العرب وسحر السيدة ليفني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الباري عطوان
لا نعتقد ان السيدة تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل قد جانبت الصواب عندما وصفت لقاءها الذي تم يوم امس الاول مع وزيري خارجية مصر والاردن بأنه بداية عملية تطبيع واسعة ورسمية مع جامعة الدول العربية، فهذا اللقاء تم بعد قرار وزراء خارجية لجنة المتابعة بتفعيل مبادرة السلام العربية، وتكليف الوزيرين المذكورين ودولتيهما بالقيام بهذه المهمة نيابة عن العرب، لانهما تقيمان علاقات دبلوماسية واعترافا متبادلا مع الدولة العبرية.
ما نريد ان نقوله ان بيان جامعة الدول العربية الذي نفي ان تكون الجامعة، وامينها العام قد بدآ عملية التطبيع لم يكن موفقا علي الاطلاق، كما انه لم يكن مقنعا في الوقت نفسه، ويكشف عن استخفاف بعقل المواطن العربي، والاستمرار في عمليات تضليله وخداعه من قبل الجامعة والنظام الرسمي العربي في آن.
قرار تفعيل مبادرة السلام العربية، وتكليف الدولتين المعنيتين بالقيام بهذه المهمة، تما بعد اجتماع تحت قبة الجامعة العربية، قرأ قراراته الامين العام السيد عمرو موسي في مؤتمر صحافي علني اذيع علي الهواء مباشرة بمشاركة اكثر من مئتي صحافي عربي واجنبي، فلماذا دس الرؤوس في الرمال، والتنصل من هذه المسألة، وبهذه الطريقة الساذجة التي لا تخدم الا اصحابها؟
السيدان احمد ابو الغيط وزير خارجية مصر وزميله عبد الاله الخطيب كانا في قمة السعادة وهما يجلسان الي السيدة ليفني، مبهورين بذكائها، وربما جمالها، وانخراطهما في عملية التطبيع الرسمي هذه بتكليف من الجامعة. فقد كانا، وشاهدناهما عبر اللقطات القليلة التي بثتها التلفزة العربية والاجنبية يتباسطان مع السيدة الاسرائيلية ويتبادلان معها الابتسامات وكأنها صديقة قديمة، او احدي افراد عائلتيهما. فقد غابت الجدية تماما، او هكذا لمســــنا في لقاء من المفترض ان يكون ساخنا صداميا، يستخدم فيه الوزيران العربيان لغة صارمة في التعامل مع وزيرة خارجية دولة اغتصبت الارض، وارتكبت المجازر، وما زالت في حق شعب شقيق.
السيد عمرو موسي قال في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد ختام اجتماعات وزراء الخارجية العرب الذي قرر تفعيل المبادرة، بان التطبيع مع حكومة اولمرت لن يتم الا بعد وقف بناء الجدار العنصري والمستوطنات، ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. وها هو التفعيل يتم دون رفع هذا الحصار المالي التجويعي، ودون وقف بناء الجدار، وبعد الاعلان عن خطة اسرائيلية واضحة لتقسيم القدس المحتلة، وبناء مستوطنات جديدة فيها وحولها. فكيف سيرد السيد موسي، وبماذا سيدافع وزيرا خارجية دولتي التفعيل عن لقائهما هذا مع السيدة ليفني، واللقاء الآخر المرتقب الذي سيتم في القدس المحتلة نفسها، وفي مقر وزارة الخارجية الاسرائيلية؟
السيدة ليفني اعترضت بشكل واضح علي بندين رئيسيين في مبادرة السلام العربية يتعلقان بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومنع توطينهم في الدول العربية التي يقيمون فيها، وشاركها الاعتراض نفسه رئيسها اولمرت الذي طالب الزعماء العرب، وخاصة في المملكة العربية السعودية، بزيارة الدولة العبرية لمناقشة المبادرة وبنودها، ويبدو ان اللقاء مع وزيري خارجية دولتين عربيتين، وقبله الاجتماع مع الرئيس المصري حسني مبارك، هما بداية التجاوب الرسمي مع هذه الشروط الاسرائيلية، دون ان تلتزم الحكومة الاسرائيلية بمطلب واحد من المطالب العربية واقلها صعوبة علي وجه الخصوص، وهو رفع الحصار المالي عن الشعب الفلسطيني.
الفصيلان الفلسطينيان الرئيسيان فتح و حماس تجاوبا مع كل المطالب العربية التي يمكن ان تساعد اصحاب القرار في معركة رفع الحصار المالي، من خلال الذهاب الي مكة المكرمة وتوقيع صلح حمل اسمها، نص علي القبول بكل قرارات القمم العربية، والدخول في حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وشراكة سياسية، ومع ذلك بقيت الامور علي حالها.
الحصار المالي فرض علي حكومة حماس لانها تعتبر ارهابية في نظر الولايات المتحدة وباقي الدول الاوروبية السائرة في فلكها وفلك اسرائيل، وها هي حماس تتخلي عن هذه الحكومة عمليا، والمناصب الرئيسية فيها، علي امل القبول بها، وهي الفائزة في انتخابات ديمقراطية شرعية اشادت امريكا نفسها بنزاهتها، ولكن كوفئت بالمزيد من المقاطعة وشاهدنا دولة بلجيكا تطرد احد وزرائها بطريقة مهينة (باسم نعيم وزير الشباب والرياضة) وتمنعه من المرور في اراضيها، او حتي اجواء منطقة الشينغن الاوروبية جميعا.
قالوا لقادة حماس يجب ان تتخلوا عن وزارات السيادة، الواحدة تلو الاخري، فالمالية حتي لا تستخدموا خزائنها في تمويل عمليات الارهاب ، فقدمتها علي طبق من ذهب للسيد سلام فياض الصديق الشخصي للسيدة كوندوليزا رايس، واقترحوا التنازل عن وزارة الخارجية لانه من غير اللائق ان يتولاها شخص غير حليق يكون من صميم واجبات عمله اللقاء مع نظرائه الاوروبيين الانيقين وروائح البخور تنبعث من ملابسه وليس العطور الفرنسية الراقية، فتنازلت مكرهة. ثم جاء دور وزارة الداخلية، والتي اعتبرتها حماس حقا من حقوقها، فتعطلت عملية تشكيل الحكومة لعدة اسابيع، وبدأت التهديدات الرئاسية بحل الحكومة والعودة الي نغمة الاستفتاء او الدعوة الي انتخابات مبكرة، مترافقة بتهديدات امريكية برصد 86 مليون دولار لدعم الحرس الرئاسي. وعندما رضخت حماس لكل هذه الابتزازات، وقبلت بوزير داخلية طيب مسالم، يمكن ان تزوجه ابنتك، خرج السيد محمود عباس رئيس السلطة بمرسوم الغي هذه الوزارة عمليا وحوّل صلاحياتها الي مستشار الامن القومي العقيد محمد دحلان، الشخص الذي يحتل رأس قائمة الكراهية بالنسبة الي الغالبية الساحقة من كوادر حماس، ناهيك عن قياداتها في الداخل والخارج علي حد سواء. فلم تجمع حماس علي كراهية رجل غيره.
الجامعة العربية بدأت التطبيع مع حكومة اولمرت بالتقسيط المريح. اليوم وزيرا خارجية مصر والاردن، وغدا رئيس وملك البلدين، وبعد غد يتوسع الوفد التطبيعي ليشمل دولا اخري لم تقم علاقات دبلوماسية او تجارية مع الدولة العبرية، والمقصود هنا الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية صاحبة النسخة الاصلية من المبادرة، والعنوان هو خلق اجواء ملائمة للسلام علي حد توصيف السيدة رايس اثناء اجتماعها بنظرائها وزراء خارجية الرباعية العربية .
هذه المواقف العربية الرسمية الرخوة والمستجدية للسلام من حكومة اسرائيلية منهارة وفاقدة الشعبية، ومنقسمة علي نفسها، ما كان لها ان تتم لولا وجود سلطة فلسطينية ضعيفة برئيس مستكين، ورئيس وزراء متساهل، وفلتان امني مخجل بكل المقاييس.
الرئيس عباس قال انه سيحل السلطة اذا لم يرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، والسيد اسماعيل هنية حدد مهلة ثلاثة اشهر لحل الحكومة التي يرأسها. ولا نعتقد ان أيا من الرجلين جاد في تهديداته، فلو كانا جادين فعلا ويفعلان ما يقولان، لما وصلنا الي درجة ان هذه السلطة واكثر من مئة عنصر امني وميليشيات تابعة لها باتت عاجزة عن تحرير صحافي اختطفته عائلة فلسطينية في غزة.
عندما كنا نطالب بحل هذه السلطة المهزلة في زمن كانت احواله واحوال الشعب الفلسطيني افضل كثيرا، وكان هناك زعيم لا يساوم، ولا يهرب من الارض المحتلة، ويقبل ان يموت تحت الحصار الاسرائيلي، اتهمنا السيد عباس، والمحيطون به بأننا ضد المشروع الوطني الفلسطيني ومكتسباته. الآن، وبعد خراب مالطا يهدد السيد عباس بالشيء نفسه.
التطبيع العربي الرسمي بدأت عجلته في الدوران، والمبادرة العربية بدأت تعود الي طبعتها الاصلية، اي التطبيع الكامل قبل ان يتحقق الانسحاب الكامل، والسبب هو غياب القيادة العربية الشجاعة، وانعدام الحرص علي المصالح العربية الاستراتيجية. والا بماذا نفسر خوف جميع القيادات العربية، ورضوخها لأوامر رئيس امريكي يلفظه الكونغرس، وسعادة وزيري خارجية دولتين عربيتين باللقاء مع نظيرتهما الاسرائيلية، وبحضور حرس الاخيرة في الصورة، وكأنها لا تثق بالدولة العربية الاكبر التي تستضيفها.
الرد علي هذا التطور الخطير والمهين، اي اقدام القيادات العربية علي حماية نفسها امريكيا، بالتفريط بالحقوق العربية والاسلامية الاستراتيجية، والتطبيع مع الدولة العبرية، يجب ان يأتي فلسطينيا اولا، لان الشعب الفلسطيني هو الذي سيدفع ثمن هذا التوجه. علي السيدين عباس وهنية ان يكفا عن خض الماء والغرق في تفاصيل تافهة علي حساب القضايا الاساسية، وعقد مؤتمر صحافي عالمي، يعلنان فيه سويا مشاركة حقيقية في القرار الأهم، وهو حل هذه السلطة وجميع مؤسساتها اليوم، وليس بعد ثلاثة اشهر، فهذا العمل هو ارفع انواع المقاومة واشرفها، وعلي