«غوردن براون يضع خطة للشرق الأوسط»؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عنوان نموذجي صدر في الصحافة البريطانية بعد أن تناول وزير الخزانة، غوردن براون، الذي سيتولى منصب رئاسة الوزراء من توني بلير الأربعاء المقبل في 27 حزيران (يونيو)، معالجة الفقر في الأراضي الفلسطينية داعياً إلى "خريطة طريق اقتصادية". وأشار براون إلى أن معدل الدخل الفردي السنوي في قطاع غزة 800 دولار في حين أنه في إسرائيل 20 ألف دولار. وأكد أنه متمسك بتصور قيام دولتين كحل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
تصريح براون، الذي صدر بعد سيطرة حماس على السلطة في قطاع غزة، لم يأت،ِ في الواقع بأي جديد، إذ سبق له أن دعا إلى صوغ "خريطة طريق اقتصادية". ولم تتضح بعد الصورة عن كيفية تعامله رئيساً للوزراء مع أزمات الشرق الأوسط، وما إذا سيظل قريباً، شأن بلير، من السياسة الأميركية، وكيف يكون موقفه من خطة أميركية لهجوم عسكري على إيران. ويذكر ان الغضب داخل حزب العمال نتج من رفضه المطالبة بوقف إطلاق نار فوري خلال الحرب على لبنان في الصيف الماضي، وموقفه الداعم أبداً لإسرائيل خلال توليه منصب رئيس الوزراء، وشكل الغضب ضغطاً من داخل الحزب على بلير عجل في إعلانه في أيلول (سبتمبر) الماضي نيته ترك المنصب في غضون سنة.
لكن تصريحات غوردون براون اخيراً في العراق تدل على رغبته في وضع مسافة بينه وبين عهد بلير، وفيما يستمر بلير في الدفاع في شكل جريء عن قراراته في ما يتعلق بالعراق، أقر براون خلال زيارته المفاجئة الى بغداد بأن أخطاء ارتُكبت "سيستخلص العبر منها".
ومنذ 17 أيار (مايو) الماضي بدا واضحاً أن غوردن براون سيكون المرشح الوحيد لزعامة حزب العمال وبالتالي سيصبح رئيساً للوزراء، وشهدت حينها السياسة البريطانية جولتين، وداعية لتونير بلير حول العالم محاولاً تبرير ممارساته، في حين كان غوردون براون يتجول في بريطانيا تحضيراً لليوم الذي سيتسلم فيه مهامه من بلير.
ويأتي براون محملاً بعشر سنوات من الخبرة في الحكومة، غير انه يحمل معه ايضاً الإرث الثقيل من العمل برئاسة بلير وسيكون من الصعب التخلص منه، كما يواجه تحدي اعادة بناء الثقة بالحكومة وجذب الناخبين الى حزب العمال لتأمين الولاية الرابعة عبر الانتخابات العامة التي تجرى بين العامين 2009 و2010. كما يعد لمواجهة الزعيم المحافظ ديفيد كاميرون الذي يبلغ من العمر 40 سنة فيما يبلغ براون 56 سنة.
لكن غوردن براون يبقى لغزاً، وبحسب قول مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، كريس دويل، لـ"الحياة": "برزت درجة حادة من الشك حتى داخل صفوف حزب العمال. وعلى رغم أن غوردن براون كان وزير خزانة قوياً أحكم سيطرته على السياسات الداخلية البريطانية خلال السنوات العشر الماضية، فقليل من الأشخاص مطلعون على السياسة التي سيتبعها غوردن براون لدى توليه رئاسة الوزراء".
ويضيف دويل: "أما في مجال العلاقات الخارجية، فمن الأصعب تصوّر هذه السياسة". وفي ظل الانقسام في السياسة البريطانية كان بلير يحكم السيطرة على علاقات بريطانيا الدولية وبقي براون بعيداً من هذا المجال، ما يفسّر سجله الضعيف في مسائل متعددة كالعراق ولبنان. وفي الحقيقة قد يكون براون غير متأكد من طبيعة سياسته الخارجية، فعلى غرار الكثيرين في حزب العمال، لا يفهم جيداً العلاقات الدولية خارج الميدان الاقتصادي."
ويشير دويل إلى أن براون كان منهمكاً بإرساء قاعدة لولايته في رئاسة الوزراء في السنوات الأخيرة، من خلال الزيارة الأولى التي قام بها إلى أفرقيا والهند وإسرائيل والأراضي المحتلة. "قد يرغب براون في أن يركز على المسائل الداخلية وهو متنبه إلى الانتقاد الكبير الذي واجه بلير بسبب توجّهه الدولي وميله الى التدخل العسكري. لكن، لا يمكنه التغاضي عن العراق وأفغانستان، وسيتحمّل ضغطاً حاداً وثابتاً لدفعه الى اتخاذ مسار مختلف".
لكن، يجب ألا يتوقع المرء تغيراً جذرياً على هذا الصعيد. "ويملك براون سجلاً حافلاً على مستوى الاهتمام بالسياسة الأميركية، كما يملك علاقات وطيدة مع الإدارة في واشنطن. ويُنظر إليه على أنه يشكك بأوروبا أكثر من بلير".
المتوقع أن يعلن براون عن عدد كبير من المبادرات الجديدة خلال المئة يوم الأولى من توليه منصب رئاسة مجلس الوزراء؛ مثل إرساء "مجلس الشعب" لإعادة كتابة الميثاق الدستوري. كما سيعمد إلى تغيير نمط عمل الحكومة، إذ تعرّض أسلوب حكم بلير ومركزية اتخاذ القرار بتجنّب المرور بالحكومة والبرلمان الى انتقاد شديد. وبات هذا النمط من الحكم معروفاً بحكومة "الكنبة" إذ تتخذ القرارات المهمة خلال الاجتماعات غير الرسمية التي يعقدها بلير في "10 داونينغ ستريت".
وشكل تعيين السفير البريطاني السابق في إسرائيل سيمون ماك دونالد في منصب مستشار غوردون براون في السياسة الخارجية ليحل محل مستشار بلير السير نيغيل شاينوولد، أحد التعيينات المهمة. وكان ماك دونالد، الذي يبلغ من العمر 46 سنة، سفيراً في إسرائيل من العام 2003 إلى العام 2006، وهو شغل حالياً منصب رئيس مكتب العراق في وزارة الخارجية. وأشارت صحيفة "هآرتس" الى رضى المصادر السياسية في القدس عن تعيين ماك دونالد لأنه "صديق لإسرائيل". وأضافت إن وزارة الخارجية ومكتب رئيس الوزراء في القدس "يقدّران كثيراً ماك دونالد". وهو يعتبر أحد الموفدين الخارجيين الأكثر نفوذاً الذين يعيّنون في إسرائيل كما أنه يتواصل بشكل جيد مع أصحاب القرار في إسرائيل، واعتبرت المصادر السياسية الإسرائيلية تعيينه "إشارة الى أن بريطانيا ستكمل سياستها الإيجابية إزاء إسرائيل".
من جهة أخرى، رحب المجتمع اليهودي البريطاني بوصول براون إلى رئاسة الوزراء. فهو مقرب من الحاخام الكبير "جوناثان ساكس" كما كتب مقدمة النسخة الورقية لكتاب ساكس "سياسة الأمل". وأعلن براون أن الكتاب "أثر بشكل كبير في طريقة تفكيره". وفي شباط (فبراير) الماضي عيّن براون إبنة الحاخام غيلدا ساكس التي تبلغ من العمر 24 سنة، مستشارة خاصة. وقالت وزارة المال ان غيلدا ساكس عُينت بسبب خبرتها في التنمية الإستراتيجية.
وفي نيسان (أبريل) ألقى براون خطاباً في العشاء السنوي الذي يقيمه اللوبي المنبثق من حزب العمال والذي يدعى "أصدقاء إسرائيل"، كما حلّ ضيف شرف في العشاء السنوي لمجلس النواب البريطانيين اليهود. وغالباً ما يتكلّم براون عن كيفية تعرفه على إسرائيل عندما كان ولداً لأن والده الذي كان كاهناً في كنيسة اسكوتلندا كان يزور إسرائيل مرتين في السنة. وقال متوجهاً إلى مجلس النواب البريطانيين اليهود، "ستبقى بريطانيا، وهي الصديق القديم الداعم لإسرائيل، صديقة حقيقية ودائمة في الأوقات الجيدة والعصيبة على حد سواء، ولن نساوم في علاقتنا على المصالح السياسية."
وتثير المقاطعة الأكاديمية البريطانية لإسرائيل حالياً جدلاً واسعاً. وفي هذا الصدد قال براون خلال عشاء مجلس النواب البريطانيين اليهود: "أرفض احتمال مقاطعة إسرائيل والمجتمع الأكاديمي الإسرائيلي". ومن المعروف ان براون يدعم المؤسسة التربوية للمحرقة اليهودية وخلال عشاء المؤسسة السنوي في أيلول (سبتمبر) الماضي، حصل على جائزة خاصة. وفي العام 2006 قدم 1.5 مليون جنيه استرليني هبة للسماح للمؤسسة التربوية للمحرقة اليهودية باصطحاب تلميذين من كل مدرسة ثانوية في بريطانيا ومن الجامعة لزيارة معسكر الاعتقال في أوشفيتز.
وفي العشاء السنوي لمجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، أعلن براون إن وزارة الخزانة البريطانية ومؤسسة "بيرز" ستساهمان بمبلغ 250000 جنيه إسترليني على مدى ثلاث سنوات لتدريب المعلمين في المؤسسة التربوية للمحرقة اليهودية. وأضاف أن "أي اقتراح يقضي بإلغاء المحرقة اليهودية من المنهج الدراسي هو هراء." مشدداً على ضرورة وجود التزام قوي لمحاربة معاداة السامية.
ويعتبر السير رونالد كوهين، الذي وُلد في مصر لعائلة يهودية من حلب ومن والدة إنكليزية (سونيا دويك)، أحد مستشاري براون المقربين. ومعروف عن كوهين أنه "عميد رأس المال المغامر في بريطانيا، وتُقدّر ثروته بحوالى 250 مليون جنيه إسترليني. وفي العام 2004، كان رابع أكبر الداعمين لحزب العمال، وفي العام 2005 بدأ بتمويل حملة غوردن براون ليكون الزعيم المقبل للحزب (زوجة السير رونالد الثالثة شارون هاريل كوهين هي إبنة يوسي هاريل، العضو في المنظمة اليهودية "هاغانا" وكان قائد سفينة الناجين من المحرقة اليهودية "إكزودوس"). وللتوضيح، فإن السير رونالد كوهين هو مؤسس ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "بورتلاند"، وهي مؤسسة بريطانية لا تتوخى الربح وتهدف إلى تعزيز السلام الفلسطيني - الإسرائيلي عبر التنمية الاقتصادية. وهي تعمل مع مجموعة من الشركاء ومنهم الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. وفي عشاء مجلس النواب البريطانيين اليهود، قال براون: "نحن مستعدون للعمل مع الآخرين، ومن ضمنهم مؤسسة "بورتلاند"، لإطلاق خريطة طريق سياسية مع خريطة طريق اقتصادية."
وعندما حلّ غوردن براون ضيفاً محاضراً خلال عشاء "جوائز الأخبار الإسلامية للتفوق" في لندن في آذار (مارس) 2005، نوّه بالمساهمة الهائلة التي قام بها البريطانيون المسلمون في نجاح بريطانيا. ووصف المسلمين البريطانيين بأنهم "أبطالنا العصريون، فهم يتمسكون بالمثل الرفيعة ويتحملون الأعباء ويجلبون الأمل إلينا جميعاً".
لكن، منذ ذلك الوقت، باتت حياة المسلمين في بريطانيا أكثر صعوبة نتيجة التفجيرات الانتحارية في لندن في 7 تموز (يوليو) 2005 واكتشاف مؤامرات إرهابية. ولطالما شدد براون على الهوية البريطانية والقيم البريطانية المشتركة، ومن المتوقع أن يدعم ويطور السياسات الخاصة بمحاربة التطرف عبر خفض التمييز العنصري وزيادة التماسك الاجتماعي.
ويخطط براون لإرساء إجراءات محاربة الإرهاب وسيعمد إلى إحياء الاقتراحات الآيلة الى زيادة فترة احتجاز أي مشتبه به بالإرهاب من دون محاكمة ورفعها من 28 إلى 90 يوماً. كما سيدعو إلى إعادة النظر في القوانين التي تنص على عدم جواز استخدام الدلائل التي يتم الحصول عليها من التنصّت على الهاتف، في المحكمة. لكن براون شدد أيضاً على ضمان الحريات المدنية، وقال إن المحكمة والبرلمان سيشرفان بشكل أكبر على الإجراءات التي سيتم اقتراحها لمحاربة الإرهاب.
صحافية بريطانية.