إننا نريد السلام لكننا نرفض الإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
شيمون بيريز - الديلي ستار
بعد مرور أربعين عاماً على حرب الستة أيام ما يزال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يشكل حلماً بعيد المنال. فما تزال إسرائيل مصرة على رفض حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الجديدة كشريك في المفاوضات بسبب مشاركة حماس في هذه الحكومة. ولكن ما الأسباب وراء هذه المفارقة؟ وهل هناك أي أمل؟
قد تكون الحكومة الفلسطينية موحدة إدارياً، إلا أنها منقسمة سياسياً. والفلسطينيون لديهم حكومة واحدة ولكنها تنتهج سياستين مختلفتين. فعلى الصعيد السياسي ما يزال رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية ضد الاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقيات القائمة، وقد أعلن أنه مع استمرار المقاومة بأشكالها كافة. وإذن، فأي شكل من أشكال ضمان استمرار جهود المساعي الحميدة الرامية إلى التوصل إلى اتفاقية سلام قد ينبع من مثل هذا الموقف؟
إنه سؤال يتعين على القائمين على الاتحاد الأوروبي أن يوجهوه إلى أنفسهم أثناء مناقشاتهم الدائرة مؤخراً حول اتخاذ القرار بشأن استئناف تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية. يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يوضح لحماس أنه لن يمول الإرهاب ولن يمول رفض السلام. وإذا كان الفلسطينيون يريدون الحصول على المساعدات الأوروبية، وهو ما أؤيده تمام التأييد فلابد وأن يكونوا مستعدين لإقامة السلام وليس وأده. إن حماس كحزب ليست هي موضع الرفض؛ بل المرفوض هو السياسات التي تنتهجها حماس والمخططات التي تسعى إلى تنفيذها. فنحن لا نعترض على حماس؛ بل إننا ضد سياساتها الميالة إلى الحرب والقتال، والتي لم تتغير حتى بعد وصول حماس إلى الحكم.
في وقت ما كانت مواقف منظمة التحرير الفلسطينية مماثلة لمواقف حماس الآن. إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية تغيرت. وإذا ما غيرت الزعامة الفلسطينية الحالية موقفها فلن تكون هناك أية مشكلة من جانبنا، ولن نعترض على المفاوضات. ذلك أننا نؤيد المفاوضات، ونؤيد الحل على أساس قيام دولتين، ونحن نقبل "خارطة طريق" الشرق الأوسط. لكننا ضد الإرهاب.
غير أن الأمر الذي لا نستطيع الموافقة عليه يظل "حق العودة" للفلسطينيين. ذلك أن الاعتراف بهذا الحق يعني وجود أغلبية سكانية فلسطينية بدلاً من أغلبية يهودية، وهو ما يعني بدوره نهاية الدولة اليهودية. إنها مسألة ديموغرافية وليست مسألة دينية: فالدولة العربية هي حيث يكون للعرب الأغلبية، والدولة اليهودية هي حيث يكون لليهود الأغلبية. أما "حق العودة" فإنه يتناقض مع فكرة الحل على أساس إقامة دولتين، فهو يعني وجود دولة واحدة دولة فلسطينية. ولا أحد في إسرائيل قد يقبل بأمر كهذا.
ولكن ثمة مشاكل أخرى تعاني منها المنطقة ويتعين على إسرائيل ـ والعالم ـ أن يواجهاها. كانت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الحالية قد تشكلت نتيجة للوساطة السعودية، والتي تحركت في الأساس في محاولة لمجابهة الطموحات الإيرانية الرامية إلى توسيع نفوذ إيران، ليس في العراق فحسب، وإنما في لبنان، وغزة، والضفة الغربية أيضاً.
مما لا شك فيه أن أمراً كهذا يقع خارج نطاق سيطرة إسرائيل بالكامل. والحقيقة أن القتال الدائر في العالم الإسلامي اليوم بين السنة والشيعة يذكرنا بالصراع بين البروتستانت والكاثوليك في أوروبا أثناء القرن السابع عشر. وعليه، فإنه ليس من الغريب أن تسعى المملكة العربية السعودية، والأردن، ومصر، ودول الخليج إلى مقاومة طموحات إيران في فرض هيمنتها على المنطقة.
غير أن المخاطر الآن تبدو أكبر بكثير مما كانت عليه أثناء القرن السابع عشر، وذلك لأن إيران تشكل تهديداً يجمع بين العقيدة المتعصبة والإصرار على امتلاك الأسلحة النووية. والحقيقة أن إيران هي الدولة الوحيدة التي تصرح علناً برغبتها في تدمير دولة أخرى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وهذا النوع من التهديد لا تستطيع أي دولة إلا أن تتعامل معه بجدية. فحين يلقي رئيس إحدى الدول خطباً مجنونة، وينكر وقوع حادثة المحرقة، ولا يخفي طموحه إلى السيطرة على الشرق الأوسط، فمن يستطيع أن يضمن لنا ألا تكون هذه التهديدات جادة؟
إن المسألة لا تتعلق باستعادة "التوازن" النووي في الشرق الأوسط كما يزعم قادة إيران. ذلك أن إسرائيل، في المقام الأول، لا تهدد أحداً. فإسرائيل لم تعلن قط أنها ترغب في تدمير إيران؛ ولم يحدث أن صرحت إسرائيل علناً بأنها تعتزم تخصيب اليورانيوم وتصنيع القنابل النووية من أجل تدمير دولة أخرى. بل كان الأمر على النقيض من ذلك، حيث أكدت إسرائيل أنها لن تكون أول من يستخدم السلاح النووي في الشرق الأوسط. لكن هذا لا يعني أننا نملك أمر تجاهل تهديد واضح يصدر عن دولة راغبة في تدميرنا.
على الرغم من الموقف الحالي غير المواتي، إلا أن الطريق إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط قد يمر عبر المشاريع الاقتصادية المشتركة. ذلك أن إسرائيل، حتى في وقتنا هذا، تخطط لبناء "معبر جديد إلى السلام"، والذي سيشمل الأردنيين، والفلسطينيين، بالإضافة إلينا نحن. وفي إطار هذا المشروع، نسعى إلى وقف جفاف البحر الميت، وبناء مطار مشترك وشبكة مياه مشتركة مع الأردن، كما وإلى تنمية البنية الأساسية للسياحة بتكلفة خمسة مليارات دولار أميركي. ولما كانت الجهات المانحة متوفرة، فلن تنقصنا الأرصدة اللازمة لتمويل هذه الجهود التي أكاد أجزم عن يقين بأنها سوف تتحقق.
إن إسرائيل تريد، بل إنها في أمس الحاجة إلىحلول السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ولسوف نستمر في بذل قصارى جهدنا لتحقيق هذه الغاية. إلا أننا لا نستطيع أن نبلغ هذه الغاية بمفردنا، ولا نستطيع أن نتفاوض مع أطراف لا وجود لإسرائيل في رؤيتها للسلام في الشرق الأوسط.