الأفارقة في جدة السعودية: قنابل موقوتة تعبث بمفاصل المدينة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أوادم.. في شوارعنا الخلفية! قصة الجاليات الأفريقية غير النظامية في المنطقة الغربية
ينتشرون في ساعات الصباح الأولى باحثين عن أي شيء يمكن تحويله إلى ريالات يسدون بها غائلة حياتهم
جدة - عمر المضواحي
تاريخيا كان وجود الأفارقة خصوصا المنحدرين من قبائل الهوسا والفلاتة والبرنو جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي في السعودية. وكان السكان الأصليون يتزوجون منهم أو يتسرى الأغنياء في عصر الرقيق بالجواري السمر أيام كان الرق أمرا واقعا ومعمولا به قبل أن يبطله الملك فيصل بن عبدالعزيز في عام 1962. وليس غريبا أن ترى بعض أبناء أكبر العوائل الحجازية شديدي السمرة كونهم من أم أفريقية.
يشير الباحث الأكاديمي الدكتور عمر عبدالله كامل إلى أن شبه الجزيرة العربية بطبيعتها الجغرافية القاسية طاردة للسكان، كونها كانت تفتقر إلى مقومات العيش المستمر، وعبر الحقب الزمنية الماضية كانت جزيرة العرب كلما تكتظ بالسكان تبدأ الهجرات منها إلى مختلف بقاع العالم.
ويضيف "عندما ظهر البترول أصبحت جاذبة للسكان ومقومات العيش، خصوصا عندما ارتفع سعر البترول في عام 1967 ، وبسبب التنمية التي حدثت بفعل الدخول المالية العالية من البترول أصبح هناك طلب كبير على الأيدي العاملة. في البداية كان الحجاج والمعتمرون يتخلفون عن العودة إلى بلادهم كونهم يجدون فرص عمل جيدة، وهكذا استمر الحال نظرا لازدياد الطلب والاحتياج، وتشكلت النواة الأولى للمشكلة التي نحن بصددها الآن".
فيما يؤكد الخبير الاجتماعي مدير مكتب الشؤون الاجتماعية إحسان طيب سابقا في جدة " في الحجاز كان حضور الأفارقة في صورة الحياة اليومية أمرا طبيعيا لا يثير الريبة، ولا يتحسس أحد من الحديث معهم أو مخالطتهم، والاستعانة بهم في مهن احتكروها على مدى عقود طويلة، تميزوا فيها بالجد والمثابرة، والأمانة في تنفيذ ما يوكل لهم من أعمال أغلبها تحتاج إلى جهد بدني وعضلي وافر، وقدرة على تحمل أعمال شاقة لا يطيقها غيرهم". يضيف"كانوا من أهل الديانة والأمانة والصلاح والخوف من الله، وليس مثل الجاليات الأفريقية التي نعرفها الآن، لقد اختلط الحابل بالنابل وأصبحوا خطرا من كل شكل ولون".
وارتبط وجود الأفارقة في الذاكرة المجتمعية للأهالي في المنطقة بالطيبة والتسامح والقلوب البيضاء. وكانت بسطات (الحجات) المتواضعة، هي البقالة المفضلة آنذاك للصغار والكبار معا.
كانت قطع القماش المفروشة على الأرض لغزا غامضا يذكر دائما بقبعة ساحر السيرك. كل شيء موجود بداخلها، فقط تدس (الحجة ميمونة) يدها في هذا الكيس أو تلك الصرة لتخرج للطفل ما يريد. لوز وحبوب البقوليات بأنواعها، وحلويات السكاكر والليمونيات والسمسميات، وألعاب صغيرة للأولاد والبنات، حتى إنك تجد مراهم منوعة ضد الصداع أمراض الروماتيزم وغيرها مما لا يخطر على البال. وتظل حلاوة أبو بقرة (Cream Fudge) الشهيرة عبر أجيال أكثر الصور الذهنية وضوحا لمرحلة الطفولة، وأزقة الأحياء القديمة في منطقة الحجاز.
أما الآن، فإن كل ما يعرف عن الأفارقة الذين ينحدرون من دول عدة، أنهم ينتشرون في ساعات الصباح الأولى في كل مفاصل المدينة. يبحثون عن كل شيء وأي شيء يمكن تحويله إلى ريالات قليلة يسدون بها غائلة حياتهم اليومية، ومع حلول المساء، يختفون فجأة من مسرح أنوار المدينة، ويمضون حياتهم تحت سقوف البيوت المهجورة، وظلال الأزقة الضيقة، بين مرّ الواقع المعاش، والخوف من مستقبل لا يحمل أي بشائر لانفراج أزمتهم القديمة.
معظم النساء الأفريقيات يعملن في الخدمة المنزلية وبيع الخردوات والمواد الاستهلاكية البسيطة في الأسواق الشعبية وعلى نواصي المجمعات التجارية والمدارس الحكومية، وباحات المساجد، وكل مكان تزدحم فيه الأقدام. فيما تنتشر أخريات، خصوصا في ساعات النهار الباكر، وينشطن في جمع النفايات الورقية وعلب المشروبات الغازية، ليقمن ببيعها بثمن بخس لوكلاء محليين يتعاملون مع المصانع المحلية، وهن لا يتعرضن بسبب التقاليد السائدة لاستهداف رجال شرطة الترحيل والجوازات بنفس ما يتعرض له الرجال منهم.
أما الرجال فيختبئون عادة عن شمس النهار، خوفا من دوريات شرطة الترحيل، ويشعرون دائما أنهم ملاحقون، وبأن الأعين عليهم مفتوحة دائما. أكبر خوفهم هو القبض عليهم وترحيلهم الى بلادهم الأصلية التي لا يعرفونها، ومن عرفها لا يرغب في العودة إليها.
هم لا يستطيعون العمل بشكل نظامي، ومن وجد فرصة عمل كغسيل السيارات أو ورش الصيانة الشعبية، أو تركيب الأطباق اللاقطة للفضائيات، وترويج بطاقات قنوات الجنس المشفرة، فإنها عادة لا تدر عليه إلا دخلا قليلا. في المساء يخرجون على شكل مجموعات، أجسامهم مفتولة العضلات، يرتدون ملابس رثة، غير متعلمين، ويعانون من الفراغ، وليس لديهم أي مصدر دخل ثابت، تجمعاتهم دائما ما تكون في الشوارع الخلفية، وتحت الأنوار الخافتة، ويمضون أوقاتهم في العراك والمناوشات الكلامية بينهم.
في السنوات الأخيرة تغيرت الصورة، وحدث فيها تشويه وشق يتسع يوما بعد آخر على الراتق، بعد أن اختلط حابل التكارنة بنابل الجنسيات الأفريقية الأخرى ذوات البشرة السمراء والملامح الزنجية. وبات من يحمل بشرة سمراء يعاني من لعنة لا تفارقه، فهو متهم إلى أن تثبت براءته. والجميع في سلة واحدة، وفي إطار صورة مغرقة في التخويف والنفور منهم.
بعد انتشار صفحات وأبواب الجريمة والحوادث في معظم الصحف المحلية في السنوات الأخيرة، لفتت النظر، وعلى نطاق واسع، تزايد حضور أصحاب البشرة السمراء في عالم الجريمة، خصوصا فيما يتعلق بأعمال السلب والنهب والعنف ضد الآخرين، الأمر الذي كرس الصورة الذهنية تجاه هذه العرق، وعمق الإحساس بالحذر منه.
يرصد إحسان طيب بعض نتائج هذه الظاهرة بقوله "" إن خطورة وجودهم بهذه الأوضاع التي يعيشون فيها جعل منهم قنابل موقوتة. لو اطلعنا على إحصائيات أقسام الشرطة سنجد أن نحو 40% من الجرائم لم يتوصلوا إلى فاعلها، وأن ما بين 50 ـ 60% من جرائم السرقة تسجل ضد مجهول. نحن نعيش الآن في مشكلة حقيقية، والأخطر أننا في المستقبل لن نستطيع أن نسيطر على الوضع أبدا".
وبالعودة إلى مديرية شرطة منطقة مكة المكرمة للمشاركة في هذا الموضوع، وإيضاح الأبعاد الأمنية لهذه الظاهرة، إلا أنهم اعتذروا عن المشاركة أو الإجابة على الأسئلة المرسلة بهذا الشأن بتاريخ 27 مايو الماضي.
ويبدو أن الجاليات الأفريقية المتخلفة وجدت بيضة القبان في عملية التسول لمواجهة صعوبة أوضاعهم المعيشية. وباتت ظاهرة التسول من بين أكبر الإشكاليات التي أفرزها وجودهم في المجتمع. فمن اللافت تجمهرهم رجالا ونساء الدائم أمام بيوت رجال الأعمال والموسرين، ومقرات الجمعيات الخيرية في كل أحياء المدينة، وانتشاؤهم في الشوارع وعند إشارات المرور مع تزايد حضور ذوي العاهات الجسدية، والنساء المتسولات مصحوبات بأطفال رضع أو صغار في السن لاستعطاف المارة وحثهم على التبرع بما تجود بهم أنفسهم. وهي ظاهرة أعيت كل الحلول والجهود التي تقوم بها الأجهزة المختصة، كالشؤون الاجتماعية، والجوازات، وغيرهم، لكون من يتم القبض عليهم وترحيلهم، يعودون مرة أخرى لممارسة التسول.
ومن الواضح أن هذه الجاليات اهتبلت الفرصة بعد أن ضيق الخناق في السنوات الأخيرة على عمليات جمع التبرعات النقدية للجمعيات الخيرية.
أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة الدكتور ياسين الجفري يطالب وزارة الشؤون الاجتماعية أن تقوم بمسؤولياتها في المرحلة المقبلة، للحد من ظاهرة التسول، وتسهيل طرق الإنفاق الخيري لصالح الجمعيات الخيرية و لدعم مشاريع خيرية تفيد مجتمع المتبرعين كمكافحة أمراض مستعصية أو للأطفال ذوي الحاجات الخاصة أو دور العجزة ونحو ذلك، حتى يطمئن المتبرعون على مصير أموالهم ومصارفها الحقيقية.
أكد أن للتبرعات"الصغيرة" دورا اقتصاديا واجتماعيا هام لأنها صورة من صور التعاون والترابط في المجتمع ويعكس خيريته، كما أنها توفر فرصة لا بديل عنها لكثير من الناس تساعدهم على حفظ ماء وجوههم عن التسول.
من جهته يؤكد مدير العلاقات العامة بوزارة الشؤون الاجتماعية في الرياض سعيد الأسمري أن مواجهة هذه الظاهرة تشترك في مسؤوليتها عدد من الوزارات والجهات الحكومية، وأن الجهود المبذولة يجب أن تتكامل للقضاء عليها. مشيرا إلى أن الوزارة تقوم بشكل سنوي بجهود كبيرة للحد منها، إلى جانب قيامها بعمل دراسات وإحصاءات مفصلة تساعد الباحثين والمهتمين للحد منها ومن تأثيراتها على المجتمع السعودي. مبينا أن ظاهرة التسول تنتشر بشكل لافت في أوساط الجالية التشادية، خصوصا في منطقة مكة المكرمة بحسب إحصاءات العام المنصرم.