بازدياد، السيارات المفخخة خطر دائم في شوارع بغداد، ديالى تكاد تكون امارة قاعدية ليس للحكومة فيها سلطة، باعتراف مجلسها البلدي، المحتج على عدم قدرة الحكومة لجم الجماعات الارهابية فيها. الميليشيات السنية والشيعية عادت الى الشوارع.
باختصار، بعد حولي 3 اشهر من انطلاق الخطة الامنية في بغداد، وبعد زيادة عدد القوات الاميركية فيها، ما زال الامن من اهم "المفقودات" فيها.
على المستوى السياسي ليس الامر بافضل حالا. لا يمكن الحديث عن مصالحة سياسية تحققت حتى الان. فالجماعات المسلحة السنية ذات المطاليب السياسية مازالت على موقفها من رفض العملية السياسية. والاحزاب السياسية السنية المشاركة في الحكومة تهدد بالانسحاب منها خلال اسبوع، اذا لم تتم الاستجابة لمطاليبها، او على الاقل هذا ما اعلنه نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، زعيم الحزب الاسلامي، وأحد قادة جبهة التوافق. والجبهة السياسية الشيعية تعاني من تمزق مماثل. فبعد انسحاب حزب الفضيلة من كتلة الائتلاف الشيعية المهيمنة على الحكم، انسحب التيار الصدري من الحكومة، وهو يفكر بالانسحاب من الائتلاف نفسه، وثمة توتر امني سياسي بين البدريين (اعضاء منظمة بدر) والصدريين على خلفية هذا الاختلاف. والصراع الشيعي الشيعي في البصرة صار مكلفا جدا.
وبينما كان المالكي يحدث بلير عن هذه الانجازات كانت تقارير لأربع منظمات دولية واحصائيات لوزارات عراقية تقول ان العراق بات الدولة الأكثر فسادا.. والثالث بين 60 دولة فاشلة في العالم، وتحول الى دولة قاتمة المعالم بسبب تفشي الجريمة والعنف المسلح. وتؤكد التقارير، التي صدرت جميعها خلال ابريل (نيسان) الماضي، أن العراق بات خلال السنوات الاربع الماضية منذ الغزو، مجتمعا غالبيته من الأرامل واليتامى والمطلقات والمعوزين، تسود فيه جرائم الفساد الاداري والاعتداء على الملكية العامة. وحسب تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، فان العراق يتصدر قائمة أسوأ دول العالم في الفساد المالي والاداري.
هذه هي صورة الوضع في العراق الراهن. واغلب الظن ان المالكي يعرفها، واذا كان لا يعرفها، وهذه مصيبة، فان اللوم يقع على مستشاريه الذين احاط نفسه بهم، ويكادون يغلقون عليه الدائرة، ويصورون له الواقع بغير ما تقوله الارقام، بل ربما يعمدون الى الرد على هذه الارقام بانها غير صحيحة ومبالغ فيها.
المالكي شخصية وطنية عراقية يحب بلده، ويريد ان يقوده الى شاطئ السلامة، لكنه بالتأكيد لا يستطيع ان يفعل كل شي، فلربما بدا الواقع السياسي العراقي بكل تعقيداته اكبر مما يستطيع ان يفعله المالكي في هذه اللحظة.
لكن امرا واحدا لا بد ان يقال بحق المالكي. وهو: يبدو ان الرجل "مستعجل" في تقييماته.بالنسبة لشخص في موقعه، يتعين عليه ان يكون اكثر حذرا، واكثر تحفظا، واقل سرعة.