جريدة الجرائد

الأقلية الإفريقية في موريتانيا.. المظالم وآفاق التسوية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



نواكشوط - المختار السالم

قرر الرئيس الموريتاني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله تسوية مشكل المجموعة الإفريقية في موريتانيا بعد 18 سنة من بلوغ ذلك المشكل أوجه حين أبعد نظام ولد الطايع عشرات الآلاف من الأفارقة الموريتانيين إلى السنغال ومالي إبان اندلاع الأزمة العرقية بين البلدين سنة ،1989 وكذلك تصفية مجموعة من الأفارقة في الجيش الموريتاني.
وكان جميع مرشحي الرئاسة الموريتانية في الانتخابات الماضية قد أعلنوا نيتهم تسوية هذا الملف في حالة فوزهم، وكان من أوضحهم رؤية في هذا المجال الرئيس الذي فاز في الانتخابات.
لقد ظل موضوع تسوية ملف الأقلية الإفريقية في موريتانيا أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل ليس في الساحة السياسية الموريتانية فحسب، بل في المحافل الدولية وساحات منظمات حقوق الإنسان، الأمر الذي طال بشكل واضح صورة العرب الموريتانيين، وأوصل هذا المشكل مرات عديدة إلى التهديد بحرب أهلية بل كاد يدخل موريتانيا في حروب مع جيرانها الأفارقة.

صورتان تسودان واجهة كل حديث في هذا الموضوع: صورة تقدمها النخبة العربية وهي أن الأفارقة الموريتانيين لحقت بهم مظالم على غرار غيرهم من شرائح المجتمع الموريتاني.
الصورة الثانية هي التي تقدمها النخبة الإفريقية الموريتانية وهي صورة أفارقة مضطهدين ومعذبين ومهمشين، وأن الأفارقة هم السكان الأصليون للبلاد، تعرضوا لتصفية جسدية وتهجير وحرمان.
ldquo;الخليجrdquo; تتناول أبعاد هذا الملف من جميع الجوانب وتقديم صورة حقيقية عن واقع ومشكل الأقلية الإفريقية الموريتانية. ولكي تعطي للقارئ صورة واضحة في هذا المجال، فقد قررت تناول الموضوع بسرد خلاصة الآراء والمعلومات والأرقام التي تم جمعها من كل الأطراف السياسية والإدارية والمجتمعية وفق نسق الأحداث التاريخية لتطور المشكل، لنصل في النهاية إلى الحلول المطروحة كخيارات لحل القضية.


الأفارقة مصطلح عام يطلقه الأوروبيون والباحثون الأنثربولوجيون بشكل أخص على السود من سكان إفريقيا، وهم يقطنون في الأغلب إفريقيا جنوب الصحراء، وتميزهم بذلك عن سكان القارة من العرب. وبالرغم من أن ثلثي العرب هم من سكان إفريقيا إلا أن هذا الاصطلاح الذي ساهمت الصحافة الأوروبية ثم العربية في تعميمه لا يطلق عليهم تسمية الأفارقة التي أصبحتْ تحيل أساسا إلى لون وثقافات محددة. وفي الحالة الموريتانية فإن كلمة أفارقة تطلَق بنفس المعنى الأوروبي لتمييز الأقليات غير العربية. ولكن امتزاج الأعراق في هذا البلد الذي اعتاد مزج الشعوب عبر العصور يجعل التمييز على أساس اللون صعبا، فكثير من العرب وممن اندمجوا لغويا وثقافيا واجتماعيا بل وعرقيا في الشريحة العربية يحملون أحيانا بشرة سوداء وملامح إفريقية وأحيانا أخرى بشرة تميل إلى السواد أو إلى السمرة بالإضافة طبعا إلى ذوي البشرة البيضاء. هذا الأمر انتبه إليه الكتاب الأوربيون منذ بداية الغزو الاستعماري الحديث ولذلك أطلقوا في موريتانيا عادة اسم أفارقة على الأقليات غير العربية فقط، أو ممن لم تصبح العربية لغتهم الأم. وتطلق عليهم كذلك أحيانا مصطلحاً آخر هو الاستعمال الذي انتشر الآن وصار كذلك معتادا بالعربية. ومجموعات الأفارقة السود بهذا المعنى الذي انتشر شكلت وتشكل جزءا من تركيبة المجتمع الموريتاني عبر التاريخ وفي واقع الحياة اليوم. وقد مرت هذه المجموعة في بدايات تشكلها في المنطقة بتطورات رافقت التطور المماثل الذي مرت به نظيرتها العربية في صيرورتهما المشتركة في التفاعل مع الأحداث وفي صنع التاريخ والحضارة.

ويلاحظ المؤرخون أن الأرض الموريتانية كانت في حقبة ما تتواجد على أديمها ثلاث مجموعات بشرية هي البربر (صنهاجة) والسونوك وابسرير، ثم وفرت في مرحلة لاحقة مجموعة تسمى ldquo;الفلانrdquo; يزعم الرواة وبعض المؤرخين أنها القبيلة الثانية عشرة التي افتقدت ldquo;من بين القبائل الاثنتي عشرة التي زعموا أنها تفرقت جراء انهيار سد مأرب في اليمنrdquo;، ثم أعادت التشكل منها إحدى عشرة قبيلة، وافتقدت الباقية (الثانية عشرة) بعدُ في اليمن لأنها بعد الانهيار اجتازت البحر الأحمر لتحل ببلاد ldquo;النوتهrdquo; على الجانب الغربي للبحر في السودان واريتريا ومصر والصومال.
وفي السودان اليوم قوم يدعون ldquo;الفلانrdquo; يتكلمون نفس اللغة التي يتكلمها بها ldquo;فلانrdquo; موريتانيا. وهذه القبيلة المعروفة عند بعض المؤرخين باسم (الثانية عشرة) وهي حميرية يمنية، هي في افتراضاتهم الأصل العرقي ل ldquo;الفلانrdquo; في موريتانيا.

عرفت هذه القبيلة هجرات بعد استقرارها وازدهارها في منطقة ldquo;النوتهrdquo; إلى عديد من الدول الإفريقية بما فيها موريتانيا. وrdquo;الفلانrdquo; الآن أي المجموعة الإفريقية التي يفتَرض أن أصلها عربي يتوزعون على ثماني عشرة دولة إفريقية من ضمنها موريتانيا.

وهكذا أصبحت مجموعة ldquo;الفلانrdquo; أشهر الأقليات الإفريقية في موريتانيا لسببين.

السبب الأول أنها توسعت ديمغرافيا إذ ضمت إليها الكثير ممن أصبحوا يتحدثون لغتها ldquo;البولاريةrdquo; ويسمون ldquo;الهال بولارrdquo; أي ldquo;المتحدثين بالبولاريةrdquo;.
السبب الثاني أن المجموعتين الأخريين ldquo;ابسريرrdquo;، وrdquo;السونوكrdquo; لم تعرفا توسعا ديمغرافيا يذكر، فالأولى تفرق أبناؤها بين الأعراق الإفريقية الأخرى والعرب، فاندثرت في المنطقة الموريتانية كليا. ولم تعد من بين المجموعات الإفريقية التي تدخل في العصر الحديث ضمن تركيبة الأقليات الافريقية في موريتانيا بشكلها الحالي.
أما مجموعة ldquo;السونوكrdquo; فلم تتوسع لأنها شهدت نزوحا من المنطقة وانحسارا بعد سقوط دولتها (إمبراطورية غانا) التي قامت على أنقاضها دول أخرى عملت على تحجيم السلالات التي تداولت السلطة في دولة غانا.

ومنذ وصول الإسلام إلى موريتانيا كانت في استقباله المجموعات المذكورة التي دخلته دون حرب أو مواجهة تذكر، وكان ldquo;الفلانrdquo; أولى المجموعات الإفريقية التي استجابت لدعوته وحمل رايته إلى مختلف المناطق الإفريقية لا سيما منذ تحالفت إحدى أشهر ممالكهم، (مملكة التكرور) مع المرابطين وسمحت لهم ببسط نفوذهم على مناطق واسعة في المنطقة. وأسس ldquo;الفلانrdquo; دولا إسلامية عديدة في غرب افريقيا. وفي القرن السابع عشر وبعد تراجع إحدى أشهر الحركات الدينية الصنهاجية في موريتانيا في فترة ما بعد المرابطين أي حركة الإمام ناصر الدين التي هزمتها عسكريا قبائل بني حسان (عرب المعقل المعروفون مع بني هلال وبني سليم) استطاع بعض أتباعها وأنصارها من البولار أن يستعيدوا زمام الأمور في الضفة اليسرى من نهر السنغال وأن يشيدوا أول دولة إسلامية تدعى (آلمامي) أي (الدولة الإمامية) وقد أقيمت هذه الدولة على منطقة (فوته) التي تمتد على ضفتي نهر السنغال (الذي قيل إنه كان يُسمى قديما نهر صنهاجة) الواقع بين موريتانيا والسنغال، وكانت هذه الدولة تعتنق العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي.

وأسست هذه الدولة الناشئة حضارة إسلامية مزدهرة تربت في أحضانها أجيال حملت الثقافة الإسلامية والعربية أيضا إلى ربوع افريقيا جنوب الصحراء، والتربية في هذه الدولة تقوم على ثلاثة أسس هي: طاعة الله، الأمانة والشجاعة وتعني عندهم الثبات. ومن مفارقات الأقدار بحكم ما سيصبح إليه الأمر اليوم أن هذه الدولة الإفريقية كانت حريصة على نشر العربية إلى درجة أنها حاولت في مراحل تطورها الأخيرة فرض العربية بالقوة الجهادية على مناطق نفوذها.

وقد لعب الأفارقة الموريتانيون دورا حضاريا كبيرا في نشر الإسلام والدفاع عنه وفي مقاومة المستعمر. وكان من أشهر رجال مقاومتهم المجاهد الكبير والعالم الحاج عمر الفوتي الذي قاد حركة ثقافية ضد المستعمر لمنعه من دخول المنطقة (الفوتية) المحاذية لنهر السنغال وخاض ضد الفرنسيين حربا امتدت إلى وفاته الغامضة في القرن التاسع عشر (سنة 1864)، حيث يتكون جيشه في الأساس من مختلف القبائل الإفريقية الموريتانية بقيادة ldquo;الفلانrdquo; القبلية الإفريقية وقد أطلق على مملكته اسم مملكة (الهربولار) أو مملكة (التوكلير).

التشكيلة الاجتماعية التي استقرت عليها مجموعات الأفارقة الموريتانيين بعد الهجرات عبر الزمن، من وإلى المنطقة (موريتانيا) وما أعقبها من غزوات وفتوحات ودول وحروب، كانت على النحو الآتي:
المجموعة الإفريقية الأولى أو الأشهر في موريتانيا: ldquo;الفلانrdquo; (التي ينسبها كما قلنا بعض المؤرخين إلى العرب) ولغتها (البولارية) وتلحق بها جماعة (هال ابولار) أو (التوكلير) المكونة من أعراق إفريقية متعددة امتزجت في أحضان ldquo;الفلانrdquo; وأخذت لغتهم.

المجموعة الإفريقية الثانية في موريتانيا: مجموعة ldquo;السونوكrdquo; ولغتهم السونوكية، وهم من بقايا امبراطورية ldquo;غاناrdquo; في الجنوب الشرقي الموريتاني، التي قامت على أنقاضها دولتا (فوته والمرابطين). وrdquo;السونوكrdquo; سلالة إفريقية عريقة في المنطقة.

المجموعة الإفريقية الثالثة في موريتانيا: مجموعة (الولوف) ولغتهم الولفية وهي اللغة السائدة بين صفوف الشعب السنغالي والرسمية لدى الدولة السنغالية بعد الفرنسية، ومجموعة الولوف هي أقل المجموعات الإفريقية في موريتانيا.

هذا هو الوضع القومي/ الاجتماعي القائم في الجنوب الموريتاني حاليا ومنذ أمد بعيد.
وهناك حقيقة أساسية هي أن مساكن ضفتي النهر الفاصل بين موريتانيا والسنغال تمثل في كل نقطة منه مجموعة واحدة هنا وهناك.
وعلى امتداد التاريخ الموريتاني كانت هناك علاقات بين العرب في الشمال والأفارقة في الجنوب منها ما هو سياسي وعسكري واجتماعي وروحي.

فقد اشترك الجانبان في غزوات وفتوحات إسلامية مشتركة، ودخلا في تحالفات سياسية بين الإمارات المحلية، وتبادلا الأوراد الصوفية، ودرس كل منهما في كتاتيب الآخر في تبادل دائم للمعارف الشرعية والعلوم اللغوية والفنون الأخرى بما في ذلك الموسيقا وغيرها، فاختلطت الأعراف والتقاليد إلى حد ما، في نطاق الحضارة الإسلامية التي تشكل الانتماء المشترك للجميع.


ومن الأمثلة على إقامة علاقات اجتماعية بين العرب والأفارقة، المصاهرة بين إمارتين على ضفتي النهر. عن شماله إمارة ldquo;الترارزةrdquo; العربية الموريتانية، وعن جنوبه إمارة ldquo;امبودجrdquo; الإفريقية السنغالية، حيث تزوج أمير ldquo;الترارزةrdquo; محمد لحبيب ابنة الأمير السنغالي السيدة جمبت امبودج والدة الأمير علي ولد محمد لحبيب، فصارت هذه الأميرة الإفريقية الولفية (السنغالية) أماً لأسرة أميرية عربية (موريتانية).

ومن العوامل المهمة التي كانت تغذي التلاحم بين المكونات القومية في موريتانيا وحدة الدين، فالكل عربا وأفارقة مسلمون مالكيو المذهب؛ أشعريو المعتقد.
أما النسبة المئوية التي يمثلها الأفارقة في المجتمع الموريتاني فهي غائبة تماما لأن الدولة لم تعلن رسميا عنها في نتائج الإحصاءات التي أجريت.

المشكل وتعدد المظالم

تشكو الأقلية الإفريقية في موريتانيا مدعومة بمنظمات مدنية وحقوقية وقادة أبرز أحزاب البلاد، من وضع مزدوج على جميع الصعد، ولديها ملف حافل بالمظالم، هذه أبرز خطوطه العريضة:
1- أحداث سنة 1966: ldquo;التعريبrdquo; والدم:
حدث أول صدام بين العرب والأفارقة الموريتانيين مع قيام الدولة الموريتانية منتصف القرن الماضي، وكان الخلاف حتى على تسمية الدولة التي رفض الأفارقة وقتها تسميتها بالجمهورية العربية الموريتانية، ليتم الاتفاق قبيل الاستقلال على تسمية ldquo;الجمهورية الإسلامية الموريتانيةrdquo;، ورغم أن هذا الاسم غير مسبوق تاريخيا، ورغم أنه ينسب الدولة الوليدة إلى عمقها الحضاري (الإسلام) الذي يدين به جميع مواطنيها، إلا أن تلك التسمية لم ترض الأغلبية العربية التي رأت فيها سرقة لهوية الدولة (قوميا) على اعتبار أن الغالبية المطلقة من السكان هم من العرب.

وجاء تعميم العربية في المناهج الدراسية سنة ،1966 ليدشن مرحلة صراع جديدة، فتعريب التعليم اعتبر خطوة لإقصاء الأفارقة عن الإدارة، باعتبار أن العربية ليست لغتهم.
هذه الخطوة ldquo;العدائيةrdquo; من وجهة نظر المثقفين الأفارقة الذين تثقفوا في عهد الإدارة الفرنسية الاستعمارية، تسببت آنذاك باندلاع أحداث عرقية دامية في العاصمة نواكشوط راح ضحيتها عشرات المواطنين من الجانبين.

إلا أن نظام ولد داداه (وقتها) تمكن من التغلب على تلك الأوضاع رغم أن السنغال حاول التدخل وقتها عبر الرئيس سنغور إلا أن ولد داداه كان حازما في موقفه.

ومع اندلاع حرب الصحراء تناسى الموريتانيون همومهم العرقية مؤقتا بانشغال الجيش والحكومة في الحرب التي وضعت أوزارها ليعترف ضمنيا ولد داداه لاحقا بارتكاب خطأ كبير وهو تسهيل مهمة الحصول على الجنسية الموريتانية للأفارقة الذين تدفقوا على موريتانيا حين كان استصدار الجنسية يتطلب ثمن تذكرة قارب عبور نهر السنغال الى موريتانيا.
ومع وصول نظام ولد هيداله سنة 1980 إلى سدة الحكم في البلاد، عمد إلى تقريب القوميين الأفارقة الذين تسيدوا نظامه، وكانت فترة ولد هيداله هي الفترة الذهبية لتدفق ما يعرف ب ldquo;الأطر السنغاليينrdquo; على الحركة الإفريقية الموريتانية القومية. ما ضخ دماء جديدة في الحركة التي وسعت من أهدافها ومطالبها.

وفي تلك الفترة عرف المشكل تحولا جديدا مع إعلان تأسيس ldquo;جبهة تحرير الأفارقة الموريتانيينrdquo; (أفلام) سنة ،1983 التي وضعت أهدافا أكبر رغم أنها ظلت تهادن نظام ولد هيداله.
مع وصول نظام ولد الطايع (1984) باشر تدشين سياسة الاعتماد على المنطقة الشرقية من البلاد (المنطقة العربية المنسية في خطط التنمية والتوظيف)، ورغم أن هذا القرار مس شرائح عربية في المناطق الأخرى، إلا أنه اعتبر موجها لسكان الجنوب بالخصوص، حيث بدأت أسماء الجنوبيين تختفي من لوائح التعيين، وتنخفض في عمليات الاكتتاب الجماعية (الجيش، الشرطة..إلخ). ما أحدث تململا كبيرا في الأوساط الشعبية الإفريقية الموريتانية، التي عمدت نخبتها إلى رفع سقف مطالبات الأفارقة الموريتانيين بحقوقهم.

وتصدرت قيادة ldquo;جبهة تحرير الأفارقة الموريتانيينrdquo; عناصر قومية ldquo;هال أبولارrdquo; التي تعتبر ابرز الأقليات الإفريقية (سياسيا) في البلاد. وانتهجت المنظمة العمل السري، كما قامت بتنظيم حملات إعلامية وسياسية واسعة النطاق خارجيا تروج لوصف عرب موريتانيا بإقامة نظام ldquo;لابرتايدrdquo; آخر في القارة الإفريقية.
واستطاعت ldquo;أفلامrdquo; كسب العديد من الشبان الأفارقة، كما تمكنت من بناء جناحها داخل القوات المسلحة الموريتانية. بالتوازي مع خطاب تعبوي سياسي على غرار منشور ldquo;الإفريقي الموريتاني المضطهدrdquo; (1986).
في هذه الفترة تسيد الصراع القومي في موريتانيا بين النخبة الفرانكفونية نفسها من القوميتين (العرب والأفارقة)، فيما همشت نهائيا النخبة ldquo;العربية الإفريقيةrdquo; الوطنية من القوميتين.

أحداث سنة 1987: انقلاب وإعدامات

سنة 1987 بالصدفة تم كشف أول محاولة انقلابية كان ضباط أفارقة في الجيش الموريتاني يعتزمون تنفيذها، فقام نظام ولد الطايع بمحاكمة المتهمين في المحاولة الانقلابية، وإعدام ثلاثة من قادتهم، وإحالة البقية إلى السجون.
واتخذ نظام ولد الطايع خطوات احترازية داخل مؤسسات الجيش والأمن، والإدارة، ودخلت البلاد في عهد جديد من الشحن العصبي غذته جهات أجنبية من بينها ldquo;الكيانrdquo; الصهيوني، وأنظمة إفريقية، بينها السنغال ومالي، حيث كان لجبهتي تحرير إقليم ldquo;كازمانسrdquo; (السنغال)، وجبهة تحرير أزواد (مالي) دور خفي ومهم في تأجيج الصراع العرقي داخل موريتانيا لأسباب ستجعل الحركتين مدعومتين في وقت لاحق من نظام نواكشوط.

في هذه الفترة، وبعد الزج بالعشرات من الأفارقة الموريتانيين نزلاء سجون ولد الطايع، وجعلهم فئرانا لتجارب التعذيب، وبعد إقصاء وتهميش مقصود لأبناء الأسر الإفريقية النبيلة عبر التاريخ، أعلنت ldquo;أفلامrdquo; نيتها خوض الصراع المسلح مع النظام الموريتاني وإقامة جمهورية إفريقية باسم دولة ldquo;الوال والوrdquo; على الأراضي الموريتانية.
ودخلت موريتانيا سنة 1989 التي تعتبر من أصعب السنوات على القوميتين اللتين تشكلان نسيج المجتمع الموريتاني. فقد تسبب الشحن العاطفي، وأحداث ،1987 في وضع كارثي على الصعيد الاجتماعي، وكانت الساحة مهيأة للتخلص من مخاضها مع أول انقباض. وفي بداية إبريل/،1989 جاء ذلك الانقباض، رغم أنه كان حادثا عفويا.

ومن الطريف أن المشكل حدث بين مواطنين إفريقيين أحدهما موريتاني، والثاني سنغالي، قبل أن يتحول بأعجوبة إلى أحداث عرقية دامية بين العرب والأفارقة في موريتانيا والسنغال التي راحت شوارع مدنهما تمتلئ من الجثث في حرب شوارع بين المواطنين، كادت تتحول إلى حرب مدمرة بين البلدين لولا سرعة تدخل الدول العربية والإفريقية والغربية.

بدأ المِشكل بحادث على الضفة بين مواطنين إفريقيين، أحدهما موريتاني والآخر سنغالي حيث قام المواطن الإفريقي الموريتاني بقتل المواطن الإفريقي السنغالي بسبب مشادة بينهما على إثر أكل ماشية الأول مزرعة الثاني. ومن الطريف أن مزرعة السنغالي كانت مقامة على أرض موريتانية تمنحها موريتانيا للسنغاليين لزراعتها في إطار التعاون بين البلدين.

الحدث كان مناسبة لعناصر ldquo;أفلامrdquo; في داكار، التي استطاعت تحريك المعارضة السنغالية بقيادة عبد الله واد وقتها والتي سيرت مظاهرات شعبية ضخمة في عدة مدن سنغالية مطالبة بالقصاص من الموريتانيين وقامت بالاعتداء على أفراد الجالية الموريتانية في السنغال (نصف مليون نسمة وقتها، و80 ألف محل تجاري) وطالت كذلك الجاليات العربية الأخرى ولاسيما أكبرها عددا بعد الموريتانيين أي الجالية اللبنانية، وهكذا تطورت الأحداث مع الساعات والأيام، قتيل عربي في داكار، وآخر إفريقي في نواكشوط، لتكون الحصيلة آلاف القتلى والجرحى من الطرفين، قبل أن يقوم كل نظام بتسفير مواطني البلد الآخر من أراضيه بعد نهب ممتلكاتهم.
وهنا قام نظام ولد الطايع بانتهاز الفرصة وتسفير آلاف الأفارقة الموريتانيين على اعتبار أنهم سنغاليون. ومن لم يُطرد اضطر للفرار خشية أعمال القتل والسلب التي عمتْ.
ومن الطريف أن موريتانيا إبان الأزمة، وبعد استقبالها للمواطنين السنغاليين من أصل موريتاني ارتفع عدد سكانها خلال أسبوع واحد ب16%.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف