جريدة الجرائد

المالكي... بطل الطائفية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك



علي السيد

لا يوجد شعب بلا مستقبل، ولا توجد سلطة بلا شعب، مثلما لا يوجد وطن بلا سلطة او سلطة بلا قانون، وان حدث العكس تغيب الطموحات وتحل النكبات والصراعات، ويصبح من الصعب النظر الي الامام، أو رؤية اي بارقة امل، وهو ما يحدث في العراق الذي ينظر اهله الي ما فات بحسرة، ويرون الحاضر مرعبا دون ان يكون لدي احدهم نظرة علي المستقبل لشدة قتامته،

فضلا عن كثرة الخطايا التي ارتكبت في حق العراق من انظمة عديدة شاركت بشكل مباشر او بالصمت العاجز، فيما جري من ذبح وسلخ للجسم العراقي، ودون ان يلتفت احد الي حجم الجُرم الذي ارتكب، او فداحة الكارثة التي جرها الاحتلال، والتي لم يكن اولها اعتراف بول بريمر بارتكابه لثلاث خطايا في العراق، ولكنه وجد لنفسه عذرا اقبح من ذنوبه حين برر ذلك بانه كان استجابة لطلبات كبار الشخصيات العراقية القادمة مع الاحتلال والداعمة له.

ولم يكن بريمر يدرك ومن خلفه ادارته العمياء ان هذه الخطايا كانت احلاماً ورغبات ايرانية وامنيات سعت لها منذ قيام الثورة الايرانية.

الخطيئة الاولي كانت حل وتسريح الجيش العراقي بالكامل، وبشكل عاجل، كان الامر استجابة لطلب ايراني ملح، يكمل لها انتقامها من الجيش الذي قاتلها ثماني سنوات، وكبدها خسائر فادحة حين كان يوصف ـ عربياً ـ بالجيش الباسل المرابط علي البوابة الشرقية للأمة العربية.

وهكذا تخلصت ايران، بغير مجهود، من جيش كان مثل شوكة عظيمة في رقبتها، كسرت احلامها علي عتباته لسنوات طويلة، وبجرة قلم من بول بريمر اعتبر، بغباء، ان جيش العراق جيش النظام السابق وليس جيش وطن.

كانت الخطيئة الثانية شبيهة بالاولي، وهي قانون اجتثاث البعث الذي شمل ملايين العراقيين الذين فقدوا وظائفهم وقطعت ارزاقهم وطردوا ونكل بهم، لا لشيء إلا لانهم انتموا لحزب كان اغلب العراقيين ينتمون له، قناعة او قسراً، وتحولت تهمة الانتماء لحزب البعث الي مايشبه تهم الزندقة والتكفير الرائجة هذه الايام في عالمنا العربي، وتلك تهم لا يقام عليها دليل، وتكفي الشبهة دليلا، لان يأخذ صاحبها بتهمة لم يقترفها، وبمجرد صدور هذا القانون اصبح كثيرون يخشون من ان تلتصق بهم هذه التهمة مثلما ألصقت بغيرهم، حتي وصل الامر الي توجيه تهمة "البعث" الي ما يقرب من اربعة ملايين عراقي ومنهم من لا دليل علي انتمائه او من لا دراية له بالامر. مع ان اسس الديمقراطية التي حملتها أمريكا علي رؤوس الصواريخ هي الاعتراف بالآخر، أياً كان هذا الآخر وهزيمته بوسائل سلمية ان كان الامر يحتاج لذلك، او حتي معاقبة افراد علي انتماءاتهم السياسية إذا تجاوزوا الاعراف والقوانين، وبالتالي تعددت الفئات المطاردة والمنبوذة في العراق، فمن لم يطارد بسبب عقيدته الدينية، طورد بسبب عقيدته السياسية، ومن لم يقتله مذهبه الديني قتلته تهمة الانتماء لـ "البعث".

وتأتي الخطيئة الثانية في اطار ما تريده وتخطط له ايران في عراق المستقبل، وبما يضمن لها سيطرة كاملة ترجوها ووجوداً دائماً تتمناه في العراق، فكان لها ما ارادت بخلق نظام "المحاصصة الطائفي"، الذي جعل السيطرة كاملة لرموز شيعية عراقية تابعة وموالية، قلباً وقالباً، لايران، من نوري المالكي الي ابراهيم الجعفري وعادل عبدالمهدي الي احمد الجلبي.. ومن قبلهم وبعدهم يأتي عبد العزيز الحكيم داعي التقسيم، وقائد الفتنة وميليشيات بدر.. وهؤلاء وغيرهم استطاعوا، بعد ان اعمتهم روح الكراهية والانتقام، ان يحولوا العراق الي قبر كبير، وإذا ما تتبعنا خطي واحد من هؤلاء وهو نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي سندرك اننا امام اجرام لا لبس فيه.

لذلك حسناً فعلت السعودية حين رفضت استقبال المالكي باعتباره رجلا طائفيا مسؤولا عن جزء كبير من العنف الطائفي الدائر في العراق حالياً، وبما يتماشي مع توجهات امريكية تسعي للضغط علي المالكي، ليعدل من اسلوبه الطائفي الواضح للعيان في ادارة امور العراق، ومن بعد السعودية حذت بعض البلدان الخليجية الاخري حذوها.

وسيئا فعلت مصر حين اعطت المالكي الكثير من الاهتمام والحفاوة التي لا يستحقها، ظناً منها ان هذا يتماشي مع رغبة امريكية في ان يمد العرب لها يد العون عبر عدة خطوات، ومنها دعم حكومة المالكي لكي يتسني لها تحقيق خروج غير مهين من العراق بعد ان يتحقق استقرار نسبي ويقل العنف في العراق، الذي اصبح كابوسا للادارة الامريكية التي تبحث عن طوق نجاة ينقذها من الغرق، وتري ذلك عند بعض الانظمة العربية التي رفعت يدها عنها وتوقفت تماما عن مطالبتها بالاصلاح. لكن الحقيقة التي يعلمها اصغر متابع لاحداث العراق ان المالكي وهو علي رأس الحكومة العراقية احد اهم اسباب وجود الصراعات الطائفية التي باتت عنوانا عريضا لكل شيء في العراق، فالرجل، حسب تاريخه، ليس لديه شيء يمكن ان يقدمه الا من زاوية طائفية ضيقة وعمياء، وبالتالي فان كل الوعود التي اطلقها ويطلقها ليست الا تصريحات للاستهلاك الدولي، وتماشيا مع الرغبة الاقليمية الطامحة في عراق موحد وغير طائفي، ولن يقدم خطوة واحدة في اتجاه وقف الابادة الطائفية التي تتم في وضح النهار وتحت لافتات حكومية.

فالمالكي، وكما تشير سيرته، رجل طائفي، إذ كان احد الذين خططوا لاغتيال الرئيس الراحل صدام حسين فيما عرف بقضية الدجيل وقت ان كان المالكي احد رجال الامن في حزب الدعوة، وبعد فشل المحاولة فر الي ايران ومنها الي سوريا حيث ظل مسئولا امنيا لحزب الدعوة العراقي في سوريا، ومسئولا عن تجنيد الاعضاء الجدد. ولم يكن يوماً من القياديين في حزب الدعوة الذي كان مواليا لايران وقت حربها مع العراق، اي انه حزب لديه تهمة ثابتة، ولم يبرز اسم المالكي الا بعد الاحتلال، وبرز اكثر حين رُفض التجديد لرئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري الذي اختار المالكي ليكون بديلا عنه نكاية في الذين رفضوا ان يستمر في رئاسة الوزراء، وكأنه اعتبر ذلك هو العقاب المناسب للجميع، بمن فيهم الامريكان الذين اتهموا الجعفري بالطائفية، فسعي ونجح في ان يأتي لهم بمن هو اكثر طائفية منه، حتي وان كان بلا دراية او خبرة سياسية.

المالكي هو احد ابرز قيادات الميليشيات وعلي يديه تم ادخال ميليشيات حزب الدعوة جنباً الي جنب مع ميليشيات منظمة بدر العائدة من ايران الي الجيش والشرطة، وآلت السيطرة في وزارتي الدفاع والداخلية لهذه الميليشيات، ومنها تشكلت فرق الموت ولواء الذيب ومغاوير الداخلية التي اغتالت اهم رموز الجيش العراقي السابق، ومنهم 36 طياراً عراقياً شاركوا في الحرب ضد ايران "شيعة وسُنة".

وهذه الميليشيات هي التي غيرت جنسيات 32 ألف عميل ايراني وتم منحهم الجنسية العراقية ليعملوا في اجهزة الامن والداخلية، ومن هؤلاء تكونت المفاصل الرئيسية لعمليات التصفية الجسدية، ونشر فكر التقسيم والطائفية، والقيام بأقذر العمليات من قتل وخطف وتهجير.

وكان المالكي قد ابتدع فكرة ألا يعين أحداً في الوظائف إلا إذا كان منتمياً لحزب الدعوة، خصوصا في الوظائف العليا.

وإذا ما تأملنا طريقته في التعامل اثناء تشكيل الحكومة سنكتشف مدي خبثه الطائفي، إذ كان لا بد من دخول السنة الي الحكومة، ومنح الوزارات السيادية او المهمة "الداخلية والدفاع والامن الوطني والبترول" لشخصيات مستقلة لا ترتبط بالاحزاب للحد من جرائم فرق الموت المشكلة من هذه الوزارات. فقام المالكي بتشكيل الوزارة وترك هذه الوزارات بغير توزير لمدة خمسة اشهر، وعليه تم ابتداع فكرة المستقلين التي تشكلت او انبثقت عن الائتلاف الشيعي الحاكم والمكون من المجلس الاعلي للثورة الاسلامية "عبدالعزيز الحكيم" وحزب الدعوة "الجعفري والمالكي" وحزب الفضيلة "محمد اليعقوبي" والتيار الصدري "مقتدي الصدر" وحزب العمل الاسلامي.. ومن هذه البدعة "أي المستقلين" اختير حسين الشهرستاني العالم الذي هرب من منظمة الطاقة العراقية، وقيل انه سلم وثائق مهمة للامريكان، واختير لوزارة البترول. وجاء جواد البولاني، وهو طائفي شيعي في وزارة الداخلية، وهكذا تم الالتفاف حول الامر.. فجاءت الوزارات طائفية بما يكفي لتخريب العراق ووقوع الكثير من القتال الداخلي حتي بين الوزارات نفسها، كما قال المالكي عندما اختطف عدد من العلماء والموظفين من وزارة التعليم.

إذا لن يقدم المالكي شيئا ولن يفي بأي تعهدات، كما قال لي الدكتور عامر التميمي عضو اللجنة الدائمة للمصالحة العراقية المنبثقة عن الجامعة العربية، معتبرا ان كل ما يطرح في المؤتمرات، ومنها مؤتمر شرم الشيخ الاخير مجرد تحصيل حاصل، لان المطالب نفسها تطرح منذ عامين، ولم تتحول الي اجراءات او قوانين، لذا اضطر المجتمع الدولي الي طرحها من جديد، ويكفي رفض المالكي لان يعقد مؤتمر المصالحة العراقية في جامعة الدول العربية، كما جاء علي لسان ناطقه الرسمي علي الدباغ.

إذا المالكي شخص لا يراهن عليه لان الخسارة يومية كما نري.

آخر السطور: يُجمل التليفزيون المصري من نفسه، لكنه يفعل مثل عجوز شمطاء تخفي وهنها بمساحيق وصبغات لكن لا احد يصدقها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف