جاك شيراك.. نهاية عصر القادة العظام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
د. وحيد عبدالمجيد
اليوم هو الأخير للرئيس جاك شيراك في رئاسة فرنساrlm;.rlm; تنتهي ولايته في منتصف الليلةrlm;.rlm; وقد تنتهي معها مرحلة بكاملها امتدت نحو نصف قرن من الزمنrlm;,rlm; وحكم فرنسا خلالها رؤساء عظام بدرجات متفاوتةrlm;.rlm; وهذا العصرrlm;,rlm; الذي يعتبر شيراك من رموزه الأخيرةrlm;,rlm; ليس فرنسيا فقط بل هو عالمي أيضاrlm;.rlm; فإحدي سمات عالم اليومrlm;,rlm; وأحد عوامل مأساته أيضاrlm;,rlm; أنه يعاني نقصا متزايدا في القادة الكبار ذوي الشخصيات المميزةrlm;,rlm; وزيادة مطردة في القادة من الوزن الخفيفrlm;.rlm;
فإذا كان رئيس مثل جورج بوش الابن يصلح لقيادة الدولة الأعظمrlm;,rlm; التي لا تغرب الشمس عن مصالحهاrlm;,rlm; فما الحاجة إلي قادة من وزن شيراك وبوش الأب وشرودر وتاتشر وغيرهم ممن يغادرون مواقعهم فلا يملؤها آخرون علي المستوي نفسهrlm;.rlm;
ولذلك ربما يكون لمغادرة شيراك قصر الإليزيه مغزي أبعد وأعمق من نهاية عصر رؤساء عظام في فرنساrlm;.rlm;
كان أولهمrlm;,rlm; وهو شارل ديجولrlm;,rlm; مؤسس الجمهورية الخامسةrlm;,rlm; زعيما من طراز رفيع غير مسار فرنساrlm;,rlm; وأوروباrlm;,rlm; وأعاد صوغ التحالف الغربي بوجه عامrlm;.rlm; زعيما أحدث كل هذا التغييرrlm;,rlm; وحين أدرك أن المجتمع الذي يقوده أخذ في التغير لم يتردد في أن يغادر المسرح السياسيrlm;.rlm; تعامل مع طلاب ثورة مايوrlm;1968,rlm; الذين تجاوزوا حدودهم معهrlm;,rlm; باحترامrlm;.rlm; ولم يستخف بهمrlm;,rlm; بخلاف الرئيس المنتخب نيكولا ساركوزي الذي تحدث عنهم أخيرا باستهانة في رده علي أحد الأسئلة الصحفيةrlm;.rlm;
أما من قد يكون هو آخر رؤساء الجمهورية الخامسةrlm;,rlm; وهو شيراكrlm;,rlm; فقد جمع بين زعامة هادئة ولكنها واثقة وخبرة نادرة تراكمت لديه عبر أربعة عقود من العمل السياسي الذي بدأه في أواخر عهد ديجولrlm;,rlm; وأكثر من ثلاثة عقود من العمل التنفيذي منذ أن تولي رئاسة الحكومة للمرة الأولي عامrlm;1979rlm; في عهد الرئيس جيسكار ديستانrlm;.rlm;
وهو الرئيس الوحيد في فرنساrlm;,rlm; الذي انتخب بأغلبيةrlm;82rlm; في المائةrlm;.rlm; وهذه نسبة لا يمكن إحرازها في أي انتخابات تنافسية في البلاد التي استقرت فيها الممارسة الديمقراطية وصارت راسخةrlm;.rlm; ولكن الظروف أتاحت له هذا الوضع الاستثنائيrlm;,rlm; حين صعد لمواجهته في الجولة الثانية من انتخاباتrlm;2002rlm; زعيم اليمين المتطرف جان ماري لوبنrlm;.rlm; فكان أن احتشدت فرنسا وراء قيم الحرية والمساواة والعدالةrlm;,rlm; والتي تجسدت يومئذ في شيراك بالرغم من وجود خلاف واسع علي تقييم أدائه وقراءة مسيرته السياسيةrlm;.rlm;
فمثلما حظي بالكثير من الإشادةrlm;,rlm; فقد تعرض لانتقادات متفاوتةrlm;.rlm; وكان أكثرها هجاء له الانتقادات التي لم يحفل أصحابها بفهم نوع التوازنات الداخلية والدولية التي قاد في ظلها دفة البلادrlm;,rlm; وما فرضته عليه من مواءمات اعتبروها تناقضا في شخصيته وتقلبا في مواقفهrlm;.rlm;
ولأن الصورة الناطقة صارت أشد تأثيرا من الكلمة المكتوبةrlm;,rlm; فقد حظي فيلمrlm;(rlm; في جلد جاك شيراكrlm;)rlm; بأكبر قدر من الاهتمامrlm;,rlm; حتي قبل حصوله علي جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجانrlm;'rlm; سيزارrlm;'rlm; السينمائي الفرنسي في بداية العام الجاريrlm;.rlm;
وموضوع الفيلم هو اعترافات متخيلة يقدمها شيراكrlm;,rlm; من خلال عمل أرشيفي ركز علي تصريحات متناقضة أدلي بهاrlm;.rlm;
وأراد مخرجا الفيلم إظهار شيراك باعتباره سياسيا متناقضا يفعل عكس ما يقولrlm;,rlm; فاختارا أحداثا من الأرشيف تعبر عن هذا المعنيrlm;,rlm; ليوجها رسالة مفادها أنه عاشق للسلطة ولكنه لا يعرف كيف يفعل بهاrlm;,rlm; وأنه يفتقر إلي برنامج واضحrlm;.rlm;
غير أن هذا الفيلمrlm;,rlm; علي ذيوعه وحرفيتهrlm;,rlm; لا يقنع علي الأرجح إلا خصوم شيراكrlm;,rlm; ومن يرغبون في مهاجمتهrlm;,rlm; فضلا عن أولئك الذين لا يؤمنون بأن الحمقي فقطrlm;(rlm; والحمير في قول مأثور آخرrlm;)rlm; هم الذين لا يغيرون آراءهم إذا تبين لهم عدم صحتهاrlm;.rlm;
فقد غير شيراك ليس فقط مواقفهrlm;,rlm; ولكن أيضا طريقة تفكيره وتقديره الأمورrlm;,rlm; بل اتجاه هذا التفكير أيضاrlm;,rlm; مثله في ذلك مثل سياسيين كثر يعتبرون ممارسة السياسة خدمة عامةrlm;,rlm; ويقيسون أداءهم بما يحقق من مصلحة للدولة والمجتمع وليس بما يعود به عليهم من نفع معنويrlm;.rlm;
وأكثر من يظنون أن التشبث بموقف خاطئ هو عين الصوابrlm;,rlm; هم الذين يخشون أن تؤدي مراجعة خطأ تبين لهم إلي إساءة فهمهمrlm;,rlm; وبالتالي تراجع شعبيتهمrlm;.rlm;
وشيراك ليس واحدا من هؤلاء الذين يمكن أن يضحوا بالمصلحة العامة من أجل مصلحة خاصة أو شخصيةrlm;.rlm; ولذلك لم يجد ما يشينه في مراجعة مواقف تبناهاrlm;,rlm; وإعادة النظر في أفكار كان قد آمن بهاrlm;,rlm; دون أن يحفل بمن اتهموه بالانتهازية ومن وصموه بالتقلب والقفز من موقع إلي آخرrlm;.rlm;
فكان في السبعينيات أقرب إلي الاشتراكية الديمقراطية ولكن علي الطريقة الفرنسيةrlm;,rlm; قبل أن يعتقد لبعض الوقت في جدوي النزعة اليمينية التي حققت نجاحا في بريطانيا تاتشر وأمريكا ريجانrlm;.rlm; ولكنه لم يلبث أن استقر في منطقة يمين الوسط حيث التوازن بين الحرية الاقتصادية والمسألة الاجتماعيةrlm;.rlm;
ولا يعني ذلك أن شيراك لا يأتيه الهوي من بين يديه ولا من خلفهrlm;.rlm; فالقادة العظام يخطئونrlm;.rlm; وقد يكون بعض أخطائهم أعظم أثرا من غيرهمrlm;.rlm; ولكنهم يمتلكون رؤية تمكنهم من التصحيحrlm;,rlm; أو السعي إليه ما استطاعوا سبيلاrlm;.rlm;
ومع ذلكrlm;,rlm; فقد أخطأ شيراك في التعامل مع الأزمة اللبنانيةrlm;,rlm; ولم يصحح هذا الخطأrlm;.rlm; وإذا كان العرب جميعهم تقريبا يحسبون له سياسته المميزة تجاه المنطقةrlm;,rlm; وتصديه للجموح الأمريكي بقدر ما استطاعrlm;,rlm; فقد اختلف الأمر بالنسبة إلي لبنانrlm;.rlm; فقد انحاز بشكل مطلق إلي أحد طرفي الصراع الداخليrlm;,rlm; بينما كان في إمكانه أن يسهم مع الطرفين في إيجاد حل ينقذ هذا البلد الذي يحبهrlm;.rlm;
وأيا يكن تقييم موقفه هذاrlm;,rlm; فهو يترك وراءه سجلا حافلا يستحق أن نذكره له بالتقديرrlm;,rlm; وهو ينتقل إلي حياة جديدة بعيدا عن العمل التنفيذي للمرة الأولي منذ أكثر من ثلاثة عقودrlm;.rlm;
لن يختفي شيراكrlm;.rlm; سيبقي في قلب العمل العام الذي لا يستطيع مثله أن يعيش بمنأي عنهrlm;.rlm; ولكنه سيحول دفة دوره في الخدمة العامة ليشمل الإنسانية في مجملهاrlm;,rlm; من خلال قضايا حوار الثقافات وحماية البيئة والدفاع عن الفقراءrlm;.rlm;