«حزب الله» والمسؤولية عن «فتح الإسلام»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حازم الأمين
جهدت الأقلام اللبنانية المناصرة لحزب الله (وهي قليلة على كل حال، لكن الكرام قليل!) في السعي لإيجاد علاقة بين ظاهرة "فتح الإسلام" و"تيار المستقبل". وهذا السعي دأب على الجري وراء وقائع تعوزها الدقة احياناً، وتعوزها في أحيان أخرى قدرة على التمييز بين أنماط "الجهاد" وأنواعه. لكن تبقى الوقائع غائبة في ظل تحول المعطيات إلى جزء من حرب وانقسام واختلاف على المعنى. الا أن هذه الأقلام أهملت (وهو شيء طبيعي) مسؤولية "حزب الله" في إنعاش ظاهرة مثل "فتح الإسلام" وغيرها من الظواهر المشابهة. فمسؤولية "تيار المستقبل" وآل الحريري إذا صحت تبقى في إطار "احتضان" ظواهر دفعت لإنتاجها حالة احتقان طائفي لم يدرك "حزب الله" في احسن الأحوال انه يدفع السنّة اللبنانيين إلى اللجوء إليها، في ضوء تعطش القوى الشيعية الى الإطاحة بالمواقع السنية في البلد.
والعام الفائت، على الأقل، كان زاخراً بالوقائع التي عززت مشاعر "الخوف السني". لا يمكن إغفال ذلك في سياق البحث في "فتح الإسلام" وفي غيرها من الظواهر التي يمكن ان تطفو على سطح الوقائع الأمنية والسياسية في لبنان هذه الأيام. و"تيار المستقبل" الذي يجهد كتّاب "حزب الله" في الصحافة اللبنانية لتحميله مسؤولية انتعاش هذه الظواهر، سيكون الضحية الأولى لها قبل ان تنتقل الى ااستهداف الشيعة ثم "النصارى".
"حزب الله" مسؤول قبل غيره من الجماعات اللبنانية عن تأسيس وعي سني ساع إلى طرد الخوف عبر زرعه في الآخرين. النزول إلى الشارع بالصيغة التي نزل فيها "حزب الله" إلى الشارع وحصاره السراي الحكومية، وقبل ذلك وقائع كثيرة من هذا النوع، يبدو إغفالها في سياق تحليل تفشّي ظواهر التشدد السني بمثابة إغفال لجوهر الظاهرة.
من السهل توقع طبيعة الرد السني على "اجتياح شيعي" لبيروت. تيار المستقبل لن يكون رداً شافياً، ففي المنطقة وعلى بعد مسافة قريبة جداً تجارب زاخرة بالمعاني. لطالما ترافقت تحركات حزب الله في الشارع مع تحذيرات من إفلات السنة اللبنانيين من الأطر "المعتدلة" في مواجهة تشددات طائفة أخرى. وفي الأشهر الأخيرة لاح ميشال عون بصفته ساعياً ثانياً للإطاحة بالموقع السني. وكان ميشال عون قد أظهر رغبة في توظيف "الغضبة الشيعية" في معركة استعادة موقع الموارنة في لبنان. حاول تسويق تحالفه مع "حزب الله" في البيئة المسيحية على انه فرصة للانقضاض على "التفوق السني" الذي كرسه الرئيس الراحل رفيق الحريري. وصلت إشارات على وجود هذه النيات الى البيئة السنية. "تيار المستقبل" الساعي الى تسويات داخلية لن يكون بدوره حصناً لحماية موقع الطائفة! ثمة خيارات اكثر راديكالية في مواجهة هذه الراديكالية.
انه الجواب المتوقع عن ذلك الهذيان المتمثل في القول ان "سنّة لبنان لا يقاتلون" والذي أجاب فيه كثيرون من جماعة "8 آذار" عن سؤال حول خطورة حصارهم السراي الحكومية واحتلالهم وسط بيروت. "السنّة لا يقاتلون" وهمٌ ربما كان مفهوماً ان يسقط ميشال عون فيه، لكن ان يقتنع به "حزب الله"، فهذا دليل على اننا حيال هواة. فمن الصعب الاعتقاد ان تتولى "جماهير المعارضة" الاستيلاء على الشارع على نحو ما أقدمت يوم ثلاثاء الدواليب من دون ان تنتظر سعياً لغوغائية موازية. و"حزب الله" الذي بدا انه ضعيف الحساسية حيال الموقع الذي دفع سنّة لبنان إليه لن يكون بمنأى عما سيجره ذلك من نتائج.
المشهد اليوم في لبنان اعقد من محاولات تبسيطه عبر تقاذف المسؤولية عن إنتاج جماعة "فتح الإسلام"، أو إنتاج جماعات أخرى مشابهة قد نسمع بها قريباً. الأرجح ان الكلام على دور سوري في قذفهم إلى لبنان صحيح، لكنه نصف الحقيقة. فالجماعة عندما قدمت إلى لبنان وجدت كثيرين يأوونها، كما وُجد هناك من تم تجنيدهم في هذه الجماعة من اللبنانيين، وآخرون التحقوا بهم من جنسيات عربية مختلفة.
لكن متى يصبح مجتمع ما جاذباً لهذا النوع من الجماعات؟ كيف فعل الأفغان ما فعلوه عندما استقدموا المهاجرين العرب إلى بلادهم؟ وأبناء غرب العراق ووسطه وبعض شماله، ما الذي حملهم على فتح بلادهم الى أولئك القادمين من معظم البلاد التي تصدر "مجاهدين"؟
السنّة في لبنان لم يكونوا يوماً أصحاب ظلامة، ما خلا زمن المطالبة بـ"المشاركة". لكنهم اليوم مهددون في بلاد هم "أمّتها". انه شعور يكابده هؤلاء ويمكن رصده في الكثير من وجوه عيشهم في لبنان. و"حزب الله" عندما قرر المواجهة في الشارع البيروتي كان عليه ان يدرك، او ربما هو أدرك، انها مواجهة مع جماعة لا ينتهي حضورها في منطقة عكار على الحدود اللبنانية - السورية، انما هو يغامر بمواجهة قد يعثر فيها على متطوعين جاؤوا من اندونيسيا.
سعي جماعة الغالبية النيابية في لبنان إلى تقديم تفسير واحد لجماعة "فتح الإسلام" متمثل في انهم جماعة من المخابرات السورية، يحمل قدراً من الاستخفاف بحجم المشكلة وإن كان لا يجانب الحقيقة. لكن، في المقابل، يبدو ان إعلام "حزب الله" يخفض الشروط المنطقية إلى مستويات غير مسبوقة. اتهام "تيار المستقبل" باستقدام "فتح الإسلام" يشبه إلى حد بعيد اتهام الإعلام السوري سعد الحريري بقتل والده!