بانتظار إعلان حكومة ثانية في لبنان لمنع السنيورة من التفرد برئاسة الحكومة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سليم نصار
يوم غد الأحد (10 الجاري) تنتهي المدة التي حددها مجلس الأمن في شأن انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري تحت الفصل السابع.
وفي سبيل استكمال مهمة المحكمة، تقدم هذا الأسبوع 12 شخصاً بشكاوى لدى النيابة العامة التمييزية بهدف ضم أسماء ذويهم المقتولين الى ملف الدعوى.
ومن المتوقع ان يتطور التحقيق في هذه القضية ليشمل 14 جريمة حدثت عقب مقتل الحريري بينها سلسلة اغتيالات أودت بحياة جورج حاوي وسمير قصير وجبران تويني.
القيادة في جيش الدفاع الاسرائيلي استغلت إقرار المحكمة الدولية لتمارس ضغوطها على حكومة ايهود اولمرت، وتنصحه بضرورة التفاوض مع سورية تفادياً لنشوب حرب جديدة قد تندلع خلال الصيف المقبل.
وتستند القيادة في تحذيرها إلى معطيات عدة، أهمها زيادة عدد قوات الجيش السوري على الحدود، اضافة الى وصول كميات ضخمة من الصواريخ والأسلحة المرسلة من ايران. وترى قيادة الاركان ان سورية تزودت من الصين بصواريخ متطورة جداً مضادة للطائرات والدروع والسفن البحرية. وكذلك أعربت روسيا عن استعدادها لبيع سورية صواريخ من طراز "اسكندر" يصل مداها الى 280 كيلومتراً. وهو مدى كاف لضرب أهداف عسكرية ومدنية في اسرائيل كلها. ومن الطبيعي ان يفتح "حزب الله" جبهة أخرى لاستنزاف اسرائيل ومساعدة سورية.
وكتب المعلق السياسي ناحوم بارنيغ في صحيفة "يديعوت احرونوت" يقول ان اسرائيل وجهت رسائل عدة الى سورية بواسطة قائد قوات الأمم المتحدة في هضبة الجولان، تؤكد رفضها القيام بأي عمل استفزازي يعكر أجواء الهدوء فوق المرتفعات.
ثم أرسلت الى واشنطن وزير النقل الحالي رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، بغرض استكشاف حقيقة الموقف الأميركي من امكانية فتح حوار مع دمشق. وسبب ذلك ان ادارة جورج بوش منعت في السابق حكومة أولمرت من التجاوب مع الاشارات الايجابية التي ارسلتها دمشق عقب حرب تموز (يوليو) الأخيرة. وحجته ان إحياء المفاوضات بعد انتصار "حزب الله" قد يفسر بأنه مكافأة تقدمها اسرائيل للدولة التي دعمت وأمنت وصول الصواريخ الايرانية الى الجنوب. أما الحجة الأخرى التي طرحها بوش في هذا السياق، فتعود الى الدور السوري المربك للقوات الأميركية في العراق.
ايهود أولمرت يستخدم منطق بوش مع ايران من أجل فتح صفحة جديدة مع سورية. وهو ينطلق من مبدأ احياء المفاوضات التي انقطعت مدة سبع سنوات، أي منذ لقاء الرئيس بيل كلينتون والرئيس الراحل حافظ الأسد في جنيف. ولكن منطق أولمرت الداعي الى فتح صفحة جديدة مع سورية ينطلق من مبدأ احياء التفاوض الذي انقطع مدة سبع سنوات. وهو يرى ان الاسباب التي دفعت واشنطن الى اجراء محادثات مع طهران حول العراق، لا تختلف كثيراً عن الاسباب التي تدفع اسرائيل الى تحريك المفاوضات المجمدة. علماً بأن الولايات المتحدة لم تترك وسيلة من وسائل الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري، إلا واستعملتها ضد ايران على امتداد 28 سنة. فمن تجميد أرصدة الايرانيين وأموالهم عقب الثورة الاسلامية، الى بيان الجزائر ومناصرة صدام حسين في حربه ضد جمهورية الملالي. ومن إسقاط طائرة ايرانية مدنية عمداً الى دعم المعارضة المعادية للنظام. وعلى رغم كل هذا، فإن واشنطن قررت الانفتاح على طهران لأن الرئيس بوش عازم على بناء أربع قواعد عسكرية ثابتة في العراق، وهو يحتاج الى دعم ايران لئلا يتحول العراق الى بؤرة تفجير لمقاتلي "القاعدة".
أسباب الانفتاح على سورية حملها الوزير موفاز الى واشنطن بعد استشارة رئيس الوزراء أولمرت ورئيس الأركان غابي اشكنازي. ولمس في تحذير اشكنازي احتمال حدوث انتكاسة عسكرية ثانية إذا استخدمت سورية ترسانتها الصاروخية. ويعترف رئيس الاركان بأن قواعد الحرب في المنطقة قد تغيرت، وان الطيران لم يعد العنصر الحاسم في المعارك، كما حدث في حرب 1967. وقال ان الطريقة العملية لمنع استعمال الصواريخ ضد المدن الاسرائيلية، هو الوصول الى ابواب دمشق، كما فعل شارون سنة 1982. ولكنه استبعد حصول مثل هذا الاجتياح لأن الجبهات المحيطة باسرائيل اصبحت معادية لوجودها. لذلك اقترح ان يقلد أولمرت أنور السادات ويقوم بزيارة مفاجئة لدمشق.
وسط هذه المعارك السياسية، كتبت صحيفة "الثورة" السورية تقول: "رغم العروض لإعادة الجولان مقابل تخلي سورية عن دورها في دعم القضية الفلسطينية، وفي استعادة الحقوق العربية، إلا انها أبت إلا ان تكون استعادة الجولان كاملاً، حقاً غير قابل للمساومة والمقايضة. واذا كانت سورية قد اعربت عن استعدادها للسلام، إلا أنها على قناعة تامة بأن اسرائيل غير راغبة به ولا قادرة عليه".
ويستدل من هذا الكلام ان الموقف السوري الرسمي لم يتبدل، وان التهديد بسلاح المحكمة الدولية لم يرغم دمشق على التخلي عن حلفائها في ايران و "حزب الله" و "حماس". وهذا ما شجع وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس على تبني طروحات صديقتها وزيرة خارجية اسرائيل تسيبي ليفني، وهي طروحات ثابتة تركز على ضرورة حل المشكلة الفلسطينية أولاً بأول. وقد تتكشف التسوية، في نظرها، عن ظهور منعطف في تاريخ النزاع العربي - الاسرائيلي يحول دون قدرة ايران على تهديد الدولة العبرية.
يقول المحللون في واشنطن ان الادارة الأميركية تسعى الى تقطيع الوقت بانتظار حدوث تحول سياسي في اسرائيل يمكن ان توظفه خلال المدة المتبقية من ولاية جورج بوش. والسبب ان حكومة اولمرت خسرت موقعها في واشنطن كحليف استراتيجي يمكن الاعتماد على قدرته العسكرية. وقد توقع أصحاب القرار في الولايات المتحدة ان يسهم النصر ضد "حزب الله" في تقوية مكانة أميركا في الأماكن المتعثرة فيها مثل: العراق وافغانستان وايران وفلسطين. والثابت ان اخفاق اسرائيل في لبنان انعكس على الدور الاميركي الاقليمي في منطقة الشرق الأوسط. والسبب ان إدارة بوش تبنت بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) استراتيجية ردعية قوامها العقاب والحرب الوقائية. وظهر العقاب في استخدام القوة العسكرية ضد "طالبان" افغانستان. في حين تعمدت اسقاط نظام صدام حسين بذريعة منعه من تطوير اسلحة دمار شامل.
ثم جاءت حرب تموز لتشكل اخفاقات متواصلة للاستراتيجية الأميركية على كل الجبهات المهمة في الشرق الأوسط، بدءاً بالعراق... مروراً بإيران وسورية... وانتهاء بفلسطين. وبما ان تلك الحرب لم تكن حرباً محدودة في الزمان والمكان، فقد ترتبت على نتائجها انتكاسات للحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في المنطقة. وهكذا خرج "حزب الله" منتصراً ليمارس انتصاره على الجبهة الداخلية، ويطلب من جماعة 14 آذار معاملته سياسياً على مستوى قدرته العسكرية التي وفرتها له ايران وسورية. وبفضل النصر الذي أحرزه لبنانيون استخفت ايران بمواقف الدول الكبرى المطالبة بالتخلي عن صنع السلاح النووي. ولا شك في ان الانسحاب الاسرائيلي من غزة قد أدى الى فوز "حماس"، ثم جاء انتصار حليفها "حزب الله" ليمنع المتطرفين من القبول بأي عرض قبل موافقة ايران وسورية.
بالمقارنة مع هذا المدّ السياسي المتنامي، تسعى حكومة السنيورة للحفاظ على رأسها فوق الماء. والمؤكد ان تعاطف الشعب مع جيشه شجعه على سد الخروقات المفتعلة في مخيم نهر البارد ومخيم عين الحلوة ومنطقة البقاع الغربي. وهكذا انبعثت من جديد صورة حرب 1975 التي وصفها غسان تويني بحرب الآخرين على أرض لبنان. ولكنها في هذه المرة تحمل صورة التمزق الذي يعانيه الزعماء من أجل الحفاظ على مواقعهم. فالرئيس اميل لحود أثنى على أداء الجيش في حين رفع حدة انتقاده ضد الحكومة التي أصدرت قرار مهاجمة "فتح الاسلام". وهذا ما فعله العماد ميشال عون الذي ردد ما قاله فاروق الشرع من أن استباحة الأمن مردها الى عدم وجود حكومة اتحاد وطني. ورد وليد جنبلاط على هذا الافتراض بنقض منطقه لأن دمشق في رأيه، شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 24 محاولة شغب قام بها سلفيون متعصبون ممن أخرجتهم من السجون ودستهم في المخيمات اللبنانية.
الاسبوع الماضي حاول الرئيس لحود تقديم اقتراح ملغوم يقضي بتشكيل حكومة سداسية على غرار حكومة فؤاد شهاب الرباعية بحيث يضمن الثلث المعطل.
ولما أفشل البطريرك صفير اقتراحه، وعد بنسف شرعية حكومة فؤاد السنيورة عن طريق اعلان حكومة ثانية يمكن ان تنال اعتراف سورية وايران وفنزويلا وبوليفيا وكوبا.
ويرى المتشائمون في هذا السيناريو المعد للصدور قبل انتهاء مدة الرئيس لحود، قنبلة مدوية لن يقتصر ضررها على السنيورة وحده، وانما ستصيب لبنان كله بالشظايا التي تفتت وحدة العراق!