جريدة الجرائد

مَن ينقذ العراق مِِن أميركا وإيران؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

هدى الحسيني

فوجئ المتابعون لمؤتمر "شرم الشيخ" الذي انعقد أخيراً لدعم العراق بالتهديد الذي أطلقه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عندما قال: "سنرى مدى جدية والتزام الدول التي وقّعت اليوم، فإذا لم تف بوعودها، نحن سنراقب، عندها لن يكون هناك من سبب لعقد مؤتمرات لاحقة"!

المراقبون فسروا هذا التهديد بعدما أرفقوه بابتسامة، بقولهم إن "صراعاً مخفياً" حصل يومي انعقاد المؤتمر بسبب المواضيع التي طرحت. ففي اليوم الأول جرى التركيز من قبل الحكومة العراقية على أن يكون الدعم شاملاً لها وللإصلاحات الاقتصادية والاستثمار، فجاءت اجتماعات اليوم الثاني أقرب ما تكون من طرح عملية اشتراطية، فيها ضغط على الحكومة العراقية كي توسع العملية السياسية وتتخذ الخطوات الضرورية لتنفيس الاحتقان الطائفي والسياسي في العراق.

لوحظ في المؤتمر أن الدولة الوحيدة بين الدول التي شاركت في مؤتمر "شرم الشيخ" التي دعمت مطالب الحكومة العراقية كانت إيران التي رددت بأن تلك الحكومة شرعية ومنتخبة، وبالتالي يجب أن يوفر لها كامل الدعم وان هذا هو السبيل الوحيد لوقف الإرهاب، مع ان الولايات المتحدة كانت ترغب سراً في ان ينتج عن المؤتمر بعض الضغط على الحكومة العراقية كي لا تبدو (واشنطن) إنها الجهة الضاغطة الوحيدة.

وبدت المعضلة حول كيفية التعامل مع الحكومة، فهل يكون على أساس الدعم الذي يسمح لها بالتصرف بشكل مسؤول، وهل تنجح بأن تثبت نزاهتها، أم يجب مزج الدعم مع الضغط.

يقول الباحث يحيى سعيد المتخصص في الشأن العراقي في "لندن سكول اوف ايكونوميكس": "إن الأفضل مزج العصا مع الجزرة في التعامل مع الحكومة العراقية، وهذا ما حصل في "شرم الشيخ"، فيوم الجزرة كان يوم بحث إعفاء ديون الثلاثين مليار دولار، ويوم العصا كان اليوم الثاني في الحوار الصريح الذي عبر عنه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والجامعة العربية والقلق الذي أبدوه من وضع العراق وواقعه، فإذا لم تقم الحكومة العراقية بواجباتها فدول الجوار لن تتمكن من دعمها".

من الواضح أن الحكومة العراقية عجزت عن تقديم إنجازات، وهناك أزمة ثقة بالمالكي شخصياً، وتقول الحكومة العراقية إن النتيجة الأكبر من العملية الأمنية كانت في انحسار قسم من العنف الطائفي، إذ انخفض نسبياً نشاط فرق الموت. لكن يأتيها الرد بأن العمليات الانتحارية تضاعفت، وهذا الوضع يبقي حكومة المالكي تحت ضغط كبير، فهي متهمة بأنها طائفية لذلك يأتي الرد الإرهابي أحادي الجانب.

ولا يؤمن يحيى سعيد بضرورة التمويل الخارجي للعنف، إذ أن إساءة استخدام الموارد المالية داخل العراق تمنح مختلف المتطرفين والمجرمين وسائل الوصول الى مصادر التمويل والأسلحة. ثم إن اغلب التفجيرات استخدمت فيها مواد مسروقة من مخازن الجيش العراقي السابق، والمليارات التي سُرقت في العراق خلال السنوات الأربع الماضية كافية لتمويل عشرين عصياناً وميليشيا.

ويقول يحيى سعيد: "إن النتيجة الأساسية لهذه الأعمال هي الفوضى وليس للوصول الى السلطة. فهذه الأعمال لا يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف، كما تدّعي أميركا، الى وصول نظام فاشي إسلامي يسيطر على العراق وعلى المنطقة، لأن النتيجة الأساسية لهذه الأعمال التي تتبع منهج تنظيم "القاعدة" هي خلق فوضى. وقد يكون هذا هو الهدف المطلوب. فالفوضى ليست بالضرورة نتيجة سلبية لهؤلاء الذين يعتقدون بأنهم يخوضون صراعاً كونياً". لكن هذه الفوضى الدموية تعرقل أي مصالحة وطنية، والاستفزازات ستجلب ردود فعل تخلق مبررات لأعمال عنف أخرى. وما دام هناك انعدام شرعية ناتج عن احتلال وتقصير في عمل مؤسسات الدولة، فإن الظروف لاستمرار دورة العنف مستمرة، وبالتالي فإن العراق الذي نعرفه، والدول العربية تواجه وضعاً لا مجال لتسجيل انتصار فيه. وهذا كان مغزى المداخلات العربية والسعودية في "شرم الشيخ"، بمعنى أنه إذا لم نتعامل مع هذا الوضع بشكل جدي ونعتبره وضعاً كارثياً فإننا سائرون نحو الهاوية.

وكمخرج من هذه الأزمة يقول يحيى سعيد: "إن على الدول العربية ودول المنطقة أن تعترف الى حد ما بشرعية قسم من الأحداث التي جرت في العراق في السنين الأربع الماضية، وفي الوقت نفسه، على الحكومة العراقية أن تعترف الى حد ما بنواقص العملية السياسية ونواقص النتائج".

لقد برزت في "شرم الشيخ" عدة مشاكل، منها عدم لقاء وزيري خارجية أميركا وإيران، فبان التباعد بين أميركا التي لها دور أساسي في العراق وإيران صاحبة الدور الآخر، وظهر رفض وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الاجتماع بالمالكي. إذن هناك وجود لأطراف معنية بالعراق تتطلع الى عملية سلمية إلا إنها لا تلتقي بعضها البعض.

ويقول يحيى سعيد: "قد يكون المطلوب عمليتان في العراق. من ناحية أولى دعم الحكومة العراقية لتوفير ما تحتاجه من وسائل لوقف العنف، ومن ناحية أخرى عملية سلمية يقوم خلالها المجتمع الدولي والدول العربية بدور الوسيط في حل الصراع في العراق وجلب أطراف أخرى ، الجهات الوطنية التي تؤمن ببناء دولة موحدة".

ويلفت يحيى سعيد الى أن إيران تدعم مصالحها فقط في هذه العملية "فهي جاءت الى "شرم الشيخ" ليس حرصاً على العراق، إنما للخروج من أزمتها النووية، ثم إن رفض إيران لقاء كوندوليزا رايس كان دليلاً على رضاها بالواقع العراقي الحالي، وأنها تفضل انتظار فرصة أخرى أو شروطاً أفضل لتبدأ الحوار مع أميركا. لقد كانت إيران الجهة الأقل قلقاً في "شرم الشيخ"".

وبدا لافتاً في "شرم الشيخ" تأكيد ما يتردد من أن العراق صار رهينة المصالح الإيرانية. ويتفق كثيرون على أن إيران هي الفائز الأول من الوضع في العراق لأنها تخلصت من غريمها الاستراتيجي الأكبر. لكن من المؤكد أن استمرار الوضع الحالي في العراق سينعكس على إيران ويقول يحيى سعيد: "في النهاية هناك شروخ عميقة داخل ايران وقد تتعمق اكثر بسبب العراق".

كشف مؤتمر "شرم الشيخ" التناقض في التطلعات التي تقترحها الدول العربية وإصرار إيران على عدم إجراء أي تعديل في الدستور، وعدم استيعاب الضباط البعثيين السابقين في الجيش.

حول هذا يرى يحيى سعيد: "ان المطلوب في العراق حوار مفتوح. وهذا صعب جداً، فالمالكي وغيره أقدموا على رهان خطير، فهم كانوا في السابق سياسيين وطنيين وديموقراطيين، ثم راهنوا وارتبطوا بالاحتلال ومشاكله وانتصروا في رهانهم، وبالتالي صار من الصعب عليهم تقديم تنازلات حقيقية للفريق العراقي الذي لم يراهن على هذه العملية. لهذا المطلوب عملية سلمية دولية وإقليمية تخلق الظروف الملائمة لحوار حقيقي مع كافة أطراف المعارضة العراقية بمعناها الواسع".

وأقول له: إنني قرأت تقريراً عن عمل إيران على ضم العراق، فيرد: إن إيران لن تتمكن من ضم العراق. قد يكون هناك استعماريون إيرانيون يفكرون بهذا الشكل، لكن حسب واقع العالم في القرن الحادي والعشرين فان ضم العراق الى ايران سيفجرها من الداخل. لقد عجز العراق عن ضم الكويت، فكيف يمكن لإيران أن تنجح في ضم العراق".

ويضيف: "إن إيران تطمح بعراق ضعيف بحيث لا يشكل تهديداً استراتيجياً عليها، وينطبق الأمر أيضا على أميركا، فهي تعرف أنه لا يمكنها احتلال العراق الى الأبد أو البقاء فيه لسنوات طويلة. وتتطلع كل الأطراف الى حكومة صديقة لا تشكل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة".

لكن المشكلة أن المصالح الاستراتيجية الأميركية لا تلتقي حتى الآن مع المصالح الاستراتيجية الايرانية ولن تكون هناك حكومة ترضي الطرفين، وهذا ما ظهر في "شرم الشيخ" وإن بدا الطرفان الأميركي والإيراني الأكثر استيعاباً للمالكي.

في "شرم الشيخ" استعاضت واشنطن عن إيران بلقاء جرى بين رايس ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، فبدت محدودة الخيارات حتى في المؤتمرات الدولية، بعدما كانت كل التوقعات تشير وكأن مؤتمر "شرم الشيخ" عقد لتوفير "مناسبة شرعية" للقاء أميركي ـ إيراني. وتشير التصرفات الإيرانية الى أن خيارات طهران في العراق أكثر من الخيارات الأميركية، فإذا غضبت من المالكي فهناك مقتدى الصدر وجيش المهدي، بينما تضطر أميركا الى "تقبل" المالكي على مضض لاعتبارها الصدر عدوها اللدود.

حول هذا يقول يحيى سعيد: "إن الصدر لا يمكن أن يكون خياراً أميركياً أو إيرانيا لسبب بسيط، فهو الطرف الأقوى من جميع الأطراف خارج كردستان في العراق. إنه الطرف الوحيد الذي لديه حركة شعبية، ولن يكون الصدر من مصلحة إيران أو أميركا لأنه قادر على اتخاذ قرار مستقل بسبب تمتعه بقوة ذاتية. أما البقية فإنهم لا يملكون قوة ذاتية فعالة، وبالتالي يعتمدون على دعم هذا الطرف أو ذاك، وعلى ظروف استثنائية قد تتغير. وهكذا فإن السياسيين الآخرين غير الصدر، أكثر ملاءمة لمصالح الدول الخارجية، ذلك ان للصدر عمقاً داخلياً".

لم ينقذ مؤتمر "شرم الشيخ" العراق من الدوامة الدموية. إن الخطر الحقيقي قائم لكن هذا لا يمنع يحيى سعيد من الإشارة الى وجود بوادر أمل "فهناك مؤسسات تعمل، وتقدم ملحوظ حول قانون النفط، ثم إن عمل اللجنة الدستورية هو في الاتجاه الصحيح، كما أن هناك بعض التطور في أعمال مجلس النواب. ولا يمكن شطب كل نتائج العملية السياسية القائمة منذ اربع سنوات".

هذا لا يلغي إن "شرم الشيخ" كان رسالة واضحة الى المالكي، الذي يظن نفسه حتى الآن أنه بسبب نواقصه يبقى الشخصية الأكثر قبولاً لدى كافة الأطراف. فالدول الدائنة، من السعودية مروراً بالكويت وروسيا والصين، فضلت التريث ورفضت شطب ديون العراق كما كان يأمل المالكي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف