تنازلات كردية لمنع الغزو التركي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هدى الحسيني
هناك سباق في المنطقة استعداداً لشهر ايلول (سبتمبر) حيث سيقدم الجنرال دايفيد بيترايوس القائد العسكري المسؤول عن تطبيق الخطة الامنية في العراق، تقريره الى الكونغرس الاميركي، وبعد ذلك تقرر الادارة الاميركية خطواتها التالية.
ورغم بعض النجاحات التكتيكية للقوات الاميركية في العراق، حيث يعلن الجنرالات هناك عن مقتل مقاتلين من "القاعدة" حاولوا شن هجوم على بغداد، الا ان الناخبين الاميركيين يزدادون قناعة بأن القوات الاميركية غير قادرة على اعادة الاستقرار للعراق. وإذا كانت الهجمات بالسيارات المفخخة تقلصت الا ان عدد الجثث التي تستقبلها المستشفيات العراقية كل يوم، في ازدياد، وكلها مصابة بطلقات نارية عن قرب.
ومع تماهي الوهم السياسي الذي يدفع الى التفكير المتزايد بالانسحاب من العراق، تكشف استفتاءات الرأي العام في اميركا، ان نزيف الجرح العراقي وصل الى كافة الولايات، وحسب آخر استفتاء اجري في الاسبوع الاول من هذا الشهر، تبين ان نسبة 71% من الاميركيين يرون ان الحملة العراقية تسير بشكل "سيىء الى سيىء جداً"، وان الاغلبية تؤيد بشدة جدولة الانسحاب. ومع ضعف الاحتمالات بانسحاب كبير للقوات الاميركية قبل ان يغادر الرئيس جورج دبليو بوش البيت الابيض، فان المؤشرات المتوفرة، حتى الآن ترجح ان الانسحاب سيحصل قبل ان تحقق الولايات المتحدة اهدافها الاستراتيجية، خصوصاً ان اقامة القواعد العسكرية لا تدخل وحدها في خانة تلك الاهداف.
ان التلويح بالانسحاب دفع الكثير من الدول المجاورة للعراق، الى التفكير باتخاذ قرارات تحافظ فيها على مصالحها. وتعلق هذه الدول آمالها على احتمالين. الاول، ان تنجح الخطة الامنية الاميركية فيتقلص الارهاب، وهذا مستبعد، والثاني، ان تزداد الاوضاع سوءاً ويزداد العنف اثناء الصيف بسبب ارتفاع الحرارة (اغلبية الانقلابات العسكرية في العراق وقعت في شهر تموز/ يوليو).
وإذا ازداد العنف، فعلى الادارة الاميركية اجراء تغييرات، منها تخفيض عدد القوات لأن عليها تقديم ايضاحات للكونغرس، بعدها على "العالم" انتظار الانتخابات الرئاسية. اذن، من ايلول (سبتمبر) حتى موعد الانتخابات الرئاسية سيكون "العالم" على حافة هاوية، فإذا تقلص عدد الجنود الاميركيين سيزداد العنف، ومع تقدم الانسحاب الاميركي ولو ببطء، سيزداد الارهاب في العراق، وإذا اخطأ الاميركيون وحددوا موعداً لانسحاب قواتهم سيكثف المقاتلون من عملياتهم. ولا يرى الكثير من المراقبين السياسيين مستقبلاً ايجابياً.
قد تكون الايجابية الوحيدة، ان الادارة الاميركية بدأت تعترف بواقع الامر، ويعود الفضل في ذلك الى وزير الدفاع الاميركي الجديد روبرت غيتس، فهو واقعي، وبعيد عن الايديولوجية عكس سلفه دونالد رامسفيلد. لقد غير غيتس لغة النقاش حول العراق في واشنطن، كما وجه ضباطه للبدء في التخطيط لما يمكن ان يحدث اذا لم تعط الخطة الامنية النتائج المتوخاة منها. ويذكر انه لأشهر خلت، ما كان اي مسؤول في الادارة الاميركية يعترف حتى بمجرد احتمال الفشل.
التفكير الاميركي الجديد اقلق تركيا مثلاً اكثر مما اقلق سوريا او ايران. والدور السوري في العراق يختلف عن الدور الايراني، وتقول سوريا انها ستحمي الحدود مع العراق، لكنها ان فعلت فبطريقة مدروسة ومحدودة، والجهاديون العرب مقرهم في سوريا، يتدربون فيها ويعبرون الحدود، وكما قال لي مصدر اميركي: "ان المتطوعين العرب لا يدخلون العراق من ايران، بل من سوريا، والحدود السورية مشكلة كبرى".
اما تركيا فإنها مشكلة معقدة والاهم عند الاتراك: حزب العمال الكردستاني ومستقبل كركوك. وتهدد تركيا، عبر حشد قواتها على الحدود العراقية بالغزو للاقتصاص من حزب العمال الكردستاني. ولفت الانظار في الاسبوع الماضي، القرار الذي اصدرته القيادة العسكرية التركية بأن منعت "مؤقتاً" اي استقالة او تقاعد في صفوف الضباط في ظل تكثيف الحشود العسكرية على الحدود. بعد اصدار هذا القرار اسرع السفير الاميركي في انقره روس ويلسون الى طلب الاجتماع بوزير الدولة التركي عبد اللطيف سينير، وجاء اللقاء ايضاً اثر اجتماع رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان مع كبار القادة العسكريين، ولم يستبعد اردوغان قيام انقرة بإجراء عسكري عبر الحدود اذا اقتضت الضرورة ذلك.
وتشعر تركيا بقلق كبير بسبب شمال العراق، والأتراك حساسون من كلمة "كردستان" ويفضلون: المنطقة الكردية، وسبب القلق التركي هو مصير التركمان في العراق، وأيضا التخوف من امكانية ان تدفع دولة كردية مستقلة شمال العراق، اكراد تركيا للانفصال. وقد بدأ هؤلاء يشعرون بنوع من الزخم، اذ قال زعيم حزب العمال الكردستاني جميل باييك: "ان تركيا لا يمكنها ان تنتصر بمقاتلة حزب العمال الكردستاني، والمفاوضات هي الطريقة الوحيدة لحل هذا الصراع".
ستزداد حدة التصريحات النارية، لأن السياسيين الاتراك مع استعدادهم لخوض الانتخابات النيابية في 22 من الشهر المقبل، يحتاجون الى رفع سقف تهديداتهم لحزب العمال الكردستاني. لكن قلق انقرة يتركز ايضاً على الاستفتاء المقبل الذي سيحدد مصير مدينة كركوك ذات الكثافة الكردية مع وجود اقلية تركمانية واحتياطي نفطي كبير. ويهدد الاتراك من ان ضم كركوك الى "الشمال الكردي" في العراق سيعتبر بمثابة "اعلان الحرب" على تركيا، لأن استقلال اكراد العراق لا يهدد فقط سيادة العراق بنظرهم، بل يهدد سيادة ووحدة اراضي تركيا ايضاً.
وحسب الدستور العراقي، يجب اجراء استفتاء مع نهاية هذا العام لتحديد مصير كركوك. لكن، يعتقد مصدر غربي مطلع "ان الاستفتاء لن يجري هذا العام، رغم اصرار جلال طالباني (الرئيس العراقي) ومسعود البرزاني (رئيس اقليم كردستان)، لادراكهما بأن الاصرار لن يجدي نفعاً، ويمكنهما الانتظار عاماً آخر طالما ان كركوك سيجري ضمها في النهاية الى كردستان". ويضيف محدثي: "ان الزعيمين الكرديين لعبا لعبة ذكية جداً، فكانا الاكثر استفادة من الصراع الدموي بين السنة والشيعة العرب". ويقول: "ان طالباني والبرزاني يتعاونان بنجاح على الرغم من ان المنافسة بينهما قائمة تحت السطح، وقد نجحا في جلب اكراد الى كركوك وإخلاء العرب منها، لذلك، عندما يجري الاستفتاء سينال الاكراد الاغلبية. بعدها، لا بد ان يمهد انضمام كركوك الى كردستان العراق، الطريق لاستقلال اكراد تركيا، او على الاقل للبدء في مطالبتهم بالاستقلال".
وحسب المصدر الغربي: "فان اكراد العراق لا يستطيعون التحكم في جبال قنديل حيث نشاط حزب العمال الكردستاني، كما انهم لا يريدون ذلك، وتطالب تركيا بان تقصف القوات الاميركية مواقع حزب العمال الكردستاني وترى اميركا انها هي الاخرى لا تريد فعل شيء في هذا الخصوص لأن مشاكلها في العراق كثيرة، ولهذا تتراجع العلاقات التركية ـ الاميركية". ويضيف: "ان اكراد العراق، وبالذات البرزاني، كون جبال قنديل تابعة لمنطقته، لن يشن حرباً من اجل تركيا، ثم انها ورقة في يده، يحركها اذا ما اشتد التوتر بينه وبين انقرة، وقد حصل".
ويستبعد محدثي المصدر الغربي، ان تغزو القوات التركية شمال العراق، فهي "ربما تقوم بعمليات كر وفر على الحدود لتذكير حزب العمال الكردستاني بقوة الجيش التركي، لكن تركيا ستمتنع عن القيام بعملية غزو ضخمة رغم ان الموانع التي كانت تمنعها سابقاً من الغزو ضعفت الآن، ومن تلك المواقع: الانضمام الى اوروبا. ويشعر الاتراك بأن هذا ليس بالأمر السهل، وهناك العلاقة بين انقرة وواشنطن التي تزداد سوءاً، لذلك لم يعد الاتراك مضطرين لأخذها بعين الاعتبار كما في الماضي، ان الجو للغزو مؤات اكثر من السابق، لكنني لا اظن بأن تركيا ستغزو شمال العراق".
واسأله: لنفترض ان تركيا غزت شمال العراق؟ يجيب: "سيقلق الاكراد كثيراً، خصوصاً ان البرزاني لا يريد التدخل لدى حزب العمال الكردستاني، لأن الاكراد يعانون من ذكريات سيئة بسبب الحروب الاهلية، ولا يريدون الوقوف الى جانب احد في حروب الاكراد الداخلية، ثم انه ليس هناك من علاقات خاصة بين اكراد العراق وحزب العمال الكردستاني، بل نوع من التضامن، وأكراد العراق غير مهتمين بالقتال ضد حزب العمال الكردستاني، لأنه يهدد استقرار منطقتهم، يريدون ابقاء الوضع على حاله، ويقلقهم اي هجوم تركي كونه سيزعزع الاستقرار في المنطقة". ويؤكد محدثي: "ان الاكراد سيبذلون الجهد لمنع حدوث غزو، قد يقدمون بعض التنازلات لمنع ذلك".
واسأل محدثي، اذا تجاوزنا كركوك، واحتمال الغزو التركي تبقى الموصل التي قد تتحول في المستقبل الى نقطة ساخنة لتجمع "القاعدة" والجهاديين ضد كردستان. يجيب: "ان هذا ما يحصل، اذ بدأ مقاتلو "القاعدة" والمتمردون السنة بطرد الاكراد من الموصل، لكن، لا اعتقد ان الاكراد يطالبون بالموصل رغم وجود مقاتلي البيشمركة فيها مع وجود "القاعدة" و"انصار الاسلام" لكن البيشمركة اكثر قوة وبأساً، هم ابناء المنطقة ويمنعون "القاعدة" من العبور الى كردستان، انما احد اهداف "القاعدة"، شن الهجوم من الموصل لزعزعة استقرار كردستان". ويشير محدثي الى الدور الايراني في شمال العراق فيقول: "ان ايران ترتبط بعلاقات جيدة مع طالباني، لأنه على المدى المتوسط اي ما بين 5 الى 6 سنوات، ومع افتراض ان الاميركيين سحبوا العدد الاكبر من قواتهم، وابقوا على وجود لهم على الحدود وفي قواعد متفرقة منها قواعد في كردستان، لوقف الارهاب وحماية الحدود، عندها سوف يستنزف الشيعة والسنة العرب بعضهم البعض، والأكراد سيبقون على الحياد، وبعد سنوات، لا بد ان يتفق الشيعة والسنة العرب على حل سياسي، ولن يكون العراق مقسماً انما قائماً على نوع من الفيدرالية".
واسأله: اذا استقر العراق هل تستقر المنطقة؟ يجيب: "ان هذا يعتمد على بقية الدول. ماذا سيحصل في لبنان او بين اسرائيل والفلسطينيين، او في ايران او في الاردن". ويضيف: "لقد زعزع العراق المنطقة، لكن لا اعتقد ان عراقاً مستقراً سيوفر الاستقرار للمنطقة".