لماذا أصبحت غزة أرضاً خصبة للشباب الغاضبين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
غونار هينسوهن - الفايننشال تايمز
يوم الحادي عشر من أيلول-سبتمبر من عام 2005 غادرت إسرائيل قطاع غزة. وفي اليوم التالي تم إحراق أربعة كنس يهودية، واحتفل حشد من الشباب الجذل من حركتي حماس وفتح بهذه الأفعال التي اعتبروها مجرد إشعال نار في الهواء الطلق للاحتفال بمستقبل فلسطين المستقلة.
وبعد ثمانية عشر شهرا كان مقاتلون من التنظيمين ما يزالون يتعاونون في شن هجمات على جارهم المكروه. ومع حلول شهر حزيران - يونيو من عام 2007 كانت صواريخهم "القسام" قد قتلت 11 إسرائيليا. وفي نفس تلك الفترة ذهب نحو 600 فلسطيني ضحايا لأعمال اقتتال داخلي مرير وأصيب آلاف آخرون بجروح، فيما عانى نصف الشعب من سلسلة غير متوقعة من عمليات القتل الثأري. وبينما كانوا يخفون وجوههم خلف الأقنعة، كان حتى الأخوة يصرعون بعضهم بعضا.
لمن يوجه اللوم عن كل هذا العنف والقتال؟ ثمة عدة إجابات على ذلك. لكن ما يستحق أن يلاحظ حقيقة هو أن أحمد يوسف، وهو من كبار رجالات حماس ومستشار سياسي لإسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني (المقال) لا ينحو باللائمة عن مشاكل غزة، لا على "اليهود" ولا على الافتقار إلى الإيمان الديني في صفوف معارضيه العلمانيين في حركة فتح.
في أيار - مايو 2007، كان يوسف قد قال لصحيفة الأهرام المصرية إن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم قدرة كل من فتح وحماس على "ضبط رجالهم في الشوارع". ولكن، لماذا خرج العنف من عقال السيطرة في ثقافة تعتبر فيها الطاعة فضيلة لا تقبل المساءلة. لعل الجواب يكمن في نوع آخر من الانفجار.
ما فتئت غزة تشهد تعاظما ديمغرافيا لا يظهر أي مؤشر على التوقف. ففيما بين عام 1950 و 2007، قفز عدد السكان فيها من 240000 نسمة إلى حوالي 1.5 مليون نسمة. فكيف يمكن لمثل هذا النمو السريع أن يتم في مساحة أرض صغيرة لا تمتلك اقتصادا تعتاش منه؟ لقد تحقق ذلك الإنجاز الاستثنائي بفضل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى التابعة للأمم المتحدة (اونروا)، والتي تعامل طبقا للقانون الدولي كل قاطن في غزة كلاجئ. وهي تقدم المأوى والدراسة والتطبيب لكل وليد جديد سواء أكان أول طفل أو عاشر أخ.
نتيجة لسياسات الانروا وبرامجها، تحولت الأغلبية اليهودية في إسرائيل والأراضي المحتلة إلى أقلية. وبينما يتمتع اليهود بتفوق سكاني في فئة عمر ما فوق الستين بمعدل ثلاثة إلى واحد، فإنهم يفقدون الأرضية في الأجيال الأصغر سنا، والتي ستخوض الحروب في العقود المقبلة. وفي عام 2005 كان هناك 640000 فتى يهودي تحت سن 15 في مقابل 1.1 مليون من نظرائهم في الشريحة العربية، والعديد من اليهود الشباب هم أبناء عائلاتهم الوحيدون والذين يركزون على المهن المستقبلية. وفي المقابل، فإن أكثر من ثلثي الفتيان العرب هم الإخوة الثاني والثالث وحتى الرابع. وليس بمقدور آبائهم ولا الاونروا تخصيص أي ممتلكات لهم أو إعدادهم لاحتلال مكان لائق في الحياة.
يمكننا أن نأخذ السيد هنية على سبيل المثال، والذي كان قد ولد في عام 1962 وتربى بفضل أموال المساعدات الغربية. وهو والد لثلاثة عشر ابناً. وفي فئة هنية العمرية الممتدة بين 45 و59 سنة، هناك نحو 46000 رجل في غزة في عام 2007. أما في الفئة العمرية من صفر إلى 14 عاماً، فإن هناك 343000 فتى. أما في الولايات المتحدة، فإن كل 1000 رجل في الفئة العمرية بين 45 إلى 49 عاماً لا يتعدى عدد أولادهم من الفتيان 945 في الفئة العمرية ما بين صفر و4 سنوات. وبالنسبة لليهود الإسرائيليين، فإن المعدل هو حوالي 1000 إلى 1500. ومع ذلك، فإن كل 1000 رجل في غزة ما بين سن 45 إلى 49 عاماً لهم حوالي 6200 فتى من سن صفر إلى أربع سنوات.
لو قدر لسكان الولايات المتحدة أن يتضاعفوا عشوائياً بنفس معدل تضاعف سكان غزة، لكان عدد سكان الولايات المتحدة قد ارتفع من 152 مليون نسمة في عام 1950 إلى 945 مليون نسمة في عام 2007. وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف عدد سكانها الحالي البالغ 301 مليون نسمة. وكانت لتكون موطنا ليس لـ31 مليون ذكر في سن القتال التقليدي بين 15 و29 عاماً، وإنما لـ120 مليون ذكر من هذه الفئة. في مواجهة مثل هذا التفجر السكاني، هل كانت لتتوفر لدى ساسة أميركا ومنظماتها الثقافية القدرة على "ضبط رجالاتهم في الشوارع؟".
خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة، سيجوب عدد اكبر بكثير من الشباب الذكور الغاضبين شوارع فلسطين، بسبب عيب ولادة في عملية سلام عرفات ورابين. كان يجب أن يكون تعهد غربي بدعم كافة الأطفال المولودين أصلاً، ولكن مع استثناء الأطفال الفلسطينيين المولودين بعد 1992، والعمل على وقف بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة بالتزامن، كان يجب أن يكون ذلك هو الخطوة الأولى لعملية أوسلو. وكما في الجزائر وتونس حيث انخفض إجمالي الخصوبة من 7 إلى أقل من 2 وحيث توقف الإرهاب، فقد كان يمكن لغزة في عام 2007 أن ترى كافة فتيانها الذين سيبلغون 15 سنة من العمر وهم الأبناء الوحيدون لآبائهم. وبذلك يكون لديهم حافز أقل لقتل أبناء شعبهم أو لقتل الإسرائيليين. ومع ذلك تظل نسبة الخصوبة في غزة اليوم قريبة من 6.
سوف يستمر هذا التسلح الديمغرافي بإنتاج أعداد ضخمة من الشباب الذين لا توجد أمامهم فرص عمل، ولا مكان لهم في المجتمع، والذين سيكون أملهم الوحيد هو القتال من أجلهما.