جريدة الجرائد

الكويت في مرمى الانتقام الإيراني فهل تدفع عنها الديبلوماسية الصواريخ ؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أهداف محتملة عند اندلاع الحرب الأميركية - الإيرانية ...


الكويت - حمد الجاسر، الحياة

الموقف الذي سارعت الكويت الى اعلانه برفض استخدام اراضيها في اي عمل عسكري ضد ايران يعكس الحساسية والتوتر اللذين تعيشهما بسبب موقعها الجغرافي وتاريخها السياسي القريب، اذ تدين للأميركيين بفضل تحريرها من الاحتلال العراقي وتحتاج اليهم لوقف اي أطماع أو تاثيرات ايرانية على سيادتها، لكنها لا تريد أن تحشر في وسط مواجهة عسكرية جديدة بين الحليف القسري أميركا والجار المريب إيران.

وزير الدفاع الكويتي الشيخ جابر المبارك الصباح قالها الأسبوع الماضي في كلمات لا تحتمل التأويل "أميركا لم تطلب منا وإذا طلبت فلن نسمح"، يعني استخدام الأراضي الكويتية في عمل أميركي ضد إيران. وجاء قوله بعد يوم من إطلاق طهران أقوى التهديدات بأنها ستضرب إذا هوجمت قواعد أميركية في دول خليجية. وزاد وزير الدفاع الإيراني السابق علي شمخاني المستشار حالياً عند المرشد علي خامنئي عندما قال ان منشآت نفطية وحيوية في الخليج قد تستهدف.

الموقف الرسمي الكويتي لا يدعمه بالضرورة الموقف الشعبي، اذ يرى كويتيون أن حكومتهم يجب ان تتوقف عن مجاملة طهران وتعرف ان خياراتها لن تكون أبداً الى جانب الايرانيين، وكتبت صحيفة "الوسط" اليومية في افتتاحيتها السبت الماضي تصف تصريح الوزير المبارك بانه "هدية مجانية" لطهران، وجاء في المقال الذي كتبه رئيس التحرير محمد العودة انه "في الوقت الذي يهددنا فيه المسؤولون الايرانيون صباحاً ومساء باستهدافنا (...) ويتحدون القرارات الدولية الحالية وحتى المستقبلية، تخرج علينا تصريحات من مسؤولينا تطمئن الإيرانيين وتمنحهم ضمانات مطلقة...". وسأل: "لماذ نخرب الجهود الدولية لإبقاء الضغط السياسي والعسكري والنفسي على إيران لجعلها أكثر اعتدالاً (...) ولماذا نقلل من مصداقيتنا أمام حلفائنا واصدقائنا الذين ليسوا سعداء على الاطلاق بمثل هذه التصريحات؟".

ويرى استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور عبدالله الشايجي ان الكويت "ليست ملزمة في ان تكون طرفاً في المواجهة القائمة بين ايران والولايات المتحدة أو أن تعلن موقفا في هذا الاطار"، وقال لـ "الحياة": "إذا صدر قرار بحسب الفصل السابع عن مجلس الأمن ضد ايران ستصبح الكويت ملزمة به ولا تمتلك اعاقة تطبيق هذا القرار، وإن كان الموقف الرسمي الخليجي شدد دوماً على ضرورة الحل السلمي وتحاشي المواجهة العسكرية". ويتابع الشايجي وهو محاضر في كلية رئاسة الاركان بالجيش الكويتي انه "على ايران نفسها أن تقدم التطمينات لدول الخليج وأن تقوم بالخطوات المطلوبة للتأكيد على سلمية برنامجها النووي قبل ان تطالب حكومات الخليج بإعلان مواقف، ومن المهم أيضاً أن يمتنع المسؤولون الإيرانيون عن إطلاق تهديدات لدول الخليج لا تخدم قضيتهم"، وهو يشير الى أن "سبعين في المئة من الضربات الجوية إبان الغزو الغربي للعراق لم تنطلق من دول خليجية، واذا ما وقعت ضربة أميركية لإيران فستكون بالكامل من خارج الخليج، فليس للخليجيين دور في منع الضربة او السماح بها".

وكانت العلاقات المتوترة بين الكويت وايران ابان الثمانينات شهدت تحسناً كبيراً بعد الغزو العراقي عام 1990، وتطورت بعد ذلك لتصل الى زيارة لوزير الدفاع الكويتي الشيخ جابر المبارك لطهران في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2002 تم خلالها التوقيع على مذكرة للتفاهم الدفاعي، ولكن لم تتبعها اي خطوات عملية، كذلك كان هناك تعاون أمني على الصعيد الجنائي وحتى في مجال مواجهة إرهاب "القاعدة"، ولكن، مهما تطورت العلاقات فان الارتباط الكويتي بمجموعة مجلس التعاون الخليجي ثم بالغرب تحدّ منها.


في مرمى الصواريخ

وميدانياً، هناك مبرر لقلق الكويت من التعرض للنيران الإيرانية، فالعاصمة الكويتية تقع على بعد 70 كيلومتراً فقط من الساحل الإيراني عند مصب العرب، وخلال الحرب العراقية - الإيرانية أطلق الإيرانيون صواريخ "سيلكوورم" من ذلك الساحل واستهدفوا ناقلات نفط ومنصات نفطية كويتية. وحالياً صار لدى الإيرانيين مخزون ضخم من الصواريخ التكتيكية المحلية الصنع والمشتقة من تصاميم روسية وكورية. وهناك صواريخ "فجر ـ 5" مداها 75 كيلومتراً وصواريخ "نازعات ـ 6" مداها 100 كيلومتر و "نازعات ـ 10" مداها 140 كيلومتراً. وتنتج إيران حالياً نسخة من الصاروخ الصيني "اس 800" المضاد للسفن. وهذه الأسلحة يمكن إطلاقها على العاصمة الكويتية ومحيطها انطلاقاً من جنوب "عبدان". كذلك لدى ايران مخزون من صواريخ "زلزال - 3"، النسخة الإيرانية من سكود الروسي ومداها 260 كيلومتراً ويمكن إطلاقها عبر الخليج نفسه من ساحله الشرقي، وهكذا فإن غالبية ما لدى الإيرانيين من صواريخ تطاول الكويت بسهولة.


مناورات إيرانية بحرية

والأهداف المحتملة لهذه الصواريخ هي الثكنات والقواعد الأميركية في الكويت، وفي مقدمها معسكر "عريفجان" جنوب الكويت الذي يستخدم الأميركيون جانباً منه كمركز قيادة الوحدات البرية الخاضعة للقيادة المركزية الأميركية، ويدير المركز العمليات البرية الأميركية في الشرق الاوسط. تضاف الى ذلك مجموعة من الثكنات والقواعد، منها مطار "عريفجان" لمروحيات الجيش الأميركي شمال الكويت وتحيط به ثكنات صحراوية تحمل اسماء ولايات أميركية مثل "فيلادلفيا" و "ميسوري". وفي غرب الكويت هناك معسكر "فيكتوري" وهو قاعدة لوجستية ضخمة تقع الى جوار قاعدة "علي السالم" الجوية التي يستخدمها سلاحا الجو الأميركي والبريطاني، وهناك "القرية الأميركية" في مطار الكويت الدولي وهي محطة للطائرات الآتية من العراق أو الذاهبة إليه، تقلع منها طائرة أميركية أو حليفة مرة كل ربع ساعة تقريباً، وفي جنوب الكويت هناك معسكر "باتريوت" الذي يستخدمه سلاح المارينز.

هذه الثكنات تؤوي 26 الف عسكري أميركي يتحملون العبء اللوجستي في العراق كله، ومن دونهم لا تصل وجبة طعام أو غالون وقود أو قطعة ذخيرة الى القوات الأميركية والحليفة هناك، لذا يرى خبراء كويتيون انه من الصعب التصور ان ايران ـ اذا ما هوجمت ـ ستمتنع عن استهداف الاراضي الكويتية مراعاة للموقف الكويتي "المحايد"، وفي كل الاحوال ليس لدى الايرانيين ـ ولا حتى الكويتيين ـ فرصة في ان يعرفوا ما اذا كانت هذه القواعد الأميركية تلعب دوراً في مهاجمة ايران أم لا.

والكويت ليست مفتوحة للقواعد الأميركية فقط بل هي ترتبط سياسياً وأمنياً بواشنطن باتفاق موقع عام 1991 ويتضمن تزويد القوات الأميركية بالوقود والمؤن وبتبادل المعلومات وفي استخدام مطارات الكويت وموانئها عند الضرورة، ولا يوجد مجال كبير للكويتيين للالتفاف على الروابط مع واشنطن، فمع انهيار نظام الأمن العربي وعجز النموذج الخليجي ليس من ضامن لأمن الكويت الخارجي ـ بعد الله ـ سوى البأس العسكري الأميركي. ومن المنطقي التخيل ان الإيرانيين اذا ما أوجعتهم الضربات الأميركية ستسيطر على قرارهم النوازع المذهبية والعرقية وسيوجهون كل ما لديهم من نيران الى دول الخليج واولها الكويت، وهذا يصب في خانة الفريق الكويتي القائل انه من العبث مجاملة الإيرانيين على حساب العلاقة مع الغرب.

ومن الناحية الفنية يصعب التصور ان الرد العسكري الإيراني سيقتصر على الثكنات والمرافق الأميركية، فالصواريخ من فئة "سكود" معروفة بعدم دقتها وأنها قد تنحرف كيلومترات عن نقطة الهدف، وهذا يجعل المنشآت النفطية والمدنية الكويتية المجاورة للثكنات في خطر، يضاف الى ذلك انه في أجواء الحرب واشتداد الضربات الأميركية ستكون طواقم الصواريخ الإيرانية تحت ضغط نفسي عال للرد على اي شيء، وتوجيه النيران الى أهداف كبيرة كالمدن والمنشآت النفطية.

ومما يعقد الوضع الأمني الكويتي وجود تعاطف كبير بين الشيعة الذين يمثلون نحو 16 في المئة من الكويتيين مع إيران، وهذا يظهر في مواقف ناشطيهم وفي مقالاتهم في الصحف الكويتية التي توافق الموقف الرسمي الإيراني ومواقف الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق، وكانت ايران تمكنت خلال فترة الحرب مع العراق في الثمانينات من تجنيد شيعة كويتيين في أعمال إرهابية في الكويت ومن المرجح أنها ستحاول ذلك مجدداً اذا هاجمتها أميركا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف