جريدة الجرائد

أحمدي نجاد.. والمحادثات مع الأميركيين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



أمير طاهري

اذا سارت الأمور على ما يرام، فمن المتوقع ان تفتتح المحادثات بين ايران والولايات المتحدة حول العراق في بغداد قبل نهاية الشهر الجاري. وطبقا للخطط الحالية، فإن المحادثات ستنعقد على مستوى السفراء بعيدا عن اضواء وسائل الإعلام.

ترى، هل هذه بداية ما اطلق عليه "الهجوم الدبلوماسي الكبير" وفقا لتوصيات لجنة "بيكر ـ هاميلتون" العام الماضي؟ هل تتبنى إدارة بوش حاليا استراتيجية الرئيس السابق بيل كلينتون الداعية الى المساومة في التعامل مع ايران؟ أم اننا سننظر الى هذه المحادثات، شأن الكثير من العراقيين، كونها مؤشرا ينذر بسوء نتيجة منح الولايات المتحدة فرصة لطهران كي تكون رأيا بالفعل في صياغة مستقبل العراق؟

من المبكر الإجابة على أي من هذه الاسئلة بأية درجة من التأكيد.

إلا ان الأمر الواضح هو ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تنظر الى المحادثات كعامل يساعد على صرف الأنظار عن أكثر القضايا التي تثير انشغال طهران، وهي الجهود الدولية الرامية الى منع ايران من ان تصبح قوة نووية.

ربما تكون طهران على استعداد لإبداء نوع من التودد لواشنطن كمؤشر على حسن النية سعيا الى الحيلولة دون صدور قرار ثالث من مجلس الأمن في وقت لاحق من الشهر الجاري. ربما يأتي الطرف الايراني الى المحادثات ومعه بضع معلومات عن أماكن وجود بعض المتمردين السنّة او حتى عناصر تابعة لـ"القاعدة" حتى تتمكن الولايات المتحدة من تعقبهم، وبالتالي ظهور بعض المشاهد التلفزيونية لعمليات تعقبهم او إلقاء القبض عليهم. من المحتمل ايضا ان تكشف طهران عن بعض الممرات الحدودية السرية التي يستخدمها متمردون لتهريب اسلحة ومقاتلين الى داخل العراق.

الاميركيون من جانبهم ربما يتعاملون بنوع من التشكك، شأنهم شأن الايرانيين. هذه المحادثات ستجرد من يطلق عليهم "الواقعيون" من فكرتهم الاساسية التي تتضمن زعما بأن الحوار ربما يتطور الى سياسة عندما لا تكون هناك سياسة موجودة. وسيشعر كل من لي هاميلتون وجيمس بيكر بالارتياح تجاه ما سيحدث كونه تأكيدا على صحة توصياتهم. اما نانسي بيلوسي ومايكل مور، فسيشعران بالارتياح ايضا لأن هذه العملية ستطرح كأنها مؤشر على انه لم يعد في جعبة جورج دبليو بوش من افكار. كوندوليزا رايس ستشعر ايضا بالارتياح لهذا الموقف لأنه يؤكد اعتقادها في ان النزاع مع ايران صورة مصغرة من الحرب الباردة التي يشكل خفض التوتر افضل وسيلة للتعامل معها.

اذا وضعنا التشكيك جانبا، فربما تتأكد جدوى هذه العملية في نهاية الأمر لأسباب اخرى تماما. التجربة والخبرة لا تكون دائما قابلة للانتقال والتطبيق على أوضاع اخرى، إذ ليس ثمة فائدة من تذكير كوندوليزا رايس بأن كل من سبقوها في وزارة الخارجية الاميركية تقريبا حاولوا ترتيب محادثات مع ايران لكنهم انتهوا الى الفشل. وفي حالة العراق، على وجه التحديد، ليس هناك من الحجج ما يمكن ان يقنع رايس بأن ما تريده ايران في العراق لا يتوافق مع رؤية الولايات المتحدة للشرق الاوسط الجديد.

قرر الرئيس بوش قبل ست سنوات تغيير الوضع الراهن في الشرق الاوسط لأنه كان ينظر اليه كمنطقة ظلام يعيش وينمو فيها الارهابيون الدوليون، بمعنى آخر، يتطلب الأمن الاقليمي للولايات المتحدة تغييرا تاريخيا في منطقة الشرق الأوسط من انظمة قائمة على اساس الايديولوجيا الى بنيات ومؤسسات قائمة على اختيار الشعب.

وهذا على وجه التحديد ليس نوع الأنظمة التي تتمنى ايران ان تراها في أي جزء من منطقة الشرق الأوسط. إذن، أقل ما يمكن ان يقال عن فكرة ان ايران ربما تساعد الولايات المتحدة في تطبيق نهج ورؤية بوش في العراق انها لا تعدو ان تكون ضربا من الخيال.

الجمهورية الاسلامية، تحت قيادة الرسالية المتطرفة للرئيس محمود احمدي نجاد، على قناعة بأنها تعتلي قمة موجة تاريخية، إذ بعد لحظات من إعلان واشنطن انها بصدد النظر في الدخول في مفاوضات مع طهران قال احمدي نجاد في مؤتمر صحافي انعقد خلال زيارته الاخيرة الى دولة الامارات العربية المتحدة ان التهديد العسكري الاميركي ضد ايران تلاشى. كما ان وزير خارجيته، منوشهر متكي، حاول النظر الى المحادثات المقترحة كجزء من مشروع كبير يهدف الى تسريع خطوات التراجع الاميركي من العراق اولا، ثمن من منطقة الشرق الأوسط بكاملها.

المحادثات المقترحة جاءت كدفعة في الوقت المناسب لأحمدي نجاد الذي تواجه حكومته ازمة اقتصادية عميقة، وهي ازمة تسببت فيها مخاوف واسعة الانتشار من ان تؤدي سياساته الاستفزازية الى مواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. استغل معارضو احمدي نجاد داخل النظام الخميني هذه المخاوف كقضية رئيسية في حملتهم للسيطرة على المجلس الاسلامي (البرلمان) الذي من المقرر ان تجري انتخاباته في ربيع العام المقبل.

إلا ان احمدي نجاد ظل باستمرار يدعي انه يعرف كيف "يتعامل" مع الاميركيين، إذ قال متباهيا بعد اسابيع فقط من انتخابه رئيسا لإيران: "اعرفهم افضل من معرفتهم لأنفسهم. ظللت ادرس الاميركيين على مدى ما يزيد على عشرين عاما".

ويمكن القول ان القضية الرئيسية في حملة احمدي نجاد ضد معارضيه داخل النظام تتلخص في اعتقاده ان اشخاصا مثل الرئيسين السابقين رفسنجاني وخاتمي قللوا من شأن قوة الثورة الاسلامية وأعلوا من شأن قوة الولايات المتحدة، وبالتالي كانوا على استعداد لتقديم تنازلات لم تكن ضرورية على الإطلاق، على حد اعتقاده.

أشار نجاد كمثال الى قرار خاتمي الخاص بقبول تعليق ايران لتخصيب اليورانيوم كجزء من اتفاق مع الاتحاد الاوروبي، واتخذ نجاد عقب انتخابه رئيسا برنامج ايران النووي من دون ان يثير أية خطوة انتقامية عسكرية من جانب الولايات المتحدة كان يخشاها كثيرون.

ويعتقد الرئيس الايراني ان القوة الوحيدة القادرة على منع ايران من تحقيق اهدافها الاستراتيجية هي الولايات المتحدة. ويعتقد في نفس الوقت ان الولايات المتحدة تعاني من تنافس سياسي داخلي يحول دون إظهارها أية درجة من القوة اللازمة لوقف تقدم الخمينيين، ويعتقد بالتالي ان افضل استراتيجية للجمهورية الاسلامية الايرانية هي المشاركة في محادثات مع الولايات المتحدة، ولكن مع الاستمرار في نفس الوقت في فعل ما يروق لها.

محادثات بغداد لن تثمر أية نتائج ايجابية للعراق او للولايات المتحدة، لكنها من المحتمل ان تساعد احمدي نجاد في التغلب على معارضيه داخل النظام قبل انتخابات العام المقبل. رسالة احمدي نجاد واضحة ويمكن تلخيصها في الآتي: ادارة بوش رفضت المحادثات مع خاتمي الذي تبنّت حكومته نهجا تصالحيا، لكنها الآن تتودد لنظام ثوري حقيقي في طهران. اما الخلاصة، فهي ان الولايات المتحدة الاميركية تجري محادثات فقط مع من هم على استعداد لتوجيه ضربة موجعة لها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف