جريدة الجرائد

باكستان في مفترق طرق.. أي طريق سيسلك مشرف؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


أمير طاهري

بعد استيلائه على السلطة في انقلاب غير دموي في أكتوبر 1999 مباشرة عبر الجنرال برويز مشرف عن "رؤيته لباكستان جديدة". وفي حديث موسع نفى ان يكون قد فكر في القيام بانقلاب. ولكن السبيل التفصيلي الذي وصف به "رؤيته" جعل من الواضح انه لم يكن له الوصول الى السلطة لو لم يكن قد فكر بانتزاعها.

وأن يكون جنرال في الرئاسة ليس أمرا استثنائيا. فقد حكم الجيش لفترة زادت على نصف عمر وجود الدولة القومية كدولة مستقلة. ومع ذلك فان ما قدمه مشرف كان مختلفا عن الجنرالات الحاكمين الذين سبقوه. وأولهم الجنرال اسكندر ميرزا الذي كان قد تعامل مع باكستان كدولة اقطاعية معتبرا نفسه حاكما مطلقا. وأسس خلفه، محمد ايوب خان، دكتاتورية عسكرية من النمط الأميركي اللاتيني تتميز بالفساد والعنف. ولم يفلح الحاكم العسكري التالي يحيى خان في ان يبقى واقعيا بما فيه الكفاية من أجل منح عهده الكارثي الذي اتسم بالفوضى أي نموذج قابل للرؤية.

وما كان مشتركا بين اسكندر وأيوب ويحيى هو افتقارهم الكلي الى الآيديولوجيا. ووفر ذلك للقوات المسلحة أن تبقى بعيدا عن النزاعات المريرة التي ميزت، على الدوام، الحياة السياسية الباكستانية.

غير أن حاكم باكستان العسكري الرابع محمد ضياء الحق اثبت انه مختلف عن أسلافه الثلاثة. فقد نظر الى نفسه باعتباره "محاربا من اجل قضية مقدسة" وادعى بـ"المهمة التاريخية" لإعادة أسلمة باكستان التي، حسب اعتقاده، انحرفت عن الدين الحقيقي الوحيد.

وبينما جاء الحكام العسكريون الثلاثة الأول لباكستان وذهبوا من دون أن يحاولوا تغيير أسلوب الحياة في البلاد استخدم ضياء الدولة كأداة لإعادة صياغة الثقافة الوطنية. وأعيد اعتبار باكستان "جمهورية إسلامية" ومنحت دستورا دينيا جديدا. ووضع النظام القضائي المعتمد على القضاء الأنجلوسكسوني جانبا لصالح الشريعة الإسلامية. وتحت رعاية ضياء نمت الجماعات الإسلامية الست او نحو ذلك، والتي لم يكن لها تأثير على القضايا السياسية في باكستان، الى تيارات ممولة جيدا وبدأت، مدعومة من جانب الاستخبارات العسكرية، في المطالبة بحصة اكبر في السلطة.

وأطيح بالحكام العسكريين الثلاثة الأول في باكستان بانقلابات نظمها جنرالات خصوم. أما الرابع، ضياء، فقد قتل في حادث تحطم طائرة يعتقد كثيرون انه عمل مدبر.

وإذا ما تقدمنا سريعا الى عام 2007 لوجدنا "ربيع السخط" الذي هز حكم مشرف. فهناك تمرد عشائري في ولاية بلوشستان ونزاع سياسي مع وزير العدل وعنف طائفي متصاعد، وكلها اجتمعت لخلق الأزمة الأكثر خطورة التي يواجهها مشرف منذ انتخابه رئيسا عام 2001. ومع اقتراب الانتخابات العامة التي من المقرر اجراؤها اواخر العام الحالي فان جميع القوى التي ترغب في ان تدفع باكستان الى الفوضى والحرب المحتملة تضع نفسها في موضع المجابهة مع النظام.

والسؤال هو: كيف يمكن أن ينتهي حكم مشرف؟

هل سيطاح به في انقلاب عسكري كلاسيكي آخر شأن ثلاثة من الجنرالات الذين سبقوه؟ أم هل سيقع ضحية مؤامرة دموية مثل تلك التي أزاحت ضياء عن المشهد؟ ومما يثير المفارقة ان المسألة الجوهرية في "الرؤية الجديدة" لمشرف، كما جرى التعبير عنها عام 1999، كانت قد ضمت تعهدا بإقامة نظام سياسي سيتصرف فيه الجيش، بدلا من الاستيلاء على السلطة بنفسه في أول فرصة، باعتباره الحكم في قضايا البلاد والضامن للدستور.

وبإلهام من النموذج التركي وعد مشرف بتفكيك البنى الإسلامية التي وضعها ضياء الحق وتشجيع السياسات العلمانية وتشجيع الثقافة الديمقراطية بحيث يصبح تغيير الحكومات من خلال الانتخابات بدلا من الانقلابات العسكرية أو الثورات.

مع ذلك وبعد سبع سنين تجد باكستان نفسها تحت مخاطر انقلاب عسكري بينما أصبحت الجماعات الإسلامية المتطرفة تأمل بانهيار النظام في الوسط.

وعلى الرغم من أن انقلاب عام 1999 العسكري غير مستساغ بسبب أنه أسقط حكومة منتخبة ديمقراطيا فإنه من الممكن المجادلة بأن نظام رئيس الوزراء نواز شريف العاجز والفاشل أصبح آنذاك غير قابل للبقاء.

كذلك هناك شك قليل في أن مشرف قام بأعمال جيدة كثيرة منها تقليص مستويات الفساد وإعادة الاقتصاد إلى سكة النمو، وإعادة بعض الحريات الاجتماعية والثقافية التي انتزعت من الباكستانيين في عهد الجنرال ضياء الحق. والأكثر أهمية هو ما قام به مشرف عام 2001 حينما اتخذ قرارا ضد الإرهاب وإيقاف دعم طالبان وانضم للحرب العالمية ضد الإرهاب ومن دون شك فإن مشرف كان الأكثر نجاحا من بين خمسة جنرالات حكموا باكستان منذ عام الاستقلال 1947.

لكن مثلما هو الحال مع حياة أي شخص حيث لا يمكن اعتبارها سعيدة إلا بعد موته كذلك هو الحال مع أي حاكم إذ لا يمكن اعتباره ناجحا إلا بعد مغادرته للسلطة.

قبل سبعة أعوام ألهم النموذج التركي "الرؤية الجديدة" لكن الواقع ما زال بعيدا عنها كثيرا. مع ذلك فإن الفصل الأخير من حكم مشرف قابل لأن يكتب بعدد من الطرق المختلفة.

فبإمكانه أن يفبرك انتخابات عامة عن طريق منع الأحزاب الرئيسية من المشاركة في الانتخابات. وهذا سيجبره على زيادة اعتماده على عدد من الأحزاب الإسلامية البغيضة التي تكره "رؤيته الجديدة" وحاولت قتله في عدد من المناسبات.

كذلك يستطيع مشرف أن يسمي حكومة بالوكالة تقوم بتنظيم الانتخابات والإشراف عليها بمشاركة القوى العلمانية والديمقراطية. ويمكنه أن يعلن عن عفو سياسي عام ويدعو الزعماء المقيمين في المنفى للعودة وتشكيل جبهة ضد التطرف الديني والإرهاب.

على حلفاء باكستان والمتبرعين لمساعدتها في الغرب وفي المنطقة أن يستخدموا كل نفوذ بأيديهم لإقناع مشرف كي يكون صادقا للكلمات التي عبر عنها في عام 1999. فهناك قوى ديمقراطية كافية في باكستان كي تتحدى وتهزم التيار الظلامي الذي يهدد المنطقة بأكملها. وعلى مشرف أن يعطيها الفرصة بالسماح لها بالمشاركة في انتخابات حرة مع لعب دور الجيش كحارس بدلا من أن يكون سيدا لدمية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف