جريدة الجرائد

جاك شيراك... تركة سياسية مثيرة للجدل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

آن أبيلباوم - واشنطن بوست

"الحياة المهنية لجميع السياسيين تنتهي عادة بالفشل"... هذا ما قاله ذات مرة سياسي بريطاني حكيم. وإذا ما حكمنا بناء على الحطام الذي انتهت إليه مهنة واحد من مشاهير السياسيين في عصرنا، فإننا سنتوصل إلى أن الرجل الذي قال هذا، كان أحكم مما كنا نظن. فبانتخاب رئيس جديد لفرنسا يوم الأحد الماضي، فإن الحياة المهنية السياسية الطويلة لجاك شيراك، الذي شغل منصب رئيس جمهورية فرنسا لاثني عشر عاماً كاملة، ومن قبله منصب عمدة باريس لـ18 عاماً كاملة وشغل بينهما منصب رئيس وزراء فرنسا مرتين، وصلت إلى نهايتها، وهو ما مثل مصدراً لابتهاج واضح من قبل مواطنيه.

خلال الأسابيع القادمة سيكون هناك وقت كافٍ لمناقشة فضائل ورزايا خليفته الرئيس المنتخب نيكولا ساركوزي. ولكن قبل أن يغيب شيراك عن المسرح تماماً وتبهت صورته، أو قبل أن يجد نفسه متورطاً في تحقيقات تتعلق بقضايا فساد، فإنني أود أن أنتهز الفرصة لأذكِّر ببعض من الملامح الأساسية في حياته السياسية.

يعرف معظم الأميركيين جاك شيراك باعتباره الرجل الذي اتخذ القرار السليم بشأن حرب العراق، وإن كان قد اتخذ هذا القرار بناء على أسباب خاطئة، بيد أننا إذا ما نحينا موضوع العراق جانباً، فإننا سنجد أن الجانب الأكثر أهمية من تركة شيراك الدبلوماسية يكمن في مكان آخر.

يمكننا على سبيل المثال أن نتأمل ما قاله شيراك أثناء زيارته لأحد بلدان أفريقيا، تلك القارة التي تمتلك بلاده فيها نفوذاً، يفوق في الكثير من الحالات نفوذنا بكثير: فخلال الزيارة التي قام بها ذات مرة إلى ساحل العاج، وصف شيراك "التعدد الحزبي" بأنه "نوع من الرفاهية" يتجاوز قدرات مضيفه رئيس ساحل العاج لمدى الحياة "فيليكس هوفويت بوانييه". وخلال إحدى زياراته لتونس أعلن أنه طالما أن أهم حقوق للإنسان هي حقه في الحصول على حاجته من الطعام، وحقه في العلاج، وفي التعليم، وفي السكن، فإن سجل تونس في حقوق الإنسان يعد "متقدماً للغاية". وفي بواكير التسعينيات قال شيراك أمام جمع من الزعماء الأفارقة "إن أفريقيا ليست جاهزة بعد للديمقراطية"... أما عن بريطانيا فقد قال: "إن أهم شيء قدمه البريطانيون للزراعة الأوروبية هو مرض جنون البقر... كما أن أحداً لا يستطيع أن يثق بأناس يطبخون على هذا النحو الرديء".

أما بالنسبة لروسيا فقد قام شيراك بتقليد رئيسها "فلاديمير بوتين" أعلى رتبة من نوط جوقة الشرف: "تقديراً لمساهمته في توطيد عرى الصداقة بين فرنسا وروسيا"، على رغم أن ذلك النوط يمنح عادة لأصدقاء فرنسا المقربين من الزعماء الأجانب مثل "وينستون تشرشل" و"دوايت أيزنهاور"، وعلى رغم تدني منزلة سجل بوتين في ملف حقوق الإنسان. وبعد إهدائه نوط جوقة الشرف لبوتين بعدة أسابيع، قرر شيراك الاحتفال بعيد ميلاده الرابع والسبعين في "ريجا" عاصمة "لاتفيا" بعد قمة "الناتو" التي عقدت هناك. وفي حفل عيد ميلاده دعا شيراك بوتين ولم يدعُ بوش، وتشامخ بأنفه على الرئيس اللاتفي في سياق ذلك. وعندما بدأت الأقاويل حول هذه الفضيحة الدبلوماسية تنمو وتنتشر، فإن جميع الضيوف الذين تمت دعوتهم تلمسوا لأنفسهم الأعذار مما جعل ذلك الحفل لا يعقد أبداً.

أما صدام حسين فقد قال له شيراك ذات مرة: "إنك صديقي الحميم... دعني أؤكد لك خالص تقديري واحترامي واعتزازي بروابط الصداقة بيننا". وعن دعم دول أوروبا الشرقية للولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي قال: "إنه حقاً سلوك غير مسؤول يقوم به أناس لم يتربَّوا جيداً...". أما عن برنامج إيران النووي فقد قال: "ماذا فيها لو امتلكوا قنبلة، ثم امتلكوا ثانية بعد ذلك بوقت قصير، إن ذلك ليس بالأمر الخطير للغاية" ويمكن أن ندرك مغزى ما يعنيه هذا التصريح إذا ما عرفنا أن شيراك كان من المفروض في مرحلة من المراحل أن يتولى التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي. ولعلنا لا ننسى في هذا السياق أن شيراك عندما سمع رجل أعمال فرنسياً يتحدث بالإنجليزية في أحد مؤتمرات القمة قال إنه يشعر بـ"الصدمة الشديدة"، بسبب ذلك قبل أن يندفع خارجاً من القاعة.

على الرغم من كل تلك الملامح التي ميزت تركته السياسية والتي تشكل أسباباً لانتقاده، فإن أكبر إدانة يتلقاها الرجل ليست هي تلك التي تأتي من الخارج، وإنما هي تلك التي تأتي من الفرنسيين أنفسهم. لذلك فإنني أدعو من يقرأ هذه السطور إلى عدم الاستماع إليَّ، وإنما الاستماع إليهم على الأقل لأنهم هم الذين اختاروا تواً رئيساً وعدهم بـ"إحداث قطيعة مع أفكار وعادات وسلوكيات الماضي". لقد قال "ساركوزي" في خطاب يوم الأحد الماضي عقب فوزه "إن الفرنسيين قد اختاروا التغيير... وسأقوم أنا بإنجاز هذا التغيير"، وعلى ما يبدو أن التغيير الذي يريده الفرنسيون هو تغيير يسير بعيداً عن شيراك.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف