الأرصاد السعودية: «قونو» يغادر عُمان باتجاه باكستان ثم إيران حيث ينتهي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
السلطنة تواجه أسوأ إعصار يضربها في تاريخها.. والسلطات المحلية تخلي مناطق من ساكنيها
جدة: ماجد الكناني الدمام: ميرزا الخويلدي وعبيد السهيمي مسقط: جهان المصري
أكدت مصادر في الرئاسة العامة للارصاد السعودية ان اعصار "قونو" الذي ضرب السواحل الشرقية لسلطنة عمان ظهيرة أمس لن يصل إلى اجواء السعودية نهائياً، مشيرة الى انه سيظل حتى منتصف ليل اليوم (أمس) في الاجواء العمانية قبل ان ينتقل مباشرة الى كراتشي في باكستان ومنها إلى العاصمة الايرانية طهران وينتهي هناك.
وبحسب حسن ميرة وعادل السبحي من إدارة التحليل والتوقعات في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية، فان الإعصار بدأ في منطقة بحر العرب بسبب خلخلة الضغط في المنطقة هناك، بالإضافة إلى تسخين البحر، خصوصاً أن المسطحات المائية تعتبر بيئة ملائمة لنتوج الاعصاير، مشيرين الى أن هذا الإعصار وصل إلى أراضي السعودية في العام 1992، ولم يصل في ذلك العام إلى المدن ولكنه انتهى في صحراء الربع الخالي ولم يؤثر بتاتاً على المدن، وفي العام 2000 كانت عاصفة رعدية وصلت لجنوب الأحساء ولم تؤثر أيضاً.
وبينا "حتى لو تغيرت حركة الإعصار لن تؤثر على الأراضي السعودية، والأمر لا يدعو للخوف بتاتاً، مشيرين إلى ان هناك احتمالاً بسيطاً بضرب جنوب الامارات ومدينة دبي بشكل سحب وأمطار فقط".
وكان اعصار "قونو" المداري ضرب المناطق الواقعة على الساحل الشرقي لسلطنة عمان، فيما يعتبر أسوأ اعصار تتعرض له السلطنة في تاريخها، والذي من المتوقع ان يستمر على مدى الايام الثلاثة المقبلة على الاقل.
وقد تسبب الاعصار بسقوط امطار غزيرة مصحوبة برياح قوية وارتفاع منسوب الموج الى 12 مترا مع رياح تراوحت سرعتها ما بين 212 - 260 كم في الساعة. وبحسب خبراء الأرصاد في السلطنة، فإنه من المتوقع ان تزداد قوة الاعصار وان يصحب معه عواصف رعدية وامطار غزيرة خلال فترة عبوره السلطنة، كما يتوقع ان يمتد تأثير الاعصار على جميع المناطق الواقعة على خليج عمان.
وكانت شرطة عمان وبالتعاون مع قوات السلطان المسلحة قد قامت أمس بعمليات اجلاء ونقل المواطنين والمقيمين من المناطق المتضررة بالاعصار، لاسيما في ولاية مصيرة، التي تعتبر من اكثر المناطق تاثرا بالاعصار، الى مناطق اكثر امنا.
وقد دعت شرطة عمان المواطنين والمقيمين الى اللجوء الى المباني المناسبة التي تستطيع الصمود في وجه الرياح مع تدعيم النوافذ والفتحات في هذه المنازل واغلاق جميع النوافذ والابواب والفتحات لمنع تسرب مياه الامطار الى المنازل قدر الامكان، وفصل التيار الكهربائي في المنازل اثناء مرور الاعصار عن الادوات غير الضرورية بالمنزل، والاحتفاظ بالادوية الضرورية للاطفال والمرضى الذين يعانون من امراض مزمنة، وكذلك الاحتفاظ بمصابيح يدوية وشموع في المنازل تحسبا لانقطاع التيار الكهربائي. ودعت السلطات الى وجوب الابتعاد عن الاشجار العالية خشية سقوطها وعدم ابقاء المركبات قريبة منها، كما طلبت من الشركات المنفذة للاعمال الانشائية التاكد من ثبات مواد البناء في موقع الانشاء.
وتماشيا مع حال الطوارئ المعلنة، اصدر وزير القوى العاملة جمعة بن علي بن جمعة قرارا قضى بان تكون مؤسسات ومنشات القطاع الخاص في اجازة اعتبارا من يوم أمس، باستثناء الاعمال التي يجب استمرارها بالعمل لتقديم الخدمات الضرورية للمجتمع، على ان تعود عجلة الحياة العملية للدوران مرة أخرى الاحد المقبل.
وكان الفريق مالك بن سايمان المعمري المفتش العام للشرطة والجمارك ورئيس اللجنة الوطنية للدفاع المدني قد اعلن ان الشرطة قامت بنشر سيارات الدفاع المدني في المناطق المتوقع تعرضها للاضرار. واشار الى انه هناك مناطق منخفضة في السلطنة سوف تتأثر بشدة من الإعصار من بينها جزيرة مصيرة والمناطق الممتدة من رأس مدركة الى رأس الحد، حيث يقطن الكثير من المواطنين، موضحا أن اكثر من ثلثي جزيرة مصيرة عبارة عن مناطق مسطحة مأهولة.
ويتوقع الفريق المعمري ان تكون هناك خطورة في ظل احتمالات لان يزيد ارتفاع الامواج عن 10 أمتار، مشجعا المواطنين على الانتقال من هذه المناطق الى مناطق اكثر امنا.
وازاء هذه الاستعدادات ظهرت حالة من الفزع في صفوف المواطنين وخاصة في المناطق التي تصنف بانها الاكثر تاثرا بالاعصار وكذلك عند المقيمين بالقرب من شاطئ البحر، حيث شوهدت العديد من العائلات وهي تخلي منازلها نحو مناطق اكثر امنا. وهرع الناس الى محال البقالة والمراكز التجارية لتامين احتياجاتهم، ولا سيما من الغذاء والدواء والشموع، واقفلت جميع الدوائر والبنوك والمكاتب عند الواحدة ظهرا، وقد ادى هذا الامر الى زحمة غير عادية على الطرقات وكذلك في المحال، حيث اصطف الناس في طوابير طويلة لاخذ احتياجاتهم والتي لم تقتصر في معظم الاحيان على الاساسيات بل عمد الناس الى التموين بكميات كبيرة.
وقد وصلت نسبة المبيعات يوم امس ثلاثة اضعاف النسبة المسجلة في الايام العادية بحسب احد العاملين في واحدة من اكبر المخازن التجارية في السلطنة. وظهرت في السوبرماركت الشموع والبطاريات والمصابيح اليدوية بكثافة، حتى ان البعض عمد الى وضعها في قسم خاص بهدف التخفيف عن الناس من البحث عنها، ولكن من حصل على الشموع او ما يبتغيه بسرعة يبقى عليه الانتظار لوقت طويل عند الصندوق للدفع.
وتشهد ولاية مصيرة عملية نزوح واسعة من قبل السكان الى مناطق اخرى اكثر امنا، علما بانها من اكثر المناطق تاثرا بالاعصار، ويقول علي موسى "انها المرة الاولى التي نعيش فيها مثل هذه الحالة والاستعدادات. وربما ما يفزع الناس اكثر ان صور تسونامي واعصار كاترينا في الولايات المتحدة ما زالت ماثلة بذاكرتهم".
اما سكينة اللواتي فقالت انها وكغيرها قامت بشراء ما يلزم من الحاجيات، لكنها تعتبر ان من يعانون من امراض مزمنة سيكونون بوضع حرج مقارنة مع غيرهم.
المنطقة الشرقية من السعودية والتي اتخذت كافة احتياطاتها تحسبا لوصول الاعصار إليها، ابلغت فيها المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين بالعديد من الاجراءات الكفيلة بالتعامل مع هذه الحالات.
وطالبت المواطنين والمقيمين الى اتخاذ الحيطة والحذر من مخاطر الرياح والاعاصير، واوصت بعدد من التدابير الاحتياطية في هذا الشأن، حيث وضعت مجموعة من التحذيرات قبل وبعد وقوع الاعصار. أما حرس الحدود فقد أقام غرفة عمليات مرتبطة بمصلحة الأرصاد وحماية البيئة، تتابع التطورات على مدار الساعة للإعصار، وبحسب المقدم محمد سعيد الغامدي مدير الشؤون العامة لحرس الحدود في المنطقة، فإنه "ليس لدينا أي خطة لمنع المراكب من ارتياد البحر، لأننا في العادة نبلغ الصيادين وأصحاب المراكب عن حالة الجو خلال الفترة القادمة، ويحدد قائد المركب موعد العودة، وفي حال تأخر عن موعده لمدة نصف ساعة، نقوم بالبحث عنه في المنطقة التي حدد التوجه لها قبل خروجه".
وأضاف ان جميع المراكب لديها معلومات تفصيلية عن الإعصار، والمواقع التي سيمر بها من خلال مراكز سلاح الحدود التي يأخذون الإذن بالإبحار عبرها، مشيرا الى أن المعلومات التي تلقوها حتى الساعة تفيد بأن سرعة الإعصار لا تتجاوز 40 كم في الساعة، وهذه السرعة كما يعرفها البحارة ومرتادو البحر لا تشكل خطرا على القوارب الكبيرة والسفن، وإنما قد تشكل خطرا على المراكب الصغيرة. وقال المقدم الغامدي "في العادة ننبه مرتادي البحر باحتمال وجود أخطار قد تقع نتيجة بعض التغيرات المناخية".
أما في دولة الامارات فقد بدأت بتطبيق اجراءات احترازية لمواجهة الاعصار، حيث اصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الامارات ورئيس الحكومة قررا باتخاذ "أقصى درجات الحيطة والحذر لمواجهة أي طارئ ينشأ عن الاعصار في حال وصوله إلى الامارات".
وطلب من وزارة الداخلية تشكيل فرق عمل تضم الدفاع المدني ووزارة الصحة وأقسام الطوارئ والانقاذ متابعة الاعصار. كما طلب إعداد المستشفيات الميدانية وتوفير كل ما يلزم من دعم لوجستي ومساندة وعون لسلطنة عمان المجاورة في حال وصول الاعصار الى شواطئها.
وتوقعت مصادر في إدارة الارصاد الجوية في العاصمة الاماراتية أبوظبي أن تصل آثار الاعصار الى بعض السواحل الشرقية للامارات، ومنها الى بعض مناطق السعودية، داعية الى عدم القلق.
وفي اليمن حذر مركز الارصاد من تعرض السواحل الشرقية لمحافظة المهرة والمياهة الاقليمية اليمنية لتاثيرات الاعصار المداري "قونو".
ودعت وزارة الثروة السمكية من جانبها الصيادين وممارسى رياضة الغوص على السواحل خاصة في محافظتي المهرة وحضرموت الى عدم ممارسة انشطتهم خلال الساعات القادمة وتوخى الحذر لتفادي خطر الاعصار الذي تصل سرعتة الى 70 عقدة بحرية في الساعة ويتركز في سواحل المهرة وحضرموت.
من جانبه، قال طارق الصقير المحلل في اقتصاديات الطاقة في شركة تريس داتا انترناشيونال، إن اسواق النفط تفاعلت مع أنباء عن قدوم إعصار "قونو" من بحر العرب وارتفع النفط دولارا واحدا في تعاملات نيويورك.
ونقل الصقير عن مصدر مسؤول في عمان ان عمليات تصدير وإنتاج النفط لم تتأثر باقتراب الإعصار، تصل الصادرات النفطية العمانية الى 715 الف برميل في اليوم، حيث لم تواجه حتى امس حركة السفن والشحن في الخليج أي عقبات خلال دخولها منطقة مضيق هرمز، وبرأي الصقير فإن تفاعلات الأسواق مع التطورات الاخيرة كان محدودا. ويضيف الصقير، أن الاسواق ما زالت تترقب التأثيرات التي سيخلفها الإعصار، حيث انه صنف ضمن الدرجة الخامسة، لكن توقعات الطقس تشير الى ان حدته سوف تنخفض عند اقترابه من مراكز انتاج النفط والغاز في عمان.
وكانت انباء تحدثت ان السلطات العمانية أغلقت ميناء عمليات الغاز الطبيعي الذي ينتج عشرة ملايين طن من الغاز المسيل سنويا ومن المحتمل ان تغلق مرفأ عمليات النفط لاحقا والذي يصدر 715 الف برميل من النفط. وبرأي الصقير فإن الاحتمال الأكثر خطورة هو ان يؤدي الإعصار إلى مضاعفات ينتج عنها إبطاء تدفق النفط من أي دولة في الخليج، وبرأيه فإن اسعار النفط حينها قد تشهد تذبذباً نتيجة احتمال نقص المعروض النفطي بشكل طفيف خصوصا اذا استمر اغلاق أي مرفأ في الخليج لعدة أيام.
ويذكرّ إعصار "قونو" سكان المنطقة الشرقية في السعودية، بحادثة أليمة ما زالت خالدة في ذاكرتهم الجماعية، ويتم الإشارة إليها باسم "سنة الطبعة"، حين هاج البحر في الخليج فجر الجمعة 2 أكتوبر (تشرين الأول) 1925، فدمر مراكب عشرات الصيادين، وابتلع سفناً كانت تبحر في عباب البحر، وامتد ليعصف بالساحل الخليجي مقتلعاً بيوت الصفيح، ومخرباً مزارع الفلاحين.
وكان الإعصار الذي استمر لمدة نصف ساعة قد خلف دماراً هائلاً بقي عالقاً في ذاكرة الخليجيين حتى اليوم، وامتدت الأضرار على طول الساحل الخليجي من عمان حتى الكويت فالبصرة، وشملت الخسائر سفن نواخذة الخليج في البحرين والكويت والقطيف وقطر وعمان. ولم تكن "الطبعة" هي الحادثة الأولى في ذاكرة الخليجيين وإن كانت الأشد قساوة، فقد حدثت طبعات كثيرة في الخليج العربي منها طبعة "أهل الكويت" في العام 1871 التي غرق فيها عدد كبير من السفن، لدى عودتهم بين الهند ومسقط، وكان مكان حدوثها في بحر العرب قبل دخولهم مضيق هرمز. وحدثت طبعة أخرى في الخليج العربي عام 1910، وأخرى 1916.
وحدث الإعصار في أكثر مواسم الصيد ازدحاماً، وقدر مؤرخون خليجيون حجم الخسائر بنحو ثلثي السفن والقوارب ومراكب الصيد التي كانت في البحر آنذاك، وبلغت الأرواح التي زهقت نحو 5 آلاف، واختلطت بعد "الطبعة" القصص بالأساطير وأصبحت تروى عبر الأجيال، عن عشرات الرجال الذين تشتتوا في البحر، وركب بعضهم الأخشاب المتناثرة من السفن، وضحى بعضهم بروحه لإنقاذ ولده، أو أخيه، وتاه آخرون حتى وصلوا الهند. وقال عنها الأديب والمؤرخ القطيفي الراحل الشيخ فرج العمران "لم يسلم بيت من ناع وناعية اللهم إلا النذر القليل". وفي كتابه الذي صدر (حادثة سنة الطبعة) أورد سعد بن عبد العزيز السيف قصة سفينة أبحرت من سيهات، وكان أحد بحارتها ضريراً، وحين أصابها الإعصار وتعرضت للانقلاب انشغل كل بحار بالنجاة بنفسه، لكن عدداً كبيراً من الغواصين والبحارة الأشداء هلكوا في صراعهم مع الموج، أما الرجل الضرير فقد صارع حتى وصل سليماً إلى الشاطئ.
وكان الراحل الشاعر أحمد الكوفي من أكثر الشعراء الذين تناولوا حادثة "الطبعة" وكان وقتها أحد البحارة الذين غرقت مراكبهم، وروى كيف صارع الأمواج للوصول إلى الشاطئ.
وفي روايته لأحداث تلك الليلة يقول ان "الحادث وقع عند المغرب، وهو يخالف آراء كثيرة قالت انه وقع في الثلث الأخير من الليل قبل الفجر حين كان البحارة نائمين"، وتمسك الكوفي حسب روايته بلوح خشبي شاركه فيه أحد عشر بحاراً لمدة ليلة ويوم، قبل أن ينتشلهم قارب لبحارة من الدواسر في الدمام، وقال ان "عملية انتشال الجثث لبحارة القطيف والدمام ودارين استمرت لعدة أيام".