الصادق المهدي: الحكومة تعمّق أزمة دارفور والحل في «اتفاق طائف» سوداني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تحدث عن سيناريوات ورأى أن العقوبات الاقتصادية ليست مجدية ...
الدوحة- محمد المكي أحمد، الحياة
في أول تعليق له على العقوبات الاقتصادية الأميركية الجديدة على الحكومة السودانية رأى رئيس حزب الأمة السوداني المعارض رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي أن الحكومة مقصرة في دارفور، ووصف الحال هناك بأنها متدهورة جداً، لكنه رأى في حديث الى "الحياة" في الدوحة على هامش مشاركته في "ملتقى الدوحة الثاني للديموقراطية والاصلاح السياسي في الوطن العربي" أن "العقوبات أداة غير ناجعة في إدارة الشؤون الخارجية"، وأنها "لا تفيد". وقال إن الضغط الشعبي هو البديل المناسب للعقوبات. وتوقع المهدي ألا يلحق الأوروبيون بقرار العقوبات الأميركية، وشدد على أهمية الموقف الشعبي السوداني في حل أزمة دارفور، ووصف الوضع في السودان بأنه مأزوم، وأن العلاقة بين شريكي الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) تحولت الى "مشاكسة ومنافشة"، وتحدث عن سيناريوات متوقعة لمستقبل السودان، مشدداً على رفضه "حلول الاسبيرين والبنادول" داعياً الى "جراحة"، ومؤكداً على ضرورة الحل السوادني عبر مؤتمر جامع للسودانيين كافة، كما اتهم بعض المسؤولين في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) بأنهم في "حال افتتان بالمال والسلطة"، وقال إن "تبضّع الحلول للأزمة السودانية في العواصم العربية والأجنبية غير مجد".
سألناه عن رؤيته للعقوبات الاقتصادية الجديدة التي فرضتها واشنطن على الحكومة السودانية وانعكاساتها فقال إن الحكومة السودانية مقصرة جداً في دارفور، والحال هناك متدهورة جداً، والحكومة التي يقودها المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) لا تقوم بواجبها في هذا الإقليم المهم، والشعب السوداني يريد، من دون شك، أن يضغط على الحكومة السودانية بوسائله الشعبية المختلفة لتغير سلوكها في دارفور، وكذلك تنفذ القرارات الدولية العالقة التي هي من مصلحة أهل دارفور، وهذا في رأينا واضح تماماً. أما العقوبات فلا تفيد لأنها في النهاية تنفرد بها الولايات المتحدة وتحدث انقساماً دولياً، لذلك أعتقد أن العقوبات الاقتصادية أداة غير ناجعة في إدارة الشؤون الخارجية.
وسئل عن البديل المناسب للعقوبات فقال انه الضغط الشعبي والضغط الدولي المتفق عليه، فمثلاً القرار 1593 قرار جماعي والقرار 1706 قرار جماعي، وهذان القراران دوليان ونحن أيدناهما من هذا المنطلق، لكن ما تنفرد به الولايات المتحدة لا ينفع في هذا الإطار، وربما أضر، لأن موقف الولايات المتحدة في المنطقة عموماً لا يجد تأييداً في أي من جزئياته، فمواقف أميركا في العراق وفلسطين مرفوضة في المنطقة، وكل الذي يحدث أن هذا النوع من الانفراد (الأميركي) سيعطي النظام السوداني عطفاً في المجال العربي، لأنهم سيسقطون الموقف الأميركي في الشرق الأوسط أو في المشرق العربي على الموقف الأميركي في السودان، وهذا الإسقاط سيعطي النظام السوداني نوعاً من العطف لدى الرأي العام العربي.
وهل سيلحق الأوروبيون بالأميركيين في فرض العقوبات؟ أجاب: "لا أعتقد فالأوروبيون يفكرون الآن بمنطق أكثر استقراراً، وفي رأيي أن تنحي توني بلير (رئيس الحكومة البريطانية) مثلاً يمكن أن يجعل الأوروبيين يدركون أن التوأمة مع السياسة الأميركية قد أضرت بهم، وأعتقد أن نيقولا ساركوزي (الرئيس الفرنسي الجديد) سيفكر أيضاً بمنطق أكثر استقلالاً، ولا يشوش علينا (هنا) الموقف (الفرنسي) في لبنان، لأن الموقف هناك ربما كان في أصله فرنسياً أكثر منه أميركياً، وأعتقد أن أوروبا عموماً بحسب استقرائي رأيها العام في جولاتي ستكون أكثر استقلالاً في الرأي، وعموماً أعتقد أن العامل الدولي في حل مشكلة دارفور يحتاج الى دراسة لئلا يكون معزولاً عن موقف الشعب السوداني، وهذا هو الجزء الذي يمكن أن أؤثر به في القرار الأوروبي".
وقال إن الوضع الحالي في السودان مأزوم، واتفاقات السلام التي أريد لها أن تكون أساساً للاستقرار والنظام صارت الآن جزءاً من المشكلة لا حلا، وتعاني حكومة الوحدة الوطنية التي قامت نتيجة اتفاق نيفاشا (بعد الاتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان) من أزمة داخل أطرافها، وهناك استقطاب بين أطراف الاتفاقية وبقية القوى السياسية المغيبة من الاتفاق، إذاً هناك استقطاب حاد داخل الحكومة وبين الحكومة والمعارضة، وهناك وضوح رؤية تام بأن الحال في دارفور خرجت من الحل وهي غير قابلة لحل تقليدي.
وأضاف المهدي ان هناك الآن استقطاباً حاداً بين الحزب الحاكم في السودان والأسرة الدولية إذ تفرق بينها طائفة من قرارات مجلس الأمن وهذه حال مأزومة. وعن رؤيته لسيناريو الأحداث المتوقعة في السودان قال: "أما التدهور نحو التشظي وهذا وارد، أو ان يكون هناك تدويل، أي أن يصبح السودان محمية دولية، أو أن يتفق السودانيون على أساس مشروع قومي لمواجهة هذا الموقف مثلما حدث في مؤتمر الطائف بالنسبة الى لبنان في العام 1989 وما حدث في جنوب أفريقيا (مؤتمر الكوديسا) في العام 1993. وشدد على أن لا بد من جلوس السودانيين الى طاولة جديدة لبناء الوطن (مؤتمر جامع للمصالحة).
وإلى أين وصلت مبادرة الرئيس السوداني السابق المشير عبدالرحمن سوار الذهب في شأن مصالحة شاملة بين الأطراف السودانية؟ قال المهدي إن المبادرة فرصة، ونحن رددنا عليهم (على أصحاب المبادرة)، والقوى السياسية الأخرى ردت إلا المؤتمر الوطني وهو الحزب الحاكم. وقال: بالنسبة الى الحزب الحاكم هذه المبادرة فرصة تاريخية إن هداهم الله وأسرعوا اليها وعضّوا عليها بالنواجذ وأمسكوها بالأصابع العشر كي تكون وسيلة لتعامل سلمي مع المستقبل الوطني، ولكنك لن تهدي من أحببت، فالمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) أناس ليس لديهم خلفية وقد بهرهم المال والسلطة، وهم يعانون الآن من حال افتتان بالمال والسلطة يمكن أن تصم آذانهم، ولكن، إذا هداهم الله وتغلبوا على هذا الصمم يمكن أن ينتهزوا فرصة المبادرة كوسيلة من وسائل التعامل السلمي مع المصير الوطني.
وهل يعني ذلك أنكم تؤيدون مبادرة سوار الذهب جملة وتفصيلاً أم أن لديكم تحفظات؟
أجاب: نحن أيّدنا المبادرة وكتبنا رداً محدداً، وهم في الحقيقة قبلوا كثيراً من رؤانا في شأن مائدة مستديرة أو مؤتمر جامع لحل المشاكل، وهم (في المبادرة) قالوا ان الحال في السودان الآن مأزومة وهذا ما نقول به (في حزب الأمة)، وقالوا (أصحاب المبادرة) إن الحل (لأزمة السودان) لا يمكن أن يكون حلاً بـ "القطاعي" ولا بد من أن يكون جماعياً، وهذا ما نراه (في حزب الأمة)، لكننا رأينا ان الملتقى (مؤتمر المصالحة المقترح) لا بد من أن ينظر في القضايا كأجندة وليس كحل مسبق، أي تأتي الحلول من داخل الاجتماع لا من خارجه، وكما قلت: المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) لم يرد حتى الآن على المبادرة، وهناك نوعان من الناس في المؤتمر الوطني، نوع مدرك المخاطر ومهتم بإيجاد حل، ونوع سكران بالسلطة والمال وهذا ميؤوس منه، إلا إذا استطاعت المجموعة التي شعرت بالمخاطر أن تتغلب على السكارى. وفي شأن توافق أحزاب المعارضة السودانية حول المبادرة قال المهدي إنه بحسب كلام الناطق باسم "مبادرة جمع الصف الوطني" فإن الردود التي وصلتهم متقاربة في محتواها.
وعن التدخل الدولي في دارفور لمعالجة الأزمة الإنسانية قال إن هؤلاء الجماعة (المسؤولين في الحكومة السودانية) يقولون كلاماً لا معنى له، فالآن هم اعترفوا بالقوات الأفريقية، فهل لديها جنسية سودانية؟ هي قوات دولية ودخلت السودان بقرار دولي رقمه 1556، وثانياً يوجد في السودان الآن 10 آلاف جندي تابعون للأمم المتحدة بموجب القرار 1590، إذاً التدخل الدولي قائم، ونحن نقول بالنسبة الى دارفور ان التدخل الأفريقي ثبت عجزه ولا بد من إمكانات إضافية، ونحن معترفون أن هناك أطرافاً في المعادلة الدولية لديها أجندة خاصة ولا تريد قوات من هؤلاء، ويمكن أن تأتي قوات عربية أو أفريقية أو اسكندينافية أو من دول ليست لديها خلفيات استعمارية، وهذا كله وارد.
ولخص المهدي رؤيته للحل في دارفور بقوله ان الحل يمكن أن يقوم على أساس واضح، أولاً، لا بد من قوات دولية قادرة على إيقاف الفوضى، وثانياً، تغيير الجهاز الإداري الموجود في دارفور، لأنه صار جزءاً من المشكلة، وهو متهم إما بالمشاركة في الفظاعات أو التستر عليها، وثالثاً لا بد من تعويض كل الضحايا، تعويضاً فردياً وجماعياً، ولا بد من مساءلة من ارتكبوا الفظاعات، ورابعاً، لا بد من نقض كل السياسات الخاطئة التي طبقها الانقلابيون (قادة الحكم في السودان) في دارفور، فهم مثلاً، حولوا الإقليم الى ثلاثة أقاليم ولا بد من أن يعود إقليماً واحداً كما كان، وأخذوا من الإقليم التمثيل في الرئاسة (رئاسة الجمهورية) ولا بد من أن يعود اليه ذلك، أي أن سياسات الانقلابيين لا بد من أن تلغى، وخامساً، لا بد من الاعتراف لدارفور وسكانها بنسبة من الثروة والسلطة تناسب حجمها السكاني، وهذا في رأيي يشكل أساس معالجة الموقف في دارفور، ما يعني ضرورة تجاوز السقوف التي وضعتها اتفاقية نيفاشا (مع الحركة الشعبية) كي يمكن تحقيق مصالح أهل دارفور، وإذا لم يفعلوا ذلك ستدور الساقية بلا نتيجة مثل ساقية جحا. وقال إن تبضع الحلول (لأزمة السودان) في العواصم العربية المختلفة والدولية هو سياحة سياسية لا جدوى منه.
وعن العلاقة بين شريكي الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) قال إنها تؤدي معناها بالصدفة، فالبروتوكول الأول (بين الشريكين في الحكم) سمي بروتوكول مشاكوس وهذا الاسم انطبق على العلاقة المشتركة فمشاكوس صارت مشاكسة، وبروتوكول نيفاشا صار منافشة. الآن الاسمان اقتبسا اسمي المشاكسة والمنافشة، والحال بينهما متباعدة، وكلما جلسا في محاولة لحل المشكلات يعودا مختلفين، والسبب الرئيس أن الاتفاق (اتفاق السلام في الجنوب) لم يؤسس على الشرعية بل أسسوه على المحاصصة والمساومة والمقايضة، ولو قالوا منذ البداية أننا اتفقنا لكننا سنعطي الاتفاق إجماعاً وطنياً كان يمكن أن يحصل الإجماع الوطني، ولكن، للأسف، لم يفعلوا ذلك، وأقاموا المنضدة على رجلين وأي منهما يمكن أن تهبط بالمنضدة، وكان يمكن ان تقوم المنضدة على ثماني أرجل ليُشكل ضمانة وطنية، كما أنهم اعتمدوا على الخارج، وعلى ضمانات الخارج. ورأى أن الوسطاء نياتهم طيبة في كثير من الأحيان لكنهم لا يفهمون المعادلة السودانية.
وشدد المهدي على أن السودان يقف على أعتاب التشظي الذي يمكن أن يؤدي الى تدويل، أو أن يتفق السودانيون على رؤية وطنية مشتركة لينقذوا بلادهم. وعن المطلوب من الحكومة حتى يتفق السودانيون قال: "ببساطة شديدة أن يقال تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم، وأن يقول أهل الحكم أن ليس لدينا من الآن فصاعداً رغبة في فرض أي شيء على الآخرين، وتعالوا نتفق على المصير الوطني". وشدد على "أن شيئاً من هذا النوع صار ضرورياً، ولا يوجد حل آخر، وأن الحلول بالاسبيرين والبنادول لا تفيد، فهذه حال صعبة ولا بد من أن تعالج بالجراحة المطلوبة".