عمر بن الخطّاب في كتاب العلوي: الخليفة الذي قتله الفرس مرتين!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جهاد فاضل
قتل الفرس عمر بن الخطاب مرتين: في المرة الأولي قتله فيروز أبو لؤلؤة المجوسي مولي المغيرة بن شعبة، وأداة القتل خنجر مسموم له نصلان ومقبض في الوسط.
وسبب القتل المعلن عدم انتصار عمر له في شكواه من ثقل الضريبة التي يتقاضاها منه المغيرة بن شعبة. ولكن السبب الذي يُجمع عليه الباحثون أن أبا لؤلؤة ثار لبني قومه الفرس الذين غلبهم عمر وأخذت جيوشه نساءهم أسري.
أما في المرة الثانية فقد قتل الفرس عمر، وبخاصة في زماننا الراهن، عندما ألحوا إلحاحاً شديداً علي انه كانت هناك قطيعة بينه وبين علي، في حين أن هذه القطيعة، بنظر الباحثين ومنهم حسن العلوي في كتابه عمر والتشيع ، لم تكن موجودة في عصور الاسلام الأولي علي الإطلاق!.
بل ان من الممكن، وعلي ضوء ما يورده العلوي في كتابه وصف العلاقة التي كانت بين عمر وعلي، بالعلاقة المتينة. فعمر وعلي كانا صديقين حميمين، كما نقول اليوم، ولم يكن بينهما أية عداوة أو موجدة. ويحفل كتاب العلوي بحكايات تؤكد عمق المودة والتعاون بينهما. ومن قبيل ذلك ان علياً حذر عمر قبيل معركة نهاوند عام 21 للهجرة، من التوجه الي أرض الميدان وقيادة جيش الفتح، وتحصين المدن المفتوحة لمواجهة حركة انتفاض فيها أوشكت ان تهدد مركز الكوفة.
قُتل عمر في المرة الأولي علي يد مولي فارسي نتيجة مؤامرة فارسية يتحدث عنها العلوي بالتفصيل في كتابه. وقُتل عمر بعد ذلك علي يد الفرس ايضاً لأنهم لم يغفروا له فتح بلادهم. ويتم هذا القتل المتمادي الي يومنا الراهن عبر الإلحاح علي وجود عداوة مصطنعة وغير ثابتة تاريخيا بين عمر وعلي، في حين ان الاثنين كانا، ومعاً، من بُناة المشروع الإسلامي، وفي حين حذر علي عمر من التوجه شخصياً الي أرض المعركة لقيادة جيش الفتح.
ويشبه العلوي مقتل عمر بن الخطاب بمقتل الرئيس الأمريكي جون كيندي، إذ قُتل القاتل في الجريمتين ولم تُكشف رسمياً خيوط الجريمة. وكأن اغتيال عمر سيُنعش الحركات المضادة هناك، والبدء بانتفاضات لإعادة النظام الكسروي لا سيما وأن أحد أهم أمرائهم، وهو الهرمزان، كان موجوداً قريباً من عمر وهو عقل استراتيجي ومخطط. ولعله هو صاحب فكرة اغتيال عمر بن الخطاب .
علي ضوء ذلك يمكننا ان نفسر بعض هذه الضراوة المذهبية في العراق اليوم. فلا شك ان وراء هذه المذهبية الشيعية المستعرة عنصراً فارسياً شديد الوضوح يعمق هذا الجرح بين الشيعة واخوتهم السنة ويزيده تفاقماً. فإلي اليوم لم يغفر الفرس لعمر بن الخطاب فتحه لفارس، وبالتالي تأسيسه للعراق بشخصيته الحالية.
يقول العلوي انه تاريخيا وبإجماع لم يخرج عليه مؤرخ، يُعتبر عمر بن الخطاب هو ناشر الاسلام العراقي ومؤسس العراق العربي الأول. ولو كان عمر من أباطرة الأمم والشعوب التي مرت علي العراق فأقامت أو رحلت، لكان العمريون هو الاسم الذي يتسمي به سكان الرافدين، بدلاً من لقبهم الوطني حالياً، مثلما سُمي اهل تلك البلاد بالسومريين والآشوريين والبابليين ثم العثمانيين.
وقد بدأ تاريخ العراق العمري في العام الثاني عشر للهجرة بقرار عمر بناء مدينة البصرة، ثم الكوفة من بعدها، لتشكل هاتان المدينتان الجذر المزروع لحضارة عربية اسلامية ستنشأ وتربو وتهييء لأبي جعفر المنصور بناء المدينة الثالثة التي استعصم بها، فصارت بغداد مركز تلك الحضارة، والبصرة والكوفة جناحيها اللذين طارت بهما من الصين الي أبواب فرنسا.
ان عمر بن الخطاب، من هذا الجانب، مؤسس حضارة رافدية مثلما كان سرجون الأول وحمورابي ونبوخذ نصر. ولعله اضاف الي سكان بلاد الحضارات الرافدية حضارة أخري الي جانب السومرية والبابلية والأكادية والآشورية. وسيكون الاهتمام بعمر والاقتراب منه من باب الاهتمام بالتاريخ العراقي وتكريم مؤسسيه الأوائل.
وسيكون حب عمر بن الخطاب من حب العراق، والاعتزاز به من باب اعتزاز الشعوب برجال استقلالها وإنماء شخصيتها الحضارية التي كانت نهب الناهبين. والعراق آنذاك في منطقة فراغ، اذ لم يغط الاحتلال الفارسي للعراق الكتلة السكانية والجغرافية، وإنما عاش محصوراً في قطع صغيرة، وانتشر بأسلوب الأرخبيل علي جزر لم تشكل أكثر من ربع مساحته الجغرافية، بينما انساح العراق العمري علي جغرافية العراق من بصرتها الي موصلها.
هذا الحديث لحسن العلوي هو حديث في التاريخ كما هو حديث في الحب في الوقت نفسه، لم تصدر قبل اليوم أحكام بمثل هذه النصاعة والقيمة عن باحثين ومؤرخين عراقيين، ذوي نزعة عروبية، كان يُفترض ان يكتبوا عن عمر بن الخطاب كمؤسس للعراق العربي، وفي كتاب مستقل، فلم يفعلوا، بل أهملوا هذا الرمز التاريخي العظيم. من هؤلاء الشيخ محمد بهجت الأثري والدكتور عبدالعزيز الدوري، والدكتور ناجي معروف. كما لم تُصدر المؤسسة الدينية ومركزها الأعظمية أو الموصل كتابا يعرّف العراقيين بمؤسس حضارتهم الإسلامية وباني بصرتهم وكوفتهم.
علي ان في شخصية عمر من الفضائل ما يجعل منه لا مجرد فاتح او قائد نشر الاسلام، ومعه العروبة، في أصقاع وأمصار كثيرة منها بلاد الشام والعراق ومصر وفارس وسواها، بل ايضاً ما يجعل منه حاكماً استثنائياً في التاريخ الإنساني كله، لا في تاريخ الإسلام وحسب.
إن سرّه غير المخفي ومفتاح سيرته وشرط فهمه وتفهمه محصور في قاعدة وشرط عدم الامتثال السريع. فهو لا يركض كما يركض اقرانه من فتيان بني عدي وراء صوت أو صخب. ولا يستسلم لرأي استسلام المريد. وفي شخصيته حصانة داخلية تحول بينه الاستقبال السريع للمعلومة والفكرة والخبر.
وعلي صعيد التنفيذ، فهو لا يقدم علي أمر دون ان يناقشه حتي يقتنع به، علي ان يفتح أذنيه للإصغاء قبل ان يفتح صدره للمناقشة والاعتراض.
وكانت روح المعارضة تملأ صدره، وكأنه ليس رئيس دولة. وكان إحساسه بالعدالة يلتقط ظلم الولاة وجنوح الأمراء، فيبدو دوره أقرب الي رئيس المحكمة الدستورية في دولة ديمقراطية.
ولم يكن له باطن وظاهر. وليست له سياستان سرية ومعلنة، وليست له جملتان واحدة لنفسه وأخري للناس.
منبسط النفس مثل الأرض التي خرج منها وعاد إليها لا التواء فيها ولا زوايا، ولا يحجب الرؤية حاجز من تضاريس النفس. والعين تمتد حتي الأفق، فإذا ارتفعت أخذت من صفاء السماء في نجد والحجاز صفاء النفس والروح.
وأخذ من وضوح الصحراء والسماء وضوح العقيدة وتسهيل الحياة للناس. عاش جاهلية واضحة، وأسلم في وضح النهار، وهاجر في وضح الشمس، وحكم في وضح الشريعة، وغُدر به قبل ان يتوضح الصبح وكان غادره من أهل العتمة. وعمر لا تقتله العرب!.
وكانت له سياسات اجتهادية لافتة. فقد جاءوا إليه يوماً بامرأة، وأقرّت، فأمر برجمها. فقال علي بن أبي طالب: لعل بها عذراً؟ ثم قال لها عمر: ما حملك علي ما فعلتِ؟ فقالت كان لي خليط، وفي إبله ماء ولبن ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن.
فظمئت فاستسقيته فأبي أن يسقيني حتي أعطيه نفسي. فأبيتُ عليه ثلاثاً. فلما ظمئتُ وظننتُ أن نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد، فسقاني. فقال علي: الله أكبر (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ان الله غفور رحيم)!.
وهو يجوع ما جاع الناس، ويعفي المعيل من خدمة العلم، ويحترم الكرامة الإنسانية، ويحفظ عروبة النصراني حتي لا ينفره من الاسلام. فقد تشدد عمر مع بني تغلب في أمر الجزية باديء الأمر ثم قبل صدقتهم مضاعفة بعد مشورة الإمام علي.
وكان ذلك منه سياسة يُحمد عليها مع مخالفتها لموقف ابي بكر من أهل الردة، ومخالفتها لموقفه هو من أعدائه الأقوياء في فارس والروم. فبنو تغلب عرب، وكان عمر حريصاً علي عزة العرب. ولئن أقام علي نصرانيته منه من أقام، ليرجعن هؤلاء جميعاً الي الاسلام ولو بعد حين. والرفق في هذا الموقف أبلغ. وقد دلت الأيام علي حسن فراسته وبعد نظره اذ نصرت تغلب المسلمين من بعد نصرا عزيزا، وايدتهم علي أعدائهم في مواقف كثيرة.
ويمنع التشهير بشارب الخمر، وتعترض امرأة في المسجد النبوي علي مسألة تحديد مهور النساء، وتذكره بالآية التي أطلقت المهور، فيعتذر ويقول كلمته المشهورة: أخطأ عمر وأصابت امرأة!.
ويجتهد حتي في موضع النص الصريح. فقد منع عطاء المؤلفة قلوبهم، وإمضاء طلاق الثلاث بكلمة واحدة. ونهي عن رواية الحديث. وكان يأبي كتابة السنن ويدرأ الحد بسبب الاضطرار. ويأبي قسمة الأرض في بلاد فارس بين المسلمين الذين فتحوها.
ويحرم زواج المتعة، وهو زواج شائع في البيئات الشيعية، وبخاصة في بلاد فارس، وعندما يصل حسن العلوي في كتابه الي مواقف المدارس الفقهية من اجتهادات عمر يقول ان المدرسة الصفوية الايرانية تتلقف اجتهادات عمر، لا للفخر به، كما تفعل المدرسة المصرية، وإنما للتشهير والتجريح، والتدليل علي عدم التزامه بنصوص القرآن، وبالمصطلح المعاصر، يصبح عمر بن الخطاب تحريفيا عند المدرسة الإيرانية!.