دور جديد غير مريح للجيش المعاد تأهيله في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فيري بيدرمان - الفايننشال تايمز
لم يستطع الحزن الذي لف جنازة الجندي عمر الحاج في قرية صغيرة بالقرب من مدينة صيدا في جنوب لبنان، إخفاء شكوك الأسرة بخصوص المعركة التي قتل فيها. وكانت اثنتان من عماته تولولان قائلتين: "هذه ليست معركتنا، فلماذا يقاتل المسلمون المسلمين؟" وصرخت بهما شقيقات عمر: "إنهم إرهابيون، وليسوا مسلمين".
وقتل الجندي السني في أوائل هذا الشهر في اشتباكات مع ميليشيات إسلامية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. وكان واحداً من أكثر من 70 جندياً قتلوا في مواجهات الجيش مع الميليشيات التي تركزت في مخيم نهر البارد في الشمال، حيث دخل القتال هناك أسبوعه الرابع.
ويخوض الجنود عديمو الخبرة نسبياً، وضعيفو التسليح، اختبار تبادل نيران عسير وهم يندفعون عبر الشوارع الضيقة للمخيم لاجتثاث مقاتلي مجموعة فتح الإسلام.
وهذه هي أشد المعارك دموية بعد الحرب الأهلية (1975- 1990). غير أن الأمر غير المسبوق فيها هو أنها تشمل الجيش. وظلت القوات المسلحة اللبنانية تلعب دوراً هامشياً بسبب الجماعات المسلحة، ثم بسبب الوجود السوري، إذ تم إهمالها وتنحيتها جانبا لعدة عقود.
وبدأ الجيش اللبناني منذ الانسحاب السوري إعادة تأهيل جزئية على الأقل. وتزداد النظرة إليه باعتباره واحدا من المؤسسات الحيادية في بلد يسوده الاستقطاب، وخط دفاع أخير ضد حركات التمرد.
وقال مصدر عسكري غربي في بيروت: "انتقل الجيش من قلة الاستخدام إلى المبالغة في الاستخدام".
وكان الجيش خلال السنوات الأخيرة يوفر الحماية للمؤسسات السياسية والدبلوماسية في بيروت. واضطر إلى الفصل بين الأجنحة السياسية المتنافسة، كما تكبد خسائر في حرب العام الماضي بين حزب الله وإسرائيل. واضطر نتيجة لذلك إلى نشر 15 ألف جندي في الجنوب، تنفيذاً لقرار وقف إطلاق النار الذي اتخذته الأمم المتحدة. ويشتبك الجيش الآن في أول مواجهة مباشرة مع إحدى الميليشيات الرئيسية منذ عدة عقود.
لكن التحول من مرحلة عدم الأهمية إلى دور الحامي الرئيسي للسلام لا يخلو إطلاقاً من الآلام. وبسبب برنامج عملها المزدحم، فإن هذه القوة العسكرية المكونة من نحو 59 ألف جندي لم تكن قادرة على التدريب لأكثر من عامين، كما قال مصدر عسكري. ويدفع الجيش الثمن في نهر البارد، حيث تلقى الجنود أوامر بالتدريب أثناء ممارسة مهامهم، لأنهم في بعض الحالات لم يطلقوا نيراناً حيةً منذ سنوات.
والمشكلة الأخرى تتعلق بالمعدات والتموين. فقد أبقت الحكومات المتعاقبة المؤيدة لسورية، الجيش ضعيفاً نسبياً، كما كانت الولايات المتحدة التي تمثل المزود الرئيسي التقليدي، ترفض إرسال معدات متقدمة أو ثقيلة إلى قوة كانت تعتبر حتى فترة قريبة، تحت السيطرة السورية. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة سارعوا إلى إمداد الجيش اللبناني بالأسلحة والمعدات عندما بدأ القتال.
وتظل هناك مخاوف حول التوافق والانسجام داخل الجيش الذي انقسم طائفياً خلال الحرب الأهلية. ويشكل المسيحيون نحو نصف عدد الضباط، لكن غالبية بقية الرتب مكونة من الشيعة. وحين تتحدث إلى أسر الجنود الجرحى، فإنك تحس برغبة في الحرب بين صفوف المسيحيين والدروز، أكثر مما هي بين المسلمين السنة. وتعكس عائلات سنية كثيرة صدى الارتباك الذي يسود عائلة عمر الحاج حول الأسباب التي تجعل من أبنائها يحاربون مؤيدي العقائد الدينية.
وطالبت عائلة الحاج الجيش بإبعاد ابنها الثاني، الجندي علي الحاج (24 سنة)، عن الخطوط الأمامية في مخيم عين الحلوة.
وتقف حكومة فؤاد السنيورة المدعومة من جانب الغرب، بقوة رواء الجيش. وتفعل ذلك جزئياً على أمل أن يؤدي انتصاره إلى تعزيز الدولة المركزية الهشة.
أما معارضو الحكومة في حركة حزب الله، فإنهم يبدون في أحسن الأحوال، مترددين. وقال غالب أبو زينب، المتحدث باسم تلك المعارضة: "من المبكر للغاية معرفة كيف يسير القتال. سنستخلص العبر بعد المعركة". وبينما أعلن زعيم حزب الله، حسن نصر الله، عن دعمه العلني للجيش، فإنه حذر كذلك من مهاجمة المخيم.
ومن الممكن أن يسبب الجيش الأقوى مشاكل لحزب الله. وتقول هذه الجماعة إنها تحتفظ بسلاحها بوصفها "حركة مقاومة" لأن الجيش لا يستطيع الدفاع عن البلاد ضد إسرائيل. لكن من الممكن أن تضطر إلى تعديل موقفها بعد أن أظهر الجيش رغبته في القتال.