3 قاتلات في سجن الرياض وقصص تشتبك فيها الجريمة.. بالرحمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إحصائيات: 403 جرائم قتل في المملكة خلال عام ربعها في مكة
سعودية تورط زوجها بقتل طفلته وبعد حبسه عامين ونصفاً... تعترف
الرياض: سمر المقرن
مضت 6 سنوات من حياة "نورة" التي تجاوزت الخمسين من عمرها في سجن النساء بحي "الملز" الذي أودعت فيه بعد قيامها بدهس زوجة طليقها بالسيارة "الوانيت" التي كانت تقودها بعيدا عن المدن التي يحظر على النساء قيادة السيارة فيها.
ونفس عدد السنوات مضت من حياة ( س. م ) ذات الـ24 عاما، التي اتفقت مع شقيقها الأصغر وبموافقة والدتها التي كانت شاهدا على مسرح الجريمة على قتل شقيقتهما الصغرى ذات الـ15 عاماً. وبعد هذه الجريمة التي لا يشفع فيها الندم، بقي لديهما أمل واحد هو وقوف أهل الخير لإعتاق رقبتها ورقبة شقيقها خصوصاً أن تنفيذ الحكم قد اقترب.
في زيارتي لسجن النساء بالملز التقيت بثلاث قاتلات، كان اتخاذي لقرار هذه الزيارة صعبا. فالقتل جريمة بشعة، كيف لا والقاتل يُخرج نفسا بشرية من جسدها ويوقف استمرار حياة لها محبوها ومن سيكتوون بنار اللوعة لفراقها. زيارتي هذه ولقائي بقاتلات وسماعي للمآسي الحزينة زاد من تصوري لهذا المشهد المرعب القاتم وسط تفاصيل خروج روح عن جسد.
سائقة الـ"وانيت"
بقي لها 6 سنوات أخرى لتكمل الحكم الذي صدر بحقها بالحبس 12 عاما ومن ثم القتل قصاصا. إذ إنها تنتظر حتى يكبر أبناء زوجة طليقها فإما العفو وإما الموت.
لم تعرف "نورة" حياة المدينة، عاشت بفطرتها البدوية بين هضاب الصحاري، تغزل الصوف وتقود سيارتها إلى القرية لتبيع نسيجها وتطعم بهذا الكسب 3 من الأبناء الذكور و 3 من الإناث. تستيقظ قبل أذان الفجر لتسخين الماء الذي يكفيهم للوضوء وتشرع بعدها في تجهيز وجبة الإفطار والقهوة العربية المطبوخة على الحطب.
تروي نورة حكايتها " لم أتوقع يوما أن أكون قاتلة، فبطبيعتي حنونة وتلك المرأة التي قتلتها كانت بالنسبة لي أكثر من أخت. فلم أضمر لها الشر يوما ولم أتمنى لها إلا حياة سعيدة مع أطفالها وزوجها".
وهنا جاءت التفاصيل على لسان نورة، تلك السيدة المتمسكة بتقاليد البداوة فهي لا ترفع البرقع عن وجهها أبدا ومع ذلك كسبت ود واحترام كل العاملات بالسجن وأحبتها السجينات بالرغم من خوف البعض منهن عندما تعرف أن زميلتها مسجونة لأنها قاتلة. وتكمل " خيمتي لا تبعد كثيرا عن خيمة طليقي وزوجته ولذا كان الاحتكاك بين أبنائي وأبنائها بشكل مستمر وكعادة الأطفال والمراهقين تثور بينهم المشاكل التي حاولنا تجاهلها لكن مع الوقت ونتيجة استمرار هذه المناوشات وصلت العلاقة بيني وبين زوجة طليقي حد القطيعة وبقينا على هذا الحال عاماً بأكمله قبل الحادث".
حصلت الجريمة في يوم جمعة عندما كانت نورة تتأهب للذهاب بأبنائها ووالدتها المسنة إلى دار شقيقها في منطقة لا تبعد كثيرا عن التي يعيشون فيها. تقول " كنا قد حزمنا حاجياتنا وأغلقنا خيامنا للذهاب إلى شقيقي والعيش عنده بعد أن ازدادت المشاكل حدة، فقبل هذا اليوم المشؤوم بليلة واحدة كان قد حصل عراك بيني وبين ابنة طليقي الكبرى عندما ذهبت إلى خيمتهم طلبا للقاء القتيلة لأطلب منها إيجاد حل لمشاكل أبنائنا، لكني لم أجدها وأثناء خروجي من خيمتهم فاجأتني ابنة طليقي وهي تضربني على ظهري فتشابكنا بالأيدي، مع أنها لم تكن حاضرة هي الأخرى عندما دخلت على الأطفال أسأل عن والدتهم لكنها سمعت بوجودي فظنت أني جئت لمعاقبة أشقائها الصغار، وبعد هذا الحادث ونتيجة للتراكمات جاء قراري بترك الخيام نهائيا والعيش لدى أخي".
لم يمهلها القدر، هكذا توالت الأحداث سريعا. تضيف : بزغت شمس صباح الجمعة المشؤوم وبدأنا نحمل أغراضنا على سطح السيارة، صعدت والدتي إلى جانبي وأبنائي في الصف الخلفي وكنا سننطلق ونغادر المكان لولا أن أوقفتني والدتي حيث أرادت أن تتأكد من إغلاق خيمتها. في هذه الأثناء تتوقف نورة عن الحديث لأستخرج منها بقية التفاصيل بصعوبة فهي تشعر بالألم والمرارة ولا تريد أن تتكلم كثيرا عن الحادثة، ولولا إيمانها بأن نشر قضيتها في الصحافة سيؤدي لمساعدة أهل الخير لها و أنهم سيدعمون قضيتها لما غامرت أبدا بتذكر التفاصيل.
ومضت تكمل بصعوبة " أثناء نزول والدتي للتأكد من إغلاق الخيمة فوجئت بزوجة طليقي تحمل بيدها ساطوراً ومعها بناتها يسرن جميعا باتجاه والدتي. لا أتذكر جيدا ما حدث كل ما أستطيع تذكره أن السيارة أصبحت تسير وحدها باتجاهها. لم أقصد قتلها ولم أكن أنوي دهسها و لم أتنبه إلا بعد أن وقعت على الأرض " جاء زوجها وقام بنقلها فورا إلى المستشفى ولم تتوف إلا بعد الحادث بأربعة أيام. أما أنا فبقيت حتى جاء رجال الشرطة وأخذوني وتم فتح التحقيق واعترفت بكل ما حدث، ومازلت بانتظار الفرج على أمل أن يعفو عني ذوو القتيلة وأن يتدخل بقضيتي أهل الخير الساعون إلى إعتاق الرقاب طلبا للأجر".
من جهته أكد الابن الأكبر لنورة " الذي طلب عدم ذكر اسمه " أنه على ثقة تامة بعفو أولياء الدم عن والدته، وقال " تحدثت مع أخي - ابن القتيلة الأكبر - حول موضوع التنازل وأكد لي أنهم بصدد التوقيع رسميا على التنازل لكن لديه تخوفاً من أشقائه الآخرين لأنهم لا يزالون صغارا وطلب التمهل والانتظار على الأقل عاماً إلى عامين " وحول موقف والده، أضاف: إنه وعدهم بالتنازل لكنه فضل تأجيل هذا الإجراء، وانتهت المباحثات بوعد بالتنازل على أن يكون مشروطا بمدة تبقى فيها نورة في السجن سنوات قادمة.
القتل غيلة
لا تخاف الموت، هكذا قالت لي عندما وجهت لها سؤالا مباشراً " هل تخافين السيّاف ؟ " وانطلقت تروي حكاية قتل شقيقتها قبل 6 سنوات وكان عمر القتيلة وقتها لم يتجاوز 15 عاماً. بهذه الحكاية نفتح فصلا جديداً لجرائم الشرف المنتشرة في أنحاء العالم العربي والتي عُرف فيها - الرجل - بكونه المنفذ دائما لهذه الجريمة. أما هذه المرة فنجد الأنثى أيضا تشارك في الجريمة خلاصاً من العار الذي توهمت خطأ أنه قد لطخ شرف أسرتها بالسواد. (س. م) تقبع في سجن النساء بالملز منذ 6 سنوات ومعها والدتها وكذلك شقيقها المسجون في سجن الرجال. صدر بحقها وشقيقها حكم بـ( القتل حد الغيلة ) في حين صدر بحق والدتها التي شاركتهما الجريمة الحكم بالسجن 10 سنوات. تروي ( س. م ) البالغة من العمر 24 عاماً تفاصيل تلك الجريمة التي ارتكبتها بحق شقيقتها الصغرى.
تقول " جئنا من الكويت لتقديم واجب العزاء لأحد الأقارب وعند عودتنا بالسيارة إلى حيث جئنا قمنا بفتح النقاش مع شقيقتي حول سلوكياتها التي تحدث لنا عنها الجيران " وعند سؤالها ما هي هذه السلوكيات التي أثارت ذلك الإحساس بالرغبة في الانتقام من تلك الصغيرة. أجابت : كان الجيران يتحدثون عنها بأنها تحادث الشباب. وتكمل : رفعت صوتها علينا أثناء النقاش لدرجة استفزتنا فيها فقام شقيقي بقطع الطريق العام والدخول إلى الصحراء وذلك من أجل إيقاف السيارة وإكمال النقاش. وبعد أن استقرت السيارة في عمق الصحراء ترجلنا وبقيت والدتي في السيارة، وقمت وشقيقي بخنقها بواسطة " الطرحة " حتى توقفت أنفاسها وعدت أنا للسيارة، وبقي هو يسكب على جسدها البنزين ويشعل به النار. وتركنا المكان بعد أن تأكدنا من احتراق الجثة. فعدنا من نفس الطريق إلى منزل أقاربنا وتناقشنا حتى وصلنا إلى اتفاق بالذهاب إلى قسم الشرطة والإبلاغ عن الحادثة.
وعند سؤالها حول إن كانت تشعر بالندم قالت "نعم، فبعد الجريمة قام الطب الشرعي بفحص الجثة وأظهر التقرير بأن شقيقتي عذراء " سألتها، لو لم تكن عذراء هل ستندمين أيضاً ؟ التزمت الصمت وفضلت أن تتحدث في إجراءات القضية.
تختلف (س. م) عن بقية زميلاتها القاتلات فإن كانت الغالبية تشترك في الجهل والبساطة إلا أنها كثيرة الاطلاع وخصوصا في الإجراءات القضائية والشرعية الخاصة بجرائم القتل. أسهبت في شرح أنواع أحكام القتل بعد أن أوضحت بأن الحكم الصادر بحقها وشقيقها من القاضي كان (القتل حد الغيلة) وهذا الحكم هو الذي لا توجد فيه شفاعة وينتظر المحكوم عليه التنفيذ، نُقض بتدخل المحامي، كما أن والدها قد قام بالتنازل عن الحق الخاص وتم تخفيف الحكم و تعديله إلى (القتل تعزيراً ويعتبر هذا الحكم "حقا عاما" وصدقت عليه محكمة التمييز وتم رفعه إلى مجلس القضاء الأعلى. وهذا الحكم لا يمكن لأي أحد أن يتدخل بالشفاعة للمحكوم عليهم سوى ولي أمر البلاد - وكما تقول - أنا لست خائفة من الموت لكني أخشى على والدتي فيكفي أنها فقدت ابنتها وصعب عليها أن تفقد ثلاثة.
وبعد أن انتهى هذا اللقاء حاولنا أن نلتقي بوالدتها لكنها رفضت ذلك بسبب الحالة النفسية المتدهورة التي تمنعها من الحديث عن هذه الجريمة، إذ تؤكد (س. م) على معاناة والدتها النفسية التي على إثرها تتناول جرعات مكثفة من العلاج النفسي والذي يبقيها أغلب الأوقات في حالة نوم مستمر لا تستيقظ خلالها إلا عندما ترى صورة ابنتها القتيلة في أحلامها، فتفزع بالصراخ والبكاء وتعود إلى النوم مرة أخرى. وتوضح (س. م) أن لديها أشقاء يعيشون بالكويت مع أبيها وزوجته ولم ترهم والدتها طيلة هذه السنوات حيث تركت أصغرهم وهو لم يكمل سن الفطام. وعلى الأغلب، فإن قاتلة شقيقتها تنتظر تنفيذ الحكم بقتلها خلال أيام قد تتجاوز نهاية الأسبوع المقبل.
ومن المعروف أنه في قضايا القتل يكون الحق العام هو السجن، ونظراً لاختلافه في هذه القضية تحديدا حيث جاء فيها الحق العام بالقتل إذن اعتبرهم القاضي من المفسدين في الأرض، أوضح المحامي عمر الصعب أن هذا يعود لتقدير القاضي، وقال "عندما يرى القاضي أن الجريمة لم تكن جريمة عادية وكان فيها شيء من البشاعة، وقدر أن هذا القاتل مفسد ولا يستحق الحياة وقتله فيه المصلحة فإنه يحكم بذلك حتى لو تنازل صاحب الدم".
الخلاف بين الفقهاء فيما يوجبه قتل الغيلة
اختلف الفقهاء فيما يوجبه قتل الغيلة، فقال الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية : إنه يوجب القتل قصاصا كسائر أنواع القتل عمدا وعدوانا، وعليه يكون الحق في قتل الجاني لأولياء الدم من ورثة القتيل أو عصبته، فيجب تنفيذه إن اتفقوا على ذلك، ويسقط بعفوهم أو عفو بعضهم. وقال أبو الزناد ومالك وابن تيمية وابن القيم ومن وافقهم : إنه يوجب قتل الجاني حدا لا قودا، فيتولى تنفيذه السلطان أو نائبه، ولا يسقط بعفو أحد، لا السلطان ولا غيره.
جريمتان.. وندم
لم تقصد قتل تلك الطفلة التي تبلغ من العمر 12 عاماً، هذا ما أكدته " فلة " المحبوسة منذ 4 سنوات بعد أن قامت بقتل ابنة زوجها بعد مناوشة تافهة قد تتكرر يوميا في كثير من البيوت. تروي فلة تفاصيل ما حدث رافعة صوتها قائلة "ما كنت أبي أقتلها والله أنا أخاف أقتل الدجاجة" وتكمل: كانت الفتاة تعيش في منزل جدتها وقام زوجي بنقلها إلى منزلنا قبل الحادثة بـ7 أشهر، ومن وقت لآخر يحدث بيني وبينها بعض المشاكل التي سرعان ما تنتهي.
أما المشكلة التي جعلت منها مجرمة فقد كانت بسبب صوت التلفاز العالي عندما كانت الطفلة تتابع مباراة لكرة القدم، فنهرتها لتخفض الصوت فردت عليّ "هذا منزل أبي وليس من حقك أن تتحكمي به" وهنا تداخلت الأصوات العالية فحملت الطفلة زجاجة مشروبات غازية ورمتني بها وشعرت بأني فقدت الوعي للحظات وعندما نهضت باغتها وهي دائرة ظهرها ورميتها بزجاجة المشروبات أيضا على رأسها. تقول فلة "لم يحدث لها أي إصابة حتى إنها لم تفقد الوعي ونظرا لكثرة ما حذرنا زوجي من المشاكل.
وخوفا من أن يعود من عمله خارج مدينة الرياض أنهينا المشكلة سريعا واتفقنا بأن تكون سرا بيننا حتى لا يعاقبنا، وبالفعل مضى اليوم وكانت المشكلة تقريبا في وقت العصر، تناولنا الطعام وشاهدنا التلفاز ونمنا جميعا في الصالة لأن جهاز التكييف في الغرفة كان عطلاناً" وتضيف: استيقظت في الصباح قبل وصول زوجي من عمله بدقائق وبدأت بإيقاظ أطفالي الأربعة وابنة زوجي لكنها لم ترد وكانت شاخصة البصر إلى الأعلى، ظننت أنها تمزح وبدأت أحركها يمينا وشمالا وأناديها وأحذرها بترك هذه التصرفات التي تريد بها إثارتي ومع ذلك لم ترد. لم أكن أعلم أنها فارقت الحياة ووصل زوجي وأخبرته بأن ابنته لا ترد، فحملها فورا وطلب مني مرافقته إلى المستشفى وذهبنا وقام الطبيب بالكشف عليها وأبلغنا بأنها فارقت الحياة جراء نزيف داخلي.
وتدخل فلة بجهلها إلى بوابة جريمة أخرى بعد أن اتصلت بالهاتف من المستشفى بشقيقها لتبلغه ما حدث وتطلب منه المعونة، إلا أنه لقنها - كما تقول - أقوالا مخيفة حيث أكد عليها أن تلقي بالتهمة على زوجها وتعترف عليه بأنه هو من ضرب الطفلة حتى فارقت الحياة، فكانت النتيجة أن ألقت بزوجها في غياهب السجن دون ذنب لمدة عامين ونصف العام. أما هي فقد أفرج عنها بكفالة شقيقها بعد ستة أشهر كانت صامدة خلالها بعدم الاعتراف.
وبسؤالها عن عذاب الضمير، أجابت "نعم تألمت لأني ألبست زوجي التهمة لكني لم أكن مدركة لما كنت أفعل فشقيقي أكد لي أن الأب لا يعاقب لذا رميت التهمة عليه اعتقادا بأنه سيُفرج عنه". وتكمل: كنت الشاهد الوحيد في هذه القضية، وعندما استدعاني القاضي للشهادة وجدت نفسي فجأة أعترف أمامه بكل شيء فسقطت من على صدري كل الأثقال التي كنت أحملها طوال تلك المدة. وتمت تبرئة الزوج وخروجه إلى النور ونطق القاضي بالحكم على فلة بـ7 سنوات، خمس منها للحق العام وسنتان تعزيراً بالإضافة إلى 500 جلدة.
"فلة" التي تقضي أيامها بالسجن على الأدوية النفسية نادمة أشد الندم على ما فعلته، فمنذ سنوات لم تر أطفالها وليس لديها من يقف معها في هذه الأوقات سوى الله سبحانه وتعالى، فوالداها قد فارقا الحياة وهي بالسجن. تقول في ختام حديثها "لا أريد سوى رضا زوجي عني وأريد أن أرى أطفالي فأنا أشعر يوميا بالموت لأني أفتقدهم ".
ساحة الإعدام
هذا اليوم الذي تساق فيه المحكوم عليها بالإعدام إلى ساحة الصفاة بالرياض لتنفيذ الحكم. مشاعر ليس لها هوية تنتاب الجميع إلا أنها في النهاية مؤلمة، هذا ما وصفته العريف عائشة والجندي نورة لـ"الوطن" حيث قامتا بمرافقة عدد من السيدات إلى حيث التنفيذ. تقول نورة " عندما نستدعي المحكوم عليها من العنبر في الصباح الباكر لا نخبرها بأنها في الطريق لتنفيذ الحكم لكنها تفهم ذلك، حيث نضع حول يديها القيود ونذهب بها بالسيارة المخصصة للنقل. وعند وصولنا نقوم بتجهيزها للسياف وذلك بإزاحة الغطاء عن العنق من الخلف، ومرافقتها إلى حيث المكان المخصص للتنفيذ وبعد أن نقوم بوضعها في المكان الصحيح نبتعد عنها". وتروي العريف عائشة بعضا من القصص التي عايشتها مع 3 سيدات قامت بمرافقتهن إلى ساحة الإعدام مؤكدة أن هذا ليس بالأمر السهل عليها ولا على حالتها النفسية. وتضيف : أتألم كثيرا وأتعب إلا أنها في النهاية وظيفتي ومن واجبي أن أبقى بجانب المحكوم عليها حتى النهاية. وتؤكد أنها وخلال المشوار الفاصل ما بين السجن وساحة الصفاة تكون المحكوم عليها على أمل بالعفو.
وحول ذلك تتحدث مديرة سجن النساء بالرياض أمل أبو عراج والتي بدأت ترافق مؤخرا المحكومات بالإعدام. رغم أن هذا لا يدخل في صميم عملها، إلا أنها - وكما تقول - شعرت بأنه من واجبي أن أذهب مع المحكوم عليها لأقوم وطوال الطريق بضمها وقراءة آيات من القرآن الكريم والأدعية والأحاديث، هذا المحرك الإنساني الذي لمسته شخصيا في مديرة السجن من الصعب وصف جزيئاته فنقلته لكم كما هو. تقول "أبو عراج" عندما عرفت من السجانات ما يحصل أثناء الطريق من حالة نفسية متدهورة تصل أحيانا إلى حد الانهيار، ونظرا لقربي من السجينات تطوعت بذلك لأساهم بطمأنتهن وتهدئتهن خصوصا أن الذاهبة إلى الإعدام تنتظر العفو دائما وهذا الأمل هو الذي تعيش عليه طوال المسافة " ومن هذه الأحداث ما حصل لإحدى المحكومات التي قامت بقتل والدة زوجها. وكانت طوال الطريق تعتقد بأنه إذا شاهدها بالقرب من السياف سيعتق رقبتها، وتكمل: عند نزولها من السيارة ومن بين الحشد الكبير المتجمهر حول الساحة كان زوجها يتقدمهم وأول ما وقع نظرها عليه وهي تنزل من السيارة نادته ليعفو عنها، فأشاح ببصره إلى أن فارقت الحياة.
المرأة تقتل لدوافع
وللجريمة مهما كان نوعها دوافع، هذا ما أكدته الباحثة الاجتماعية بسجن النساء غادة الصقعبي. تقول "أغلب القاتلات لديهن مشاكل نفسية وضغوط اجتماعية، أنا لا أبرر الجريمة لكن هناك قهراً اجتماعياً يدفع القاتلة إلى ارتكاب جريمتها". وحول إمكانية تكرار جريمة القتل أكدت أن المرأة التي تقتل من الممكن أن تقتل مرة ثانية مستشهدة بقضية لسيدة تعيش حاليا في السجن وتقوم الصقعبي بعمل دراسة حالة حولها حيث كانت قد ارتكبت جريمة قتل في الخادمة قبل سنوات، وقضت بالسجن محكومية الحق العام بعد أن دفع أهلها الدية لأهل الخادمة وتم التنازل عن الحق الخاص، وتضيف: عادت لنا مرة أخرى قبل عامين في نفس الجريمة حيث قامت بقتل الخادمة أيضا بالرغم من منعها من استقدام الخادمات بعد الجريمة الأولى إلا أنها حصلت على التأشيرة من أحد أقاربها، وتوضح الصقعبي أن هذه الحالة تعطينا دلالة بأن القاتل قد يقتل مرة أخرى.
وعندما نتحدث تحديدا عن المرأة القاتلة نستوضح من الصقعبي وبحسب معايشتها لهذه الحالات أن المرأة ترتكب الجريمة في كثير من الأحيان عند مرحلة التغييرات الهرمونية. تقول " لاحظت أن معظم النساء القاتلات يرتكبن هذه الجرائم عندما تكون إحداهن إما حاملاً أو في مرحلة الدورة الشهرية " وتبدي اندهاشها من قدرة المرأة الحامل على ارتكاب هذا النوع من الجرائم التي تحتاج إلى قوة جسدية، متسائلة.. من أين تأتي لها هذه القوة ؟
العقوبات القاسية لا تمنع الجرائم
وحول عقوبة الإعدام، أكد الباحث الدكتور مضواح محمد المضواح في دراسة حديثة قدمها الشهر الماضي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تحت عنوان " المنفعة المستقبلية للعقوبة من وجهة نظر النزلاء " أن العقوبات القاسية لم تمنع الأشخاص من اقتراف الجرائم، وهذا يعزز الاعتقاد بأن شدة العقوبة في حد ذاتها لا تحدث أثرا في النفس البشرية بقدر ما تحدثه مدة العقوبة. وقال " مع تكرار عقوبة الإعدام فإنها تتحول مع الوقت إلى مجرد مشهد للتفرج وتُحدث لدى الأفراد تعاطفا مع المحكوم عليه وازدراء للسلطة. وقد لا تكون هذه المشاعر واضحة حتى لصاحبها لكنها تترسب في النفس، في حين أن العقوبات المعتدلة والطويلة لا تثبت في مشاعر الأفراد سوى الخوف الذي يمنعهم من اقتراف الجرائم".
ويحذر المضواح في نتائج هذه الدراسة من مشاعر الكره والنقمة على المجتمع موضحا أن بعض الأفراد يسقط كل أخطائه على المجتمع ويتهمه بالظلم وعدم المساواة، والتسبب في كل معاناته، وقال " يزداد الأمر سوءا إذا اقترف فعل إجرامي لأن الإجراءات الجنائية والمرافعات القضائية والمعاملات العقابية قد ترفع من وتيرة هذه المشاعر إلى حد يجعل النزيل يشعر بالكره للمجتمع والرغبة في الانتقام منه. واقترح الباحث لخفض هذه المشاعر السلبية أن يكون من مهام البرامج الإصلاحية تبيان محاسن المجتمع ومدى مسؤولية الفرد عن أفعاله، وأن تبصره بأن أمن المجتمع يتطلب وجود أجهزة العدالة الجنائية وأن ما تتخذه هذه الأجهزة من إجراءات شرط من شروط الحياة الآمنة وإلا تحول المجتمع إلى حالة من الفوضى.
وأوصى المضواح بتفعيل بدائل عقوبة السجن وبدائل العقوبات البدنية التعزيرية وبخاصة تجاه الجريمة الأولى في حياة الجاني.
أرقام رسمية
كشفت آخر إحصائيات صادرة عن وزارة العدل لعام 1426 أن عدد القضايا الجنائية بشكل عام في جميع مدن ومحافظات المملكة 115768 قضية من بينها 403 جرائم قتل. ولم يحدد السجل الإحصائي جنس القاتل ذكراً أو أنثى وهذا ما جعل من مهمة البحث عن إحصائية توضح عدد النساء المتورطات في قضايا القتل صعبة للغاية.
وفي منطقة الرياض بلغ عدد القضايا الجنائية 13630 من بينها 54 جريمة قتل صدر بحقها صك قضائي بلغ فيها عدد السعوديين 35 وغير السعوديين 19.
أما عدد قضايا القتل التي تم تصديقها من قِبل محكمة التمييز بالرياض فقد بلغ 109. وسجلت منطقة مكة المكرمة أكبر عدد لجرائم القتل على مستوى مدن ومحافظات المملكة حيث بلغ عددها 116 جريمة بلغ فيها عدد السعوديين 75 وغير السعوديين 41.