جريدة الجرائد

خطأ فرنسي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ساطع نور الدين


إنها الخيبة الأولى للدبلوماسية الفرنسية الجديدة. ببساطة، رفضت الخرطوم دعوة من الحكومة الفرنسية إلى مؤتمر يعقد في باريس في الخامس والعشرين من حزيران الحالي لمعالجة الأزمة في إقليم دارفور السوداني. أبلغت وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير أن الوقت غير مناسب، وقالت إن المبادرة مشكورة، لكنها تتعارض مع المساعي التي تبذل مع الامم المتحدة والاتحاد الافريقي، وصارحت الضيف الفرنسي أنها لا تفهم حتى الآن سبب هذا الاهتمام الدولي بأزمة إقليم يقع عند الطرف الغربي للصحراء السودانية.
وهكذا سقطت فكرة المؤتمر الذي لن ينعقد على الأرجح، برغم أنه الاقتراح العملي الاول الذي تقدّم به الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي في السابع من حزيران الحالي، في لحظة انفعال وحماس أمام زملائه من زعماء مجموعة الدول الثماني الكبرى الذين كانوا يستعدون لقمة هيليغندام في المانيا، الاسبوع الماضي، وكانوا يوحون له وللعالم كله أن في دارفور أزمة إنسانية كبرى تستحق أن تحتل صدارة الاهتمام العالمي.
عاد كوشنير الى باريس، من دون ان يرد على سؤال الرئيس السوداني عمر البشير حول سبب بقاء دارفور على جدول الأعمال الدولي مع أنه ثبت أن الإقليم لا يحتوي على النفط بكميات تجارية، كما كان يتوقع الاميركيون قبل أن يحولوا الأزمة الى عنوان انتخابي يساعد الادارة الجمهورية للرئيس جورج بوش في كسب ود الجمهور الاميركي الاسود. اكتفى الوزير الفرنسي بشرح "التأثر" الغربي بالبعد الإنساني والأخلاقي لسقوط ما يقرب من 200 ألف قتيل سوداني في معارك الاقليم. وذكر بان بلاده مهتمة بهذا البعد، وهي لا تسعى الى تقديم مبادرة سياسية جديدة تعطل الجهود الدولية أو الافريقية.
بدا واضحاً أن ساركوزي وكوشنير ارتكبا خطأ في التحرك باتجاه الخرطوم وازمة دارفور، لكنه خطأ في التوقيت أكثر مما هو خطأ في المضمون. عبر الرجلان عن التزامهما بفلسفة سياسية فرنسية جديدة، تعتمد على ما يمكن تسميته بالمشروع الامبراطوري الإنساني الذي يفترض ان تحمله فرنسا وتمضي به إلى حد التدخل في جميع مناطق الحروب والأزمات في العالم.. بغض النظر عما اذا كان الاميركيون طرفاً في هذه الحروب أو بالأحرى سبباً لاشتعالها، وعما إذا كان الفرنسيون سيتحولون إلى الوجه الآخر للسياسة الخارجية الاميركية التي تعتمد مشروعاً امبراطورياً فعلياً يفتقد إلى أي بعد إنساني أو حتى أخلاقي.
يصعب التكهن في الأثر الذي ستتركه الخيبة الدبلوماسية الأولى لبرنامج ساركوزي وكوشنير، على المؤتمر اللبناني الذي دعا الرجلان إلى عقده في باريس، بعد أربعة أيام على الموعد الذي كان مقرراً للمؤتمر السوداني الملغى، برغم أن خلفيات الدعوة الفرنسية قد تكون واحدة، وكذلك الطموحات التي يمكن أن تجد لها أرضاً لبنانية خصبة.. وبرغم أن الخطأ في التوقيت قد يكون مشابهاً ايضاً، وربما ساهم في إرجاء تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في بيروت، إلى ما بعد التاسع والعشرين من حزيران الحالي!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف